الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أوروبا وسياسة "الأبواب الموصدة"... المستحيلة!

أوروبا وسياسة "الأبواب الموصدة"... المستحيلة!

23.03.2016
سمير السعداوي


الحياة
الثلاثاء 22/3/2016
تمخض الجبل فولد فأراً... أوروبا بقضها وقضيضها لن تستطيع استقبال أكثر من 72 ألف لاجئ سوري، كما يلحظ اتفاق وقعته دول الاتحاد مع تركيا في قمة بروكسيل الأسبوع الماضي.
لعل خير تعليق على ذلك ورد على لسان الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، حين أشار إلى أن تركيا "تستضيف 3 ملايين مهاجر"، في معرض انتقاده نظراءه الأوروبيين الذين دعاهم إلى التأمل في مواقفهم قبل توجيه انتقادات للآخرين، واصفاً المسؤولين في القارة بـ "أولئك الذين لا يستطيعون توفير مكان لعدد قليل من اللاجئين والذين يتركون هؤلاء الأبرياء في وسط أوروبا في أوضاع مخزية".
وما ينطبق على تركيا في هذا الشأن ينطبق أيضاً على سائر دول الجوار السوري، وبمعنى آخر فإن ما قاله الرئيس التركي على قساوته، يمكن أن يعتبر لسان حال لبنان والأردن اللذين يستضيفان أعداداً كبيرة من السوريين، في حين أن قدراتهما لا تقارن بمكان مع قدرات الأوروبيين.
يقضي اتفاق بروكسيل أن تستعيد تركيا أي لاجئ يدخل دول الاتحاد الأوروبي، بصفة غير قانونية، أي أن السوريين ضحايا الحرب المستعرة في بلادهم، لم يعد في مقدورهم طلب حماية دولية، وبات يتعين عليهم تقديم طلبات لجوء خلال وجودهم على الأراضي التركية. وفي مقابل استعادتهم، تعهد الأوروبيون بتقديم حوافز إلى أنقرة، على شكل مساعدات مالية بقيمة ٣ بلايين يورو، وتنازلات مهمة لتركيا تتعلق بموافقة الاتحاد على إلغاء تأشيرات الدخول أمام رعاياها. كما وافق الأوروبيون على فتح فصول جديدة في مفاوضات عضوية تركيا في الاتحاد.
وبغض النظر عن انتقاد ناشطين ومعلقين أوروبيين الطابع اللاأخلاقي لموقف حكوماتهم الذي جعل مأساة بشرية بحجم قضية المهاجرين موضع مساومات، فإن الاتفاق الذي أبرم في بروكسيل قوبل بتساؤلات كثيرة حول ثغرات قانونية وسياسية يتضمنها، وقد تجعله عرضة لشكاوى كثيرة أمام المحاكم الأوروبية، وفق خبراء كثر تحدثوا إلى وسائل الإعلام الغربية.
وإضافة إلى أن الصفقة الأوروبية - التركية تتنافى مع حقوق الإنسان وتناقض القوانين الدولية المتبعة في حالات الحروب، ولا تشكل بديلاً جدياً للأنظمة المرعية لحق اللجوء كما تحددها معايير الأمم المتحدة، فإن الاتفاق يتوقف أيضاً على جانب سياسي سبق اختباره دون جدوى وهو يتعلق بعدم رضا قبرص عن منح تركيا الحوافز المذكورة التي تتعلق بعضويتها في الاتحاد الأوروبي، كما أنه يعتمد إلى حد بعيد على حسن النيات والثقة المتبادلة بين تركيا واليونان... وهي في حقيقة الأمر ثقة تكاد تكون مفقودة!
ولعل تلك الأسباب هي من ضمن عوامل جعلت تدفق لاجئي القوارب من تركيا إلى اليونان عبر بحر ايجة مستمراً، رغم بدء موعد تطبيق الاتفاق الأحد الماضي، وهو موعد يفترض أن تبدأ معه إعادة أي مهاجر يصل إلى اليونان من حيث أتى، أي إلى تركيا. وأحصى مسؤولو الهجرة وصول حوالى 800 طالب لجوء بحلول بعد ظهر الأحد، فيما اعتبرت مصادر وكالة الحدود الأوروبية (فرونتكس) أن استمرار توافد المهاجرين قد يفسر الالتباس المستمر حول تطبيق الاتفاق الأوروبي - التركي.
وأقر مسؤولون يونانيون بأن الآليات العملية ليست جاهزة بعد، لبدء تطبيق اتفاق إعادة اللاجئين. ووفق المفوضية الأوروبية، فإن تطبيق الاتفاق يتطلب تعبئة أربعة آلاف عنصر بينهم ألف أعضاء "طاقم أمني وعسكري" وحوالى 1500 شرطي يوناني وأوروبي مع ميزانية تقدر بحدود 280 مليون يورو خلال الأشهر الستة المقبلة. ومن دون هذه المقومات، يصبح الاتفاق آيلاً إلى السقوط.