الرئيسة \  مشاركات  \  أولياء الأمور

أولياء الأمور

27.10.2013
د. محمد دامس كيلاني




(( ياأيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلَّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ إِن يَكُنْ غَنِيًّا أَوْ فَقِيرًا فَاللَّهُ أَوْلَى بِهِمَا فَلاَ تَتَّبِعُواْ الْهَوَى أَن تَعْدِلُواْ وَإِن تَلْوُواْ أَوْ تُعْرِضُواْ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا)) النساء 135, و يقول سبحانه في موضع آخر من كتابه الكريم ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآَنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)) المائدة 8.
هذه الآيات الكريمة وجهها الحق سبحانه و تعالى لنا معاشر المسلمين و لكل من تولى أمرا من أمور الناس على هذه الأرض وفقا للولاية التي وليها في بيته أو عمله أو نحوه.
أروع ماقرأت وأكرر القراءة و أتمنى لو أنها كانت ملصقا نلصقه أمام أعين كل من يتولون أية مهمة أو ولاية على نفر من الناس وهي أن أحد خلفاء الدولة الأموية كان ظالما طاغيا جبارا , وكتب الله له أن يتوجه الى أداء فريضة الحج , وكانت الحكمة أنه وقعت عيناه على أحد علماء الدين المشهود لهم في ذلك العصر جالسا في الحرم , فبعث اليه طالبا حضوره , فرد العالم الجليل : قل لأمير المؤمنين في بيت الله لا أستجيب الا لله تعالى, فكرر الأمير الطلب ثلاثا و العالم يرد بذات الرد , مما اضطر أمير المؤمنين الى الذهاب اليه و الجلوس الى جواره مسلما محييا ومن ثم سائلا : لم لا تأتينا كما يأتينا الناس ؟, أجابه العالم : ليس عندك ما أرجوك له , وليس عندي ما أخافك عليه , ثم سأله الأمير : وما رأيك في؟ , فقال العالم : ان أمنتني أعلمتك بالأمور من أصلها , فأمنه الأمير, فقال العالم : أنت رجل ولاك الله حكم الناس فأقمت دونهم حرسا و حجابا حجبوهم عنك و حجبوك عنهم , فلايصلك من أخبار الناس الا مايريدون , ثم قالوا : انه لايخاف الله تعالى فما بالنا نخافه , فعاثوا في الناس فسادا فأكلوا أموال الناس باسمك , فانتشر الفساد والبغي في الأرض , فستحمل أوزارك و أوزارهم يوم القيامة , ثم يحاسبك مولاك على تفريطك في الأمانة التي وكلها الله اليك, فالولاية أمانة وأنت قد ضيعتها باختيارك الأعوان الظلمة الطغاة , فبكى أمير المؤمنين فقال له العالم : كفكف دموعك يا أمير المؤمنين واتق الله فيما ولاك واعلم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال : ((  ان الله سائل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع )), واعلم يا أمير المؤمنين أن في جهنم حيات كالتلال و عقارب كالقلال تلدغ كل أمير لايعدل في رعيته , فقال له أمير المؤمنين : سلني حاجتك , فقال العالم : في بيت الله لا أسأل الا الله , فبقي معه أمير المؤمنين حتى خرجا من الحرم معا ثم قال له الأمير : خرجنا من بيت الله فسلني حاجتك فرد عليه : ان كنت لم أسألها ممن يملكها فكيف أسألها ممن لايملكها , أصلح الله حالك يا أمير المؤمنين اذهب و أصلح من شأنك مع من ولاك هذه الولاية .
لن أعلق على هذه الواقعة أبدا بل و للتذكرة أن من الواجبات – نعم الواجبات - المنوطة بمن ولاه الله تعالى أمر الناس أن يحسن اتخاذ البطانة التي حوله و يسعى أن تكون من الصالحين المخلصين الذين يسعون بصدق للحفاظ على الأمة بمصالح الناس كمحافظتهم على مصالحه , وأن يهتموا بتلبية حاجات الناس ( المشروعة ) وتقديم الضرورية منها عن غيرها و الحفاظ على مصالحهم , و المقصود هاهنا بالبطانة كل المساعدين و المستشارين ونحوهم لقول نبينا صلى الله عليه و سلم (( اذا أراد الله بالأمير خيرا جعل له وزير صدق , ان نسي ذكره وان ذكر أعانه , واذا أراد به غير ذلك جعل له وزير سوء ان نسي لم يذكره وان ذكر لم يعنه )) .
انه بيان واضح جلي أن المساعدين و المستشارين لولي الأمر ان صلحوا فالخير للمواطن و الوطن و الأمة  و الولي , وان فسدوا – والعياذ بالله – فان مرد ذلك على ولي الأمر أولا ومن ثم جعلوا الوطن في مصائب و نكبات , ليأتي هنا واجب – نعم واجب – ولي الأمر أن لايتردد بالتخلص منهم كي تنعم الأمة بالخير و الجدير بالذكر هنا الخليفة العباسي الذي جلس الى أحد العلماء الصالحين طالبا نصحه فقال العالم :( يا أمير المؤمنين .. لأن تصحب من يخوفك حتى تبلغ الأمن خير لك من أن تصحب من يؤمنك حتى تبلغ الخوف )  , عالم عامل ناصح أمين فكم نحن بحاجة لأمثاله هذه الآونة في أمتنا!!!.
دورنا نحن الرعية بل واجبنا الانتباه و الصحوة و اليقظة من كل مايجري من حولنا كل وفقا لما هو منوط به من عمل و مهام ومسؤلية رعاية ( كلكم راع و كلكم مسؤول عن رعيته ) و علينا أن لاننس مسؤوليتنا عن اصلاح مانراه أمام أعيننا من أخطاء وأن نقاوم الظلم سواء ان وقع علينا أو على غيرنا و بالطريقة التي تناسب الحال و الزمان و المكان , أولسنا جميعنا مسؤولين أمام الله تعالى ؟! (( وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ )) الأنفال 25.
فعلى هذا المنوال فلنبدأ ومن ثم لنمض ... ولنتقن حسن ارتباطنا بالله سبحانه و بكتابه الكريم وسنة نبيه صلى الله عليه و سلم ... هذه الخطوات الأولى وهي متتابعة فقليلها يؤدي الى كثيرها و صغيرها يؤدي كبيرها و موازين الشريعة قائمة في كل مرحلة نمر بها ... ثبتنا الله و وفقنا لما يحب.