الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أول الضحايا… طفلان سوريان تجمدا في حلب والرستن

أول الضحايا… طفلان سوريان تجمدا في حلب والرستن

29.12.2013
مهند حسن


القدس العربي
السبت 28/12/2013
لماذا لا تتجمد أحاسيسنا في صقيع ‘أليكسا’؟ كي لا تًدمى قلوبنا لمرأى السوريين الذين يصارعون لأجل البقاء، ويقفون عاجزين عن حماية اطفالهم من الموت بردا؟ خُيل لهم بعد ان فروا بأطفالهم من نيران ‘جيشنا العربي السوري الباسل’ أنهم انقذوهم، لكن القدر يريد لهم الموت وكفى بك داء أن ترى الموت شافيا.
المدهش أن اليوم الأول من الإعصار لم يحصد إلا روحي طفلين بردا ، كما قالت وسائل الاعلام ولربما كان الواقع أشد فظاعة.
أعاد هذا الخبر المريع إلى الذاكرة موضوع تقرير ُنشر في أواخر ستينات القرن العشرين بعيد الهزيمة المدوية التي اطاحت جيوشا عربية غير متفرغة لمجابهة ‘العدو الصهيوني’ في الخامس من حزيران/ يونيو 1967، تضمن التقرير عرضا لأحوال النازحين الجدد في الدول العربية التي ضربتها تلك الحرب الخاطفة، ومنها سوريا، حيث تدفق على ضواحي دمشق القريبة من خط وقف إطلاق النار، الوف مؤلفة من سكان الجولان، الذين هجروا قراهم فرارا من ‘تساهال’ أي جيش الدفاع الإسرائيلي.
أسقط في أيدي من لم يستعدوا لهذه المفاجأة المروعة، لجهلهم بالآثار الجانبيه للحروب، فسارعوا إلى ارتجال أماكن الايواء، في المدارس أولا، وعندما ازدحمت بالنازحين، اضطر المسؤولون إلى إقامة مخيم فسيح في الأرض الفضاء شمال غرب دمشق عرف باسم مخيم برزة البلدة القريبة.
سرعان ما انتهى الصيف والخريف وجاء شتاء قاس 1967 – 1968 وهطلت الثلوج في دمشق فتفاقمت مصيبة النازحين البؤساء.
تضمن تقرير احوال النازحين في سوريا والأردن ولبنان (ربما) تفاصيل مؤلمة، منها هذه الحكاية الموجودة في الصفحات الخاصة بسوريا، رواها واحد من المندوبين لكاتب الدراسة لأنها بقيت محفورة في ذهنة على ما يبدو. بعد لمحة موجزة عن مخيم ‘برزة’ وعدد سكانه وخيامهم وظروفهم القاسية في ذلك الشتاء، وفي سياق نقل أقوال بعض من قبل الكلام مع ‘الغرباء’ قالت مجموعة من الرجال: ‘لقد شهدتْ الليلتان الماضيتان وفاة احد عشر طفلا من البرد في الخيام، كان القرويون يغالبون دموعهم عندما قال واحد منهم، إن الذي يحز قلوَبهم أنهم لم يتمكنوا من دفن الأطفال بعد نحو ثمان واربعين ساعة، لأنهم افتقدوا المعاول والرفوش لحفر الأرض الصلدة المتجمدة. كما انهم لم يتمكنوا من تعميق القبور’.
المؤلم والمفجع في مأساة السوريين في نصف القرن الممتد بين 1967
و2013 أن المسؤول عن هزيمة الجيش السوري يومئذ، يكاد يكون هو نفسه المسؤول عن تدمير سوريا اليوم، أليس في هذا الأمر ما يدعو إلى التفكير في زمن ‘التكفير’.. الذي يدعيه بعُضهم ويمارسه غيُرهم.
لابد لكل من بقيت لديه ذرة من ضمير، من أن يتوصل إلى نتائج تزيح الغشاوة عن العيون والأدمغة.
هذا هو قدر السوريين ـ لأسباب غامضة ـ أن يموت أطفالهم متجمدين، حتى يتمكن عميان البصائر من أعضاء وفود ‘دعم المقاومة السورية’ في مجابهة ‘المؤامرة العالمية’ التي تشهدها سوريا، هذه الوفود القادمة من موريتانيا والجزائر ومصر وفلسطين والأردن، لا لتفقد خيام ملايين اللاجئين، بل لوضع البرانس والعباءات على كتفي المقاوم الأول (بعد الاعتذار من السيد نصر الله).
لقد كانت معاناة النازحين السوريين في عام 1967، من عدوان ‘جيش الدفاع الإسرائيلي’ أقل بما لا يقاس من معاناتهم نتيجة لعمليات ‘جيشنا العربي السوري البطل’ المدعوم بقوات ‘الدفاع .. عن الأمن.. أمن المشروع الصهيوني حصرا.
لم أنقل هذه القصة لاستدرار العطف على اطفال سوريا.. كتبتها من اجل السادة العظام من الرؤساء ووزراء الخارجية والإعلام في الدول المتحضرة وشبه المتحضرة، نوويا أعني، ممن يضللون في بازارات العواصم الكبرى والأصغر حجما..
هؤلاء هم اجدر بالرثاء لانهم لم يتفوقوا في الانحطاط إلا على أنفسهم.