الرئيسة \  مشاركات  \  أين الخلل ؟

أين الخلل ؟

09.02.2016
د. محمد أحمد الزعبي





لايمكن لاحد أن ينكر أو يتنكر لخلل الممارسة الذي أصاب جناحي المعارضة الرئيسيين ، المدني والعسكري ، والذي أدى عمليا ( الخلل ) من جهة الى إطالة حرب الاستنزاف بين الثورة والنظام ، وبالتالي إراقة الدماء ومن جهة اخرى الى تقلص حجم ومساحة المواقع التي سيطرت عليها المعارضة الوطنية والجيش الحر ، ومن جهة ثالثة الى برود همة بعض الثوار ، وابتلاعهم الطعم ( السم في الدسم ) الذي وضعه لهم أعداء ثورات الربيع العربي ، من العرب وغير العرب ، ولا سيما طعم فوبيا الديموقراطية والإسلام .
 هذا ويمثل الخلاف السني الشيعي ، والموقف المتباين لكلا الطرفين من ثورات الربيع العربي ، الفخ الأكبر والأخطر الذي نصبه أعداء هذه الثورات لوقف دومينو الديموقراطية في الوطن العربي عامة وفي سورية والعراق ومصر خاصة ، ولحفر هوة عميقة من جهة بين القومية العربية والدين الاسلامي ، ومن جهة أخرى بين الأقلية والأكثرية داخل الوطن الواحد ، تلك الهوة التي زاد في عمقها وخطرها المتطرفون من كلا الطرفين ( داعش البغدادي ، وقاعدة الظواهري ، وشبيحة الأسد ، ومليشيات المالكي وولي الفقيه ) ، ولا سيما بعد وصول حافظ الأسد الى السلطة في سوريا عام ١٩٧٠ ، والخميني في إيران 1979، والغزو الأمريكي للعراق عام ٢٠٠٣ ، وهو ماانعكس سلبا على أداء الثورتين السورية ( منذ ٢٠١١ وحتى اليوم ) والعراقية ( منذ ٢٠٠٣وحتى اليوم ) ( والمصرية منذ تموز 2013 وحتى اليوم ) .
 لايمكن لاحد أن ينكر أو يتنكر، للعلاقة الجدلية (التأثير المتبادل أفقيا وعموديا) ) بين ثورة آذار السورية ، وبين ماجرى ويجري في كل من مصر والعراق الامر الذي يعني أن الموقف السلبي للقوى والأطراف المعادية لثورة الشعب السوري الوطنية والديموقراطية سوف يظل على حاله ، سواء في إطار الجيش الحر أو في إطار أية تسمية أخرى ، من حيث استمرار أعداء الربيع العربي ، في الداخل والخارج ، بالعزف على نغمة مكافحة الإرهاب ، وتدعيش الحراك الوطني الديموقراطي المرتبط بهذا الربيع ، ولاسيما في مصر وسورية والعراق ، وبالتالي الحفاظ على الأنظمة الموالية للخارج في هذه الدول و المقبولة من ( روسيا وامريكا وإسرائيل وإيران )، وبغض النظر عن التصريحات التضليلية لهذا الطرف او ذاك ، من " أصدقاء الشعب السوري !!" ، و التي ظاهرها الرحمة وباطنها التضليل والكذب . إن ماتقوم به روسيا في شمال سوريا وجنوبها هذه الأيام وسكوت هؤلاء الأصدقاء المحترمين (!) على ذلك ،هو الدليل العملي على مانقول .
 
كما أن الموقف المتفرج للدول الكبرى (دول المصنع والمدفع )على تدمير الأنظمة المستبدة والفاسدة لثورات الربيع العربي ، لمنع وصول لهيب هذه الثورات الى الأنظمة التابعة لهم ، والحامية لمصالحهم ، ولا سيما " إسرائيل " ، إنما هو الهدف الحقيقي الكامن وراء هذا الموقف المتفرج لهذه الدول ، على مذابح أطفالنا ، وتدمير بيوتنا ، والفتك بأرواح رجالنا ونسائنا . إن التذرع بداعش مرة ، وبالنصرة أخرى ، إن هو الّا الذريعة الواهية ، بل ورقة التوت التي تحاول تلك الدول المعنية التابع منها والمتبوع ، ستر عوراتها الأخلاقية والسياسية بها . بل إن داعش بالذات ليست أكثر من " حصان طروادة " الذي تتلطى خلفه هذه الدول ( العظمى منها وغير العظمى ) وصولاً إلى هدفها الرئيسي في تدمير ثورات الربيع العربي وعلى رأسها ثورة آذار 2011 السورية ، التي باتت شعاراتها تقلق هذه الدول . لقد جاءت القوات الروسية واحتلت سوريا للقضاء على داعش ، وجاءت قبلها دول التحالف الستيني لهذا الغرض ، وها هي داعش ( باقية وتتمدد ) .
 إن الصورة القاتمة التي ذكرناها أعلاه ، تسمح لنا بأن نقول بصوت عال وواضح ، والكلام هنا موجه بصورة أساسية للمعارضة السورية ، في الداخل والخارج : إذا كان الخيار بين التوافق أو المواجهة بين أطراف وأطياف هذه المعارضة ، فنحن ننصح كافة هذه الأطراف والأطياف ، أن يكون خيارهم جميعاً ودو ن استثناء ، التوافق فيما بينهم ( ولو في إطار الحد الأدنى) ، والمواجهة المشتركة مع النظام القمعي الوراثي الديكتاتوري لعائلة الأسد ، وأيضاً مع صنيعته حركة داعش المتطرفة والتي تضرب بسيف الإسلام والإسلام منها براء ، وهو ما يعني - عملياً- ضرورة تأجيل الخلافات السياسية والحزبية والأيديولوجية بينهم، وأعني بالضمير المتصل " هم " التيارات الرئيسية الأربعة في المعارضة ( القوميون ، الإسلاميون ، اليساريون ، الليبراليون ) وهي خلافات موجودة ومشروعة ، إلى مابعد تحرير الوطن من براثن هذا النظام الفاسد وحماته ، وإقامة البديل الديموقراطي ، حيث ستكون عندها الأبواب مشرعة للتنافس الحر الوطني والسلمي والشريف بين كافة مكونات هذه المعارضة الوطنية ، دونما استثناء .
 ان الاختلاف في الرأي بين الناس ، ـ بطبيعة الحال ـ ، هو أمر مشروع ( ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض ...) ولكن هذا الخلاف يجب أن يحمي الارض ( المجتمع / الوطن / الامة ) من الفساد ، لا أن يكون هو نفسه سببا لهذا الفساد ، فالأرض هي بستان الإنسان ، وكلما تعددت ألوان الورود والزهور في هذا البستان كلما كان اجمل وأكمل ، دعونا نختلف ، ولكن دون أن نفترق ، لتتعدد الورود والزهور ، ولكن في إطار وحدة البستان ، فالمجتمعات البشرية ، تشبه يد الإنسان التي تتمايز أصابعها ، ولكن هذا التمايز( هذه التعددية ) هو شرط عمل هذه اليد في تأديتها لوظيفتها في خدمة هذا الإنسان . ولايهم أن يكون اسم الجناح العسكري من الثورة ، الجيش الحر ، أو الجيش الوطني السوري ، أو أي اسم آخر ، وإنما المهم هو أن يكون الثائر للثائر سواء أكان مدنياً أو عسكرياً ، من الثوار السابقين أواللاحقين ، كالبنيان المرصوص يشد بعضه بعضا ، وأن يكون هدف الجميع واحداً ، ألا هو إسقاط النظام الديكتاتوري
الطائفي الراهن ، بكل مرتكزاته ورموزه ، وإقامة نظام وطني مدني ديموقراطي تعددي على أنقاضه.
 
 يمكننا ان نلخص الصراع الدائر اليوم ضمن وحول ثورات الربيع العربي عامة ، والثورة السورية خاصة بالصراع بين مثلثين : مثلث عسكري قاعدته روسيا ، وضلعاه الآخران إيران والأسد ، ومثلث مدني قاعدته مبدأ المواطنة ، وضلعاه الآخران الدستور وصندوق الاقتراع النزيه والشفاف .
 ومن المؤسف أن نرى بعض اليساريين العرب يطبّلون ويزمرون لمثلث الديكتاتوريات العسكرية ، على حساب مثلث الديموقراطية المدنية ، وتحت ذرائع واهية ماأنزل الله بها من سلطان . ويبدو أن الصمت في بعض الحالات أبلغ من الكلام .