الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أين عرب أوروبا من مسألة "العائدين من سورية"؟

أين عرب أوروبا من مسألة "العائدين من سورية"؟

03.05.2014
رغيد الصلح


الحياة
الخميس 1/5/2014
تعقد مجموعة من الدول الأطلسية والعربية المعنية بالقضية السورية مؤتمراً في بروكسل خلال الأسبوع المقبل للبحث في تداعيات الحرب في سورية على القارتين الأوروبية والأميركية. الحافز الى عقد هذا المؤتمر هو القلق والمخاوف المتفاقمة في الأوساط السياسية والأمنية الأطلسية الناجمة عن الارتفاع المستمر في حركة السفر بين اوروبا ومسرح الحرب السورية. فعدد المتطوعين الذين غادروا الدول الأوروبية الى سورية في ازدياد. والأخطر من ذلك، من وجهة نظر اوروبية، هو الارتفاع في عدد العائدين من هؤلاء الى الدول الأوروبية. فهؤلاء يجلبون معهم خبرات قتالية يمكن استخدامها في البلدان التي يعودون اليها. حتى الآن لم يقدم اي من العائدين على اي عمل من هذا النوع، ولكن المستقبل قد يؤتي للدول الأوروبية بما تخشاه وتتحسب منه.
يعتقد بعض الذين يتابعون هذه المسألة من الجانب العربي انه ما من مبرر للمبالغة في التخوف من "العائدين" اياً كان البلد الذي يرجعون اليه. ان عدد هؤلاء ليس كبيراً كما يرجّح الإعلام في بعض دول اوروبا. فمن المعتقد انه يتراوح بين الألف متطوع اوروبي، كما جاء في صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية، وبين الألفين كما رجّحت صحيفة "الغارديان" البريطانية. وهذا العدد يوازي 10 او 20 في المئة من عدد المتطوعين الأجانب الإجمالي الذي يصل الى حوالى 11 الف مقاتل يحاربون في صفوف المعارضة المسلحة والقوات النظامية معاً. ولكن قلة عدد "العائدين"، لا تقلل من خطرهم على الأمن الأوروبي، كما يقول المحللون الأوروبيون الذين يعلقون الآمال على المؤتمر الأوروبي القريب. فموضوع العائدين جدي وقد يكتسب طابعاً خطراً نظراً للاعتبارات التالية:
1- ان الأعمال الإرهابية لا تحتاج، كما هو معروف وشائع، الى عدد كبير من الأفراد، بل يمكن لعدد محدود منهم القيام بها. وهذا العدد بات، في تقدير المعنيين بهذه المسألة، متوافراً في اوروبا وبين المتطوعين الذي انطلقوا منها للاشتراك في الحرب السورية. وما يزيد من اهلية "العائدين" لنقل تجاربهم الى اوروبا هو ان عدداً منهم هو من اصل اوروبي. ومن البديهي ان يتمكن المتطوع الأوروبي الأصل من التحرك في المجتمعات التي يعود اليها بدرجة اعلى من الحرية والسهولة بالمقارنة بالعائد العربي الأصل. استطراداً، يجد المعنيون بمسألة العائدين ان العائد الأوروبي الأصل سوف يكون اكثر خطورة اذا قرر الإسهام في عمليات عنف في بلده.
2- ان الاعتقاد السائد في العديد من الأوساط المعنية بالمسألة السورية في الغرب أن هذه المسألة لن تصل الى حل قريب. ويساهم استمرار التوتر الروسي- الأطلسي حول قضية اوكرانيا وحول منطقتّي البلقان والقفقاس في ترسيخ هذا الاعتقاد. ومع ترجيح غياب حل سريع للمسألة السورية، فإنه من المعتقد ان عدد المتطوعين الأجانب سوف يتصاعد. وتستمد هذه الملاحظة من المقارنة بين نسبة المتطوعين الأوروبيين الذين ساهموا في كل من حربَي العراق وأفغانستان ونسبة المساهمين - والمساهمات - في الحرب السورية. والاستنتاج هنا ان نسبة المتطوعين في الحرب الأخيرة قد فاقت خلال زمن قصير نسبة المتطوعين في الحربين السابقتين. ويعزى هذا الأمر احياناً الى اسباب لوجستية نظراً لسهولة التسلل عبر الأراضي التركية واللبنانية الى ميدان الحرب السورية.
3- التداخل بين قضية العائدين وبين الجدل الساخن الذي يدور في الساحات السياسية الأوروبية حول قضايا الهجرة والاتحاد الأوروبي والصراع بين اليمين واليسار. فقضية العائدين توفر فرصة ذهبية لأحزاب اليمين عموماً، ولأحزاب اليمين المتطرف بصورة خاصة، لتعبئة الرأي العام الأوروبي ضد الهجرة والمهاجرين وضد الأحزاب التي "تساهلت في فتح الأبواب امامهم"، اي احزاب اليسار. ومن المرجح ان تتحول قضية العائدين الى مرتكز مهم لتصعيد حملات اليمين المتطرف ضد الأحزاب الليبرالية والإصلاحية واليسارية الأوروبية. فهذه الأحزاب الأخيرة متهمة بأنها هي التي تحمي الهجرة وتتراخى في مكافحة الهجرة والمهاجرين سعياً الى كسب اصواتهم الانتخابية. استطراداً فإن اليمين المتطرف لن يتردد عن استخدام مسألة العائدين والأخطار التي يمثلونها ضد احزاب الوسط واليسار وعن تحميلهم مسؤولية هذه الأخطار.
من هذه الزاوية، فإن قضية العائدين توفر فرصة للمطالبة بالتحلل من المشروع الأوروبي الذي يسمح للمهاجرين الى القارة بالتجول بحرية واسعة في الأراضي الأوروبية وبين دول القارة.
لقد نجح اليمين الأوروبي المتطرف بالأمس في تحريض قطاعات واسعة من المواطنين الأوروبيين ضد المهاجرين ومن ثم في حملهم على الاقتراع لمصلحته في الانتخابات كما جرى في الانتخابات الفرنسية مؤخراً. ومن المرجح ان ينجح اليمين الأوروبي المتطرف في حملاته اليوم وغداً ضد "العائدين" ومن ثم ضد العرب الأوروبيين.
ان النخب الأوروبية الحاكمة، وأكثرها من احزاب الوسط، تسعى الى احتواء مضاعفات الصراعات الدينية والإثنية المتطرفة التي تقع داخل اراضيها او في دول الجوار عبر اجراءات ادارية وأمنية مثل تشديد المراقبة على الأفراد والجماعات المشتبه بها. ان هذه الإجراءات ضرورية ولا غنى عنها حيث انها في نهاية المطاف، تحمي الأبرياء من التعرض الى الضغوط او من خسارتهم حرياتهم. ولكن هذه الإجراءات وحدها لا تكفي، فلا بد ايضاً من ان يواكبها نشاط سياسي لحماية ملايين العرب في اوروبا من الاتهامات الباطلة التي تساق اليهم، ومن الإشاعات التي تروّج ضدهم في اطار لا سامية - جديدة موجهة هذه المرة ضد العرب وليس ضد اليهود.
اذا لم يقم العرب الأوروبيون انفسهم بهذا النشاط، فلن يقوم به احد نيابة عنهم. فلا الحكومات العربية تقدّر خطورة الحملات التي تشن ضد العرب الأوروبيين ومن ورائهم ضد العرب بشكل عام. ولا أحزاب اليمين الأوروبي المتطرف مستعدة لإيقاف حملتها ضدهم اذ ان العنصرية تحتاج دوماً الى عدو. ويقدم العرب للعنصريين عدواً مفضلاً. اما احزاب الوسط واليسار الأوروبية فإنها قد تهتم بالعرب الأوروبيين شرط ان يهتموا هم بأحوالهم وبأوضاعهم العامة. في هذا السياق فإنه حري بالعرب الأوروبيين ان يطالبوا بتمثيلهم، ولو بصورة مراقبين، في اي مؤتمر من المؤتمرات التي تنظر في شؤونهم. كذلك حري بهم ان يعبّروا، وبصوت عال ومسموع، عن التزامهم الديموقراطية عبر منظمات ومؤسسات تمثلهم عبر صناديق الاقتراع وتصوغ تطلعاتهم واقتراحاتهم في برامج ومشاريع ومقترحات يمكن طرحها في اي مناسبة يجرى فيها التعامل مع اوضاع العرب في المهجر وفي الوطن.