الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أين كانت "حكمتهم ومعرفتهم" أيام بوش؟

أين كانت "حكمتهم ومعرفتهم" أيام بوش؟

31.08.2013
سركيس نعوم



النهار
الخميس 29/8/2013
الضربة العسكرية التي يبدو أن الرئيس الأميركي باراك أوباما قرر تنفيذها ضد نظام الأسد في سوريا لا تحظى بموافقة شعبية أميركية إستناداً إلى استطلاعات عدة. كما لا تحظى بموافقة عدد من الباحثين والمحللين في تلك البلاد. وهذا أمر طبيعي في دولة تمارس الديموقراطية بكل وجوهها. ويبرر رافِضو الضربة موقفهم بالقول إن الخيارات المتاحة أمام أوباما كلها سيئة. فهو لا يستطيع قصف مخازن الأسلحة الكيماوية تلافياً لانتشارها ولإيقاع ضحايا كثيرة، في حين أن المطلوب هو منع الأسد من التضحية بالمزيد من شعبه. وهو لا يحتمل أن يقرر حملة عسكرية برية ضد الأسد لأن قواته ستواجه في حال كهذه عدوّين هما الجيش السوري والمتمردين الذين أدخلهم "تنظيم القاعدة" إلى الأراضي السورية. فضلاً عن أن شعبه لن يقبل ذلك بعد التجربتين المكلفتين جداً للجيش الأميركي في أفغانستان والعراق.
وقد ظهر أخيراً عبر وسائل الإعلام أن وزير الخارجية في الولاية الأولى للرئيس جورج بوش الابن الذي رافق الحرب على أفغانستان، والعراق، وشارك في الإعداد لها بل وفي تسويقها، وهو كولن باول، غير متحمس للضربة العسكرية الأميركية لسوريا الأسد. فهو قال: "ليست عندي عاطفة للأسد. لكنني لست واثقاً من المقاومة (السورية). إذ ماذا تُمثِّل وخصوصاً بعد دخول عناصر راديكالية كثيرة من "القاعدة" صفوفها، وماذا يحصل إذا انتصرت على الأسد؟ وجوابي أنني لا أعرف". وأضاف "نستطيع أن نؤثر في التطورات، وأن نساعد الشعب السوري عندما تُحل المشكلات أو عندما ينتصر طرف على آخر، ونمارس دورنا". وقد علّق محلل على المداخلة التلفزيونية لباول بالقول إنه يبدو نادماً على إسقاط صدام حسين وربما حسني مبارك وإن كانا على رأس نظامين ديكتاتوريين لأنهما فرضا الاستقرار والأمن في بلديهما اللذين يعيش أحدهما وهو العراق حرباً أهلية مستمرة، في حين يقف الآخر وهو مصر على باب الفوضى. كما نقل عنه جملة قالها لبوش الأب يوم غزا العراق: "إذا كسرتَه امتلكتَه". وقصد بذلك أن عليه الاهتمام الفعلي بإعادة بنائه كاملاً كأنه ملك له. وجملة أخرى قالها في البرنامج التلفزيوني وهي "ان ثمن الاستقرار قد يكون قبول الديكتاتورية"، و"ان للقدرة الأميركية حدوداً".
كيف يرى اميركيون وعرب مؤيدون لضربة عسكرية أميركية للأسد كلام كولن باول المذكور بعضه أعلاه؟
يعتقد هؤلاء أنه يحاول أن يكفِّر متأخراً عن مساهمته في الأخطاء التي ارتكبها أيام كان إلى جانب الرئيس بوش الابن وخصوصاً في العراق. وأبرزها قبوله أن يكون شريكاً في تنفيذ سياسة لم يشارك في وضعها، وكان لوزير الدفاع دونالد رامسفيلد الدور الأول فيها، وموافقته لاحقاً على سياسة قصيرة النظر وجاهلة داخل العراق أدت الى انفراطه وتحوّله بلداً معادياً وتوزيع جيشه المنحل بقرار أميركي على المنظمات المعادية لأميركا من سنّية وشيعية. ويعتقدون أيضاً أن هناك تجاهلاً مقصوداً لحجم الضربة العسكرية التي يعتزم أوباما توجيهها للأسد وذلك بغية إظهار عدم صوابية قراره في شأنها. فهو تريّث نيف وسنتين قبل الإقدام على شيء. وكاد تردُّده أن يقلب العالم العربي والعالم الإسلامي حيث الغالبية سنّية وخائفة من إيران الشيعية ومن حليفها الأسد ضد أميركا وأن يحولهما إسلامويين بالكامل. فضلاً عن انه لم يقل يوماً إنه سيرسل حملة برية الى سوريا لمواجهة الأسد. ولم يقل إن ضربته المرتقبة له تهدف إلى إنهاء نظامه وإجباره على التنحي. بل أوضح، استناداً الى معلومات المتابعين، أن القصد منها هو منع الأسد من استغلال العنف غير المقبول للقضاء على الثوار، ولتهديد حلفاء أميركا مثل تركيا والأردن والسعودية وإسرائيل استطراداً. كما هو إعادة التوازن بينه وبين الثوار الأمر الذي يوفر فرصة جيدة لمفاوضات سلمية مستقبلاً برعاية دولية. أما انتظار انتصار فريق على آخر، يقول الأميركيون والعرب أنفسهم، فيعني إعطاء الفرصة للأسد للانتصار، لأن انتصار الثوار وإن "قاعدة" سيبقى صعباً في ظل ضعف تركيا والعرب وتردد أميركا والتزام روسيا وإيران مساعدته. كما يعني تحديداً تمكين إيران من الانتصار واستطراداً روسيا. فهل هذا ما يريده محاولو ثني أوباما عن ضربته؟ علماً ان أحداً لا يستطيع أن يعرف مضاعفات هذه الضربة، وخصوصاً إذا فاجأت سوريا وإيران و"حزب الله" العالم كله بنوعية الرد عليها. فأين كان هؤلاء يوم قرّر بوش وفريقه تعميم الديموقراطية؟