الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أين وصلت الثورة السورية؟

أين وصلت الثورة السورية؟

14.05.2014
عبد الغني محمد المصري


القدس العربي
الثلاثاء 13/5/2014
أحد الأخوة علّق على صفحتي في الفيسبوك: ‘اخي عبدالغني كلامك حلو ومقالاتك روعة بس كأنه بكفينا مكابرة ورفع معنويات؟ يعني تدمرت حمص وراح خيرة شبابها وتهجر مئات الألوف وبالأخير انسحبت الكتائب ‘تكتيكيا’ ايه؟ وكل هالشي نصر! بكفينا عنتريات وهوبرة كرمال الله’.
عبارات قيلت في لحظات ألم، وشعور بالحرقة على إخلاء حمص من أسودها الأسيرة بين الأحياء، والحرّة المحلقة بشجاعتها ورجولتها وإقدامها. فهل حقا هناك رفع معنويات و ‘هوبرة’، وابتعاد عن الواقع؟.
قبل أن أجيب عن السؤال لا بد من جملة سريعة وهي: إن خروج أكثر من ألفي مقاتل من مدينة حمص العدية، وانتقالهم إلى مطارح القتال في الأجواء، أفضل كثيرا للثورة من بقائهم مأسورين، ومقيدي الفعل في مدينة الأبطال حمص، وسيثبت قادم الأيام الكثير، وسنرى، ونسمع بإذن الله.
أما بالنسبة للسؤال الأصلي، فقد يكون هناك الآتي: الانتصار، أو الخسارة، يعتمد على النظر إلى طبيعة المعركة. معركة الشعب مع النظام، حولها النظام وحلفه إلى وجود، واختاروا لها عصبا طائفيا، منذ أول تصريح لبثينة شعبان حول شيخ سني وآخر نصيري، ثم كفريات ضباطهم، ثم تلاها البحث عن حذاء زينب المزعومة أو سروالها في القصير وغيرها من قبل حالش وذيولها، ولفارس المجوسية تصريحات كثيرة تصب في نفس المجرى.
فطبيعة المعركة هي معركة شعب سلاحه بسيطة أو متوسط، ومحاصر حيث يمنع عنه كل العالم الصواريخ المضادة للطيران، في مواجهة حلف بربري غاشم، مسلح بالطيران، والصواريخ، ومقدرات دول، يهدف إلى قمع الثورة، والتهجير، فالاستيطان، لتغيير ديمغرافية الشام بأسرها.
ومعركة بتلك الطبيعة لا مجال فيها أمام الثورة سوى حرب العصابات، وليس أسلوب الحرب التقليدية، ومع ذلك فالثورة انتصرت في مراحل كثيرة على النظام حتى بمفهوم الحرب التقليدية، ولو تم تحييد سلاح طيران النظام، لسقط هو وحلفه منذ أشهر عدة.
ضمن مفهوم حرب العصابات، لقد استطاعت الثورة تكوين تشيكلات وتكتلات فاعلة على مستوى الشام. لم تعد الثورة كتائب متناثرة، تخوض معارك متفرقة، بل غدت التكتلات بجيش منتشر، لذا أصبحنا نرى ابن حوران يقاتل في القلمون، وابن الدير في حلب، وابن حلب في الساحل، فهناك جيش من كل الشام ينتقل أفراده حسب مقتضيات المعركة.
لقد تقدم كثيرا الفعل الاستخباراتي للثورة، وقد ظهر ذلك بشكل كبير في قتل نخب حالش في ريف دمشق، وكذلك في معارك حلب والساحل.
لقد انتقل الفعل العسكري نقلة نوعية، حيث طبق مفهوم حرب العصابات بكل حرفية في معركة يبرود على جبهة تمتد عشرات الكيلو مترات بخمسمئة مقاتل فقط، لمدة شهر كامل، وتكبيد العدو خسائر فادحة في آلياته ورجاله، في حين لم يخسر الشباب سوى بضعة رجال.
الثورة باتت تصنع القاذفات الصاروخية، وكذلك ذخيرتها، ولن يستغرب المرء إذا رأى قريبا صواريخ من نوع مختلف قد تقضي على التفوق الجوي للعصابات المجوسية. لقد بدأت الثورة تحترف حرب الأنفاق، التي سبقهم بها الفيتناميون، وكذلك القساميون، إلا ان اتساع أرض المعركة، والتقدم التكنولوجي قد ينقل حرب الأنفاق إلى آفاق جديدة، وابتكارات ستبهر العالم لنجاعتها، وبعد أثرها النفسي والبشري، والمادي ضد العدو، حيث قد تعادل فعل سلاح الطيران في أثره، مع ميزة المفاجأة الصاعقة غير المتوقعة كما هو الحال في الطيران.
مدة الثورة، وحتى الآن ثلاث سنوات ليست شيئا في مفهوم التحرر والحروب الشعبية، ففي فيتنام، حارب الفيتناميون أولا الفرنسيين، ثم حاربوا بعدهم الأمريكيين، وكذا الثورة الفرنسية، والحرب الشعبية الصينية، وثورة الشعب الجزائري ضد فرنسا، كلها ثورات استمرت سنوات طويلة حتى توصلت إلى تحقيق هدفها الأول الذي كانت تسعى إليه.
فالثورة السورية، حقيقة تخوض حرب تحرر من احتلال يهدف إلى السيطرة على المنطقة كي تغدو منطقة مقسمة بين نفوذ يهودي وآخر فارسي. والثورة كلما تقدم بها الوقت كلما غدت أكثر تنظيما، وضرباتها أكثر بأسا، وأشد ضراوة وإيلاما للعدو. فالثورة وضمن مفهوم حرب البرغوث ضد الكلب، تحقق تقدما نوعيا في أكثر من مجال.
وحرب العصابات أساسها الصمود، والمعنويات، والمدد البشري، واستنزاف العدو، والثورة تحافظ على النجاح في كل الأمور المذكورة.
وأساس أي معركة هو المعنويات والايمان بالنصر. والمتابع للثورة يرى أن معنويات القادة والمجاهدين عالية جدا، لأنهم مؤمنون بالله أولا، ثم مؤمنون بالنصر القادم لا محالة. وبما أن عامل المعنويات والثقة بالنصر، وحسن الادارة والتخطيط، في الأداء العسكري، والأمني، والاعلامي موجود فالثورة بخير، وهي في أعلى درجات الفعل حسب مفاهيم الحرب الثورية.
أخيرا الثورة هي من تتقدم، والنظام هو من يتراجع، حيث بات حتى في مفاوضات الثورة، يختفي وتفاوض عنه روسيا أو طهران، وما تصريحات طهران وقادة حرسها الثوري كل عدة أيام عن أهمية الحرب في سوريا، واعتبارها بأهمية الحرب العراقية الايرانية، إلا دليل مدى تقديرهم لقوة الثورة، وإدراكهم لشراسة العدو، وصلابته، وإيمانه، فهي تصريحات تحسب للثورة، وتحسب على النظام حيث تبين ضعفهالشديد، وأنه لم يعد أكثر من فزاعة بأيادي وأرجل مرتزقة طائفية آتية من وراء الحدود سواء من طهران أو الضاحية أو العراق.