الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أين يذهب اللاجئون السوريون في لبنان؟

أين يذهب اللاجئون السوريون في لبنان؟

02.02.2015
فايز سارة



الشرق الاوسط
الاحد 1-2-2015
يزيد عدد اللاجئين السوريين في لبنان اليوم على 1.5 مليون نسمة، أغلبهم يقيمون في مناطق شمال ووسط لبنان، فيما البقية تتوزع على بقية المناطق، وهم يعيشون وسط ظروف ربما هي الأصعب بين ما يواجهه اللاجئون السوريون في بلدان اللجوء؛ بفعل ظروف وشروط معقدة لا تتصل بعددهم وظروفهم فقط، بل بظروف لبنان السياسية والاقتصادية والمعيشية، والأمنية، إضافة إلى الظروف التي ترتبط بعلاقات لبنان بنظام الأسد الذي كانت سياساته وممارساته سببا في لجوء هذا الكم الكبير من السوريين إلى لبنان هربا من القتل والتدمير الذي مارسه النظام في السنوات الأربع الماضية.
غالبية اللاجئين السوريين قدموا من مناطق منكوبة جرى تدميرها، وخاصة في أرياف دمشق وحمص، ومنها القصير وتلكلخ في ريف حمص، ويبرود وقارة والنبك في القلمون، فضلا عن خسارة هؤلاء لكثير من شبانهم الذين سقطوا في معارك مع قوات النظام وحزب الله، فقد خرجوا دون أموالهم ومقتنياتهم، وبعضهم بالألبسة التي كانت عليهم عند رحيلهم من بيوتهم، وانتقلوا للعيش دون إمكانات في بلد يحتاج العيش فيه إلى أضعاف ما كان يلزمهم للعيش في مدنهم وقراهم.
ولئن استعان اللاجئون السوريون في لبنان بما تيسر من مساعدات قدمتها منظمات دولية وعربية ولبنانية وسورية، فإن تلك المساعدات كانت أقل قدرة على توفير الحدود الدنيا من حاجاتهم للسكن والطعام واللباس والصحة والتعليم، مما حوّل حياة اللاجئين السوريين إلى جحيم يومي، وتضخم الجحيم مع وقائع مرافقة، كان الأبرز فيها ثلاثة:
أول تلك الوقائع، إدخال اللاجئين السوريين في مسارات الصراع اللبناني الداخلي؛ إذ انقسم اللبنانيون في الموقف من اللاجئين، فاتخذ مؤيدو نظام الأسد في لبنان موقفا حذرا من اللاجئين، وذهب بعضهم حد العداء وممارسة الاضطهاد والعنف والعنصرية ضدهم، فيما ذهب معارضو نظام الأسد من اللبنانيين في اتجاه مخالف، فاحتضن بعضهم اللاجئين وساعدهم، وفي الحدود الدنيا تعاطف معهم في مواجهة ما صارت إليه حياتهم وظروفهم.
والأمر الثاني في الوقائع، كان تسلل التشكيلات المسلحة العاملة في سوريا إلى صفوف اللاجئين، وخاصة "داعش" و"جبهة النصرة"، مما ولد تصادما بين عناصر تلك التشكيلات والجيش اللبناني من جهة، وتلك التشكيلات وميليشيات لبنانية تؤيد نظام الأسد، وزاد ذلك من التضييق الأمني على السوريين، ليشمل هجمات أمنية وعسكرية ضد تجمعاتهم التي حوصرت وقصفت أو أحرقت خيامها، واعتقل أشخاص من سكانها وخاصة الشباب.
الأمر الثالث في الوقائع، كان الكارثة الطبيعية التي أصابت لبنان والمنطقة في العاصفة الثلجية الأخيرة، فخلفت دمارا وموتا وكثيرا من المعاناة وسط اللاجئين السوريين. ورغم أن العاصفة مرت فما زال فصل الشتاء حاضرا، ويفرض وجوده بصورة عادية احتياجات استثنائية، هذا إذا لم تتكرر عواصف ثلجية جديدة، حيث يقيم لاجئون في لبنان.
وسط اللوحة القاتمة، التي يعيش اللاجئون السوريون في ظلالها، يبدو من الطبيعي السؤال عما يمكن أن يصيبهم إذا قامت الحرب بين إسرائيل وحزب الله، وهي حرب محتملة رغم كل مساعي التهدئة المبذولة من أطراف إقليميين ودوليين، لأن مفجرات الحرب لدى الطرفين قائمة، وستظل قائمة لوقت طويل، وسيظل الطرفان يلعبان بها حيث استطاعا.
خيار عودة اللاجئين السوريين إلى بلدهم غير وارد في الظروف الحالية، ليس بسبب استمرار سياسة القتل والتدمير التي ما زال يتبعها نظام الأسد، ويشارك فيها حزب الله، ولا بسبب صعوبات الحياة في ظل الأوضاع القائمة في سوريا فقط، وإنما نتيجة أن كثيرا من اللاجئين مطلوبون لأجهزة النظام في دمشق، مما يعني أن عودتهم تعني الاعتقال، وربما الموت تحت التعذيب، وهذا مانع أساسي في عودة أي منهم أو عودة عائلاتهم.
الخيار الآخر أمام اللاجئين السوريين هو البقاء حيث هم، لكنه خيار صعب؛ ليس لأن بعضهم مقيم في مناطق قد تكون مسرح عمليات إذا اندلعت الحرب، وهذا وارد، لأن الجيش اللبناني أمر بإخلاء مناطق في البقاع من اللاجئين باعتبارها منطقة عسكرية.. هذا إلى جانب عوامل أخرى ستزيد في تداعيات أوضاعهم السيئة، وصعوبات إقامتهم وعيشهم.
اللاجئون السوريون في لبنان في المحصلة أمام كارثة مضاعفة، إذا اندلعت الحرب، وهم في قلب الكارثة من دونها، خاصة أن لبنان عاجز عن فعل شيء جدي لمساعدتهم، وكذلك دول العالم الأخرى والمنظمات الدولية العاملة في إطار الإغاثة والمساعدة، الأمر الذي يتطلب تحركا في المستويات كافة للتفكير في موضوع اللاجئين في لبنان، ليس من أجل تقديم مساعدات إسعافية بما فيها من غذاء ودواء وألبسة وغيرها، بل من أجل معالجة القضية السورية بما يضمن عودة اللاجئين إلى بلدهم وبيوتهم وحياتهم.