الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أيّها العالم لم تنصفنا: هل صارت دماء السوريين خبرا عاديا!

أيّها العالم لم تنصفنا: هل صارت دماء السوريين خبرا عاديا!

09.07.2013
عبد عرابي


القدس العربي
الثلاثاء 9/7/2013
يكاد من تبقى من السوريين يخرجون من ثيابهم حنقاً وغيظاً وهم يرون ما يحدث في مصر.. ليس لأنّ ما يحدث فيها يشغل العالم عن مأساة ثورتهم وقضيتهم فحسب، لأنّ العالم بالأصل لم يعطها حقّها من الاهتمام والتفاعل المناسبين واللازمين مقارنة بحجم التضحيات التي قدمها ويقدمها السوريون، وليس لأنّ تلفزيون النظام والمحطات التي تدور في فلكه من ميادين ومنار وغيرها خصصت جلّ وقتها، بل كله لمتابعة الحدث العظيم ومواكبته؟ وكأنه لا يحدث شيء في سوريّة، أو كأنّ ما يحدث هو أمر هامشي أو ثانوي مقارنة بما يحدث في مصر متجاهلة دماء العشرات الذين يقضون يومياً بنيران الطيران والمدفعية والسكود والدبابات.
بل إنّ المحطات الفضائية التي أعطت شأن الثورة السورية حيّزاً زمنياً مناسباً بحيث يستطيع المرء متابعة ما يجري من أحداث يومية جعلت أخبار ما يحصل في سوريّة الخبر الأخير لدرجة أنّنا بتنا ننتظر ساعة حتى نسمع بضعة أخبار يسيرة عمّا يجري من أحداث على الأرض، في الوقت الذي ما زال فيه طيران النظام يقصف المدن والبلدات الثائرة عليه، وينفّذ عملية اقتحام لمدينة حمص المحاصرة هي الأشرس والأعنف منذ بدء الثورة.
ما يشعل المرء غيظاً أنّ العالم بات ينظر إلى دماء السوريين التي تسفك يومياً ومنذ أكثر من ثلاثين شهراً على أنّها أمر عادي أو على أقل تقدير صار يغضّ الطرف عنها ويتجاهلها، بل يلاحظ خفوت في حدّة استنكاره وتنديده بالجرائم التي يرتكبها النظام يومياً من إعدامات ميدانية وقتل تحت التعذيب ومجازر طائفية و…
أيعقّل أيّها العالم أن رئيساً منتخباً عن طريق صناديق الاقتراع فاز بنسبة 51 يثور عليه نصف شعبه – الذي لم ينتخبه بالأصل- فلا يتركوه ليكمل مدة دورته الانتخابية المحددة بأربع سنوات حتى يتم تقييم أدائه وأداء فريقه السياسي، بل يحكم عليه بالفشل والإخفاق من مرور عام واحد، وأقسى ما في الأمر وأثقله أنّ تجد بعض شبيحة الإعلام يرجعون السبب المباشر لتطور الأحداث الأخيرة في مصر إلى زيادة تأييد الرئيس المصري للثورة السورية.
اعتصامات بمئات الألوف في الميادين والساحات بين مؤيد يطالب بدعم الشرعية المنتخبة والدفاع عنها ومعارض يرى انحرافاً عن أهداف الثورة وخروجاً عن خطّها التي قامت من أجله، وقوات الأمن تتابع وتقف على الحياد، والجيش يراقب تطور الأحداث ليتدخل في الوقت المناسب وحتى الآن لا حوادث خطيرة والضحايا لا تزيد عن عدد أصابع اليدين ( مع فداحة سفك الدم البشري وحرمته ). في يوم من الأيام تجرأ عشرات الألوف من أهالي حمص على القيام باعتصام سلمي في ساحة الساعة احتجاجاً على مجزرة قام بها جنود الأسد وشبيحته في حقّ المتظاهرين العزّل بلغ عدد ضحاياها عشرين شهيداً، لم يسمح لهذا الاعتصام أن يكمل ليلة واحدة وكانت الحصيلة ما يقارب من ثلاثمائة شهيد من الناشطين قتلوا بدم بارد أمام مرأى العالم ومسمعه ولا يعرف ذوهم إلى الآن أين صارت جثامينهم التي حملت بسيارات (الزبالة) .
أراد السوريون أن يقولوا كفى فقد طفح الكيل- أسوة بباقي خلق الله على وجه هذه البسيطة- فقد أعطوا هذا النظام نصف قرن من الفرص ليصلحوا ما أفسده ولم يزد إلا فساداً واستعباداً لهم، فماذا كانت النتيجة حصيلة الضحايا من السوريين من الرجال والنساء والأطفال في أدنى تقديراته يفوق المئة ألف ومئات الألوف من المعتقلين والمفقودين وأكثر من عشرة ملايين مشرد بين لاجئ ونازح وتدمير شبه كامل لكثير من المدن والقرى والبلدات و….والعالم إمّا صامت وإمّا متردد في اتخاذ إجراء يوقف فيه هذه المأساة التي سيبقى طويلاً يتجرّع عارها وخزيها من الأجيال القادمة وحلفاء النظام يزدادون استماتة في تقديم العون له و الدفاع عنه يأملون أن يصل الياس إلى قلوب السوريين ولكن هيهات هيهات.
نعم لا وقت للتحسّر ولا فائدة من التوجع ولا نجاعة من تقييم المواقف فنور الفجر لاح والشمس تكاد أن تشرق ولن يستطيع أحد حجب ضوئها مهما أوتي من قوة، ومهما بغى الظالم وطغى وتجبّر وتكبّر لابد من نهاية، إنّها سنة الله في هذا الكون، والحرية قادمة… فأمّا الزبد فيذهب جفاء وأمّا ما ينفع النّاس فيمكث في الأرض.