الرئيسة \  واحة اللقاء  \  أي نظام.. بعد الأسد؟ (4) نشّار: الثورة كسرت "مملكة الصمت"

أي نظام.. بعد الأسد؟ (4) نشّار: الثورة كسرت "مملكة الصمت"

30.11.2013
جورج بكاسيني


المستقبل
الجمعة 29/11/2013
جاء في الوثيقة التأسيسية لـ"إعلان دمشق للتغيير الوطني الديموقراطي" الذي صدر في 16 تشرين الأول من العام 2005 أن الموقّعين على هذا الاعلان يطمحون الى بناء سوريا على أساس "نظام ديموقراطي تعدّدي قائمة على الحوار والسلمية ونبذ العنف والاعتراف بالآخر، وعلى القطع مع الفكر الشمولي والاقصائي تحت أي ذريعة تاريخية أو واقعية، وأن يكون الحوار مبنياً على التوافق ما أمكن وخاصة في القضايا الوطنية التي تعبّر عن اهتمامات بعض المكونات بشكل خاص، وأن الديموقراطية كنظام عالمي حديث يقوم على مبادئ الحرية وسيادة الشعب وهو مصدر كل السلطات".
انطلاقاً من هذه الثوابت عرض رئيس الأمانة العامة لـ "إعلان دمشق" وعضو المجلس الوطني والائتلاف سمير نشّار لوجهة نظره حول سوريا الجديدة بعد سقوط بشار الأسد من منظور ليبرالي ديموقراطي، مجيباً عن مجموعة من الأسئلة: أي نظام، قانون الأحزاب، قانون الانتخابات، الدولة المدنية، الدستور، مسألة الأقليات، العروبة والعلاقات اللبنانية ـ السورية العتيدة.
يقول نشار: "نريد أن نبني سورية الجديدة بعد سقوط الأسد من دون تمييز بين المكونات التي يتألف منها الشعب السوري، نريد سوريا وطناً حراً يتسع لجميع المواطنين السوريين من عرب وأكراد وآشوريين وتركمان، مسلمين ومسيحيين، سنة وعلويين، شيعة، دروز، إسماعيليين، إلى باقي المكونات السورية سواء كانت عرقية أو طائفية أو مذهبية، كل ذلك لا يلغي الخصوصيات الثقافية لجميع هذه المكونات، لأننا نعتبر أن التنوع والتعدد هو مصدر غنى للجميع، خاصة أن بلاد الشام وسوريا منها هي أرض الحضارات ومهدها ومنبع الديانات الابراهيمية منذ آلاف السنين، والمحافظة على هذا التنوع هي مصدر إثراء للحضارة والثقافة وللإنسان الذي هو الغاية والهدف.
إن دولة القانون والحق والمؤسسات والمواطنة هي الأساس الصالح لبناء النظام السياسي والديموقراطي لسورية المستقبل، دولة لا تمييز فيها بين النساء والرجال ولا بين الأفراد بصرف النظر عن دينهم أو عرقهم أو لونهم أو مذهبهم، دولة يكون فيها الأفراد أحراراً في حياتهم وممارسة نشاطهم سواء كان ذلك من حيث الحريات الاقتصادية، السياسية، الاجتماعية، الثقافية، حرية الإيمان والاعتقاد، واحترام الآخر ضرورة لا غنى عنها في جميع المجالات التي ذكرت. إن العدالة بمفهومها الواسع ومنها العدالة الاجتماعية سوف تحقق من خلال دولة الحرية والعدالة والمساواة بين الجميع وللجميع. ومن الأسس القانونية والدستورية للدولة الحديثة أن يكون هناك فصل بين السلطات التشريعية، القضائية، التنفيذية، وتداول السلطة بين القوى السياسية هو أساس النظام السياسي ويقوم على مفهوم الأكثرية والأقلية السياسية وليس على أي مفهوم آخر يتعلق بأكثرية عرقية أو طائفية أو مذهبية. إن دولة المواطنة هي التي سوف تحقق كل ذلك".
يضيف نشار: "إن مدنية الدولة، بمعنى فصل الدين عن الدولة، أو الدين لله والوطن للجميع، شرط لازم إذا أردنا أن نبني سورية دولة حديثة، إذ لا بد أن نحيّد ما استطعنا، إذا لم أقل نبعد، الدين عن السياسة وعن الدولة، وهي ضرورة إذا أردنا بناء دولة حديثة وفق مفهوم أمة/دولة، لأن السياسة في إحدى تعريفاتها هي علم إدارة الدولة، وهذا الموضوع سوف يكون مصدر خلاف كبير في المستقبل بين التيارات المدنية والإسلامية، وهو إذا كان موضوعاً مؤجلاً حالياً، بسبب ظروف الثورة، فلن يبقى كذلك بعد سقوط النظام، لأن سوريا متنوعة من حيث التركيب الاجتماعي الطائفي والعرقي والمذهبي، وهذا ما نشاهده حالياً في بلدان الربيع العربي من تونس إلى ليبيا الى مصر وهي بلدان أكثر اتساقاً من حيث التركيب الاجتماعي، بمعنى آخر أقل تنوعاً وهناك أكثرية ساحقة للمكون السني، ومع ذلك نرى الخلاف بين أهل السنة أنفسهم وليس مع المكونات الأخرى".
 
[الخلاف حول مدنية الدولة
ويعتقد "أن الخلاف حول مدنية الدولة، سوف يأخذ بعداً أشد تعقيداً مما نرى في دول الربيع العربي، لأن التيارات المدنية ذات توجهات سلمية بشكل عام ولا تحمل السلاح إلا في حالات محدودة وتحت اعتبارات وطنية، أكثر منها علمانية، أما أكثرية حملة السلاح من الثوار اليوم فهم من الإسلاميين، وإن كانوا أيضاً لا يحملون مفهوما واضحا عن طبيعة النظام الإسلامي الذي يريدون، والإيجابية في ذلك أنهم قابلون للحوار، على الرغم من تواضع المستوى الثقافي والسياسي عند أكثريتهم، وبشكل عام هم ينتمون الى بيئات محافظة في سوريا، وغالبا من الأرياف. هنا بالتأكيد لا أتحدث عن الإرهابيين أو المتطرفين أو حتى المتشددين الذين يعتنقون أيديولوجيات متطرفة، ولديهم مشروع سياسي في كثير من الحالات هو عابر للحدود، إقليمي أو دولي".
ويعود نشار الى مرحلة ما بعد الاستقلال التي "عرفت تجربة ديموقراطية كانت وليدة، غضة وطرية، لم تستطع ان تتجذر في النظام السياسي الذي كان برلمانيا، ومن خلاله استطاعت سوريا تحقيق الكثير من التقدم في مختلف المجالات، وخاصة في المجال الاقتصادي، كما أن التعليم شهد طفرة كبيرة جدا ولا سيما لدى الطبقة المتوسطة، ولن ننسى الحريات العامة وخصوصا في مجال الإعلام والصحافة تحديدا التي شهدت تطورا كبيرا في عدد الصحف والمجلات اليومية والأسبوعية والدورية، وحتى الآن يتداول الذين عاصروا تلك المرحلة، أن الطبقة المتوسطة في سوريا كانت تمثل الشريحة الأوسع من الشعب السوري، على الرغم من الانقلابات العسكرية التي كانت تمثل عائقا أمام نمو التجربة الديموقراطية، نتيجة التحديات التي فرضتها حرب فلسطين العام والصراع على سوريا بين القوى الإقليمية والدولية في تلك الحقبة بعد الحرب العالمية الثانية. الكثير من السوريين يطلق تعبير العصر الذهبي على تلك المرحلة التي عاشتها سوريا، والتي أسس لها آباء الاستقلال من الكتلة الوطنية.
ويتوقف عند النظام الديموقراطي البرلماني الذي عرفته سوريا في التاريخ الحديث والذي يحدد السلطة كاختصاص لرئيس الوزراء الذي يمثل الأكثرية السياسية، والتي تنتج عن انتخابات برلمانية، وتظهر من هو الحزب أو القوة السياسية التي تملك الأكثرية في البرلمان، حيث يقوم رئيس الجمهورية بتكليفه تشكيل الحكومة التي تمارس السلطة وهي ذات صلاحيات واسعة كما هو الحال اليوم في كثير من الدول الديموقراطية، تركيا، ألمانيا، والكثير من الدول الأوروبية. رئيس الجمهورية ذو صلاحيات محدودة وهو منتخب من قبل البرلمان وليس من قبل الشعب، وتتركز صلاحياته في قضايا السياسة الخارجية والدفاع وعادة يكون هناك تنسيق مع رئيس الحكومة ولا يخلو الأمر من المنافسة والاختلاف على الصلاحيات".
ويضيف نشار ان النظام الانقلابي بتاريخ // "كان بداية التأسيس لنظام رئاسي استبدادي اعتبارا من العام ، نظام حصر أغلب الصلاحيات التشريعية والقضائية والتنفيذية في شخص رئيس الجمهورية، وأوصل سوريا والسوريين من النساء والرجال الى ما هم عليه الآن، هذا النظام هو ما ثار عليه الشعب السوري.
 
[النظام البرلماني الأصلح
بين هاتين التجربتين، نرى أن النظام البرلماني، هو النظام الأصلح المعبر عن رغبات الشعب ويسمح له بإنتاج سلطة يستطيع محاسبتها ومراقبة أدائها من خلال برلمان منتخب يلعب دوره الطبيعي في التشريع وفي مراقبة أداء السلطة التنفيذية وحجب الثقة عنها متى شعر أنها لا تقوم بوظيفتها بالشكل المطلوب. بالتأكيد الموضوع يحتاج الى لجنة مؤلفة من فقهاء في القانون والدستور والسياسة لإعداد واعتماد نظام سياسي يرتكز على دستور عصري وقانون انتخابي يلبي متطلبات المرحلة الجديدة وتطلعات السوريات والسوريين في المشاركة السياسية، الآن هناك خشية كبيرة من أي نظام رئاسي لأن التجربة الاستبدادية التي امتدت أكثر من أربعين عاما جعلت النظام الرئاسي، بنموذجه الأسدي، مكروها بغض النظر عنه كنظام من الناحية الموضوعية.
 
[دستور 1950 الأفضل
اما الدستور المقترح لسوريا الجديدة فيعتبر نشار انه يمكن الاستعانة بدستور الذي أقره البرلمان السوري المنتخب في ظل انتخابات حرة ونزيهة معترف بها من قبل أغلب القوى السياسية وأكثرية المكونات الاجتماعية، والذي يعتبر حتى الان في نظر الكثير من السوريين والخبراء من أفضل الدساتير، وهو يصلح لكي يعتمد للمرحلة الانتقالية، بالتأكيد أنه يحتاج إلى بعض التعديلات، التي تتطلبها التطورات والتغيرات منذ تلك المرحلة وحتى الآن ليتناسب أكثر مع الظروف الحالية ويلبي متطلبات العصر وطموحات السوريين والسوريات، ويحقق ما تصبو إليه جميع مكونات المجتمع السوري، وخاصة الأقليات التي لديها اليوم الكثير من المخاوف والهواجس بخصوص الحقوق المتعلقة بدورها في سوريا الجديدة والحفاظ على ميراثها الثقافي والمشاركة الكاملة في بناء سوريا الجديدة. إن ما نملكه من معلومات أن جميع الأقليات وافقت على دستور عام ، وأن من وضع النصوص الخاصة بمصادر التشريع، هم ثلاثة من علماء القانون والتشريع ومن الإسلاميين، وكما تشير بعض المصادر فهم: الدكتور مصطفى السباعي المراقب العام للإخوان المسلمين، الدكتور معروف الدواليبي، والدكتور محمد المبارك، ومن اعترض عليه هم بعض المشايخ والأئمة وجمعية الغراء الدمشقية المشهورة بنفوذها في تلك المرحلة. وظل العمل سارياً بذلك الدستور حتى العام تاريخ الوحدة مع مصر".
اما بالنسبة الى قانون الاحزاب والانتخابات فيعتبر "اننا نحتاج الى التروي في اختيار نظام معين للأحزاب والانتخابات، لأنه يحتاج الى توافق بين جميع المكونات السياسية والاجتماعية، نحن نفضّل أن تكون الأحزاب وطنية تقوم على برامج سياسية واجتماعية واقتصادية وتخوض الانتخابات على أساس تلك البرامج، وهذا ما هو معتمد في الدول الحديثة والتي شهدت نموا وتطورا في جميع المجالات وارتفع فيها مستوى المعيشة للمواطنين بشكل كبير، وتحولت طبقة كبيرة من الفقر الى طبقة متوسطة، خاصة في أميركا اللاتينية مثل تشيلي، الأرجنتين، البرازيل التي تحولت الى الديموقراطية بعد عهود من الدكتاتورية والاستبداد والفساد، وذلك خلال ثلاثين عاما تقريبا، الأمر نفسه ينطبق على الكثير من الدول الآسيوية في جنوب شرقي آسيا مثل كوريا وتايوان وماليزيا ، ولكن اعتقد ان سوريا سوف تواجه تحديات كبيرة في هذا الحقل نتيجة الحضور الكثيف للمرجعية الثقافية لبعض المكونات عند أبنائها، ورغبتها بإضفاء الصبغة العرقية أو الطائفية أو المذهبية على أسماء الأحزاب، وهو موضوع إشكالي حقاً وسوف يكون عائقا أمام تطور حقيقي لنظام للأحزاب يكون بعيدا عن التوجهات التي يراد منها حشد مكونات معينة ضمن كيان سياسي ما، بحيث يكون معبرا عن هذا المكوّن، وعليه يجب أن نحاول الحد من هذه التوجهات المعيقة لنمو وتطور الوطنية السورية التي ترتكز على مفهوم المواطنة الذي يجعل جميع المواطنين متساوين في الحقوق والواجبات أمام القانون.
كذلك الأمر مع نظام الانتخابات الذي سوف يواجه تحدي التمثيل الحقيقي لمختلف المكونات خاصة الأقليات أو الفئات التي تعاني التهميش، وعلى سبيل المثال لا الحصر، تمثيل المرأة، تمثيل الأقليات، تمثيل بعض المناطق الجغرافية الصغيرة ـ الخ، والسؤال: هل النظام الأفضل هو الأكثري أو النسبي أو النظام المختلط؟ بشكل عام أرى أن النظام النسبي هو الذي يحقق التمثيل الأفضل من النظام الأكثري، ونحن مع النظام النسبي، وهناك أيضاً مشكلة الكوتا سواء للنساء، أم لبعض المكونات التي ليس من المتوقع أن تحصل على حقها في صحة التمثيل لأن ذلك يتعلق إلى حد كبير بالخلفية الثقافية للمجتمع، ونظرته الى المرأة التي هي عموما سلبية، أو لبعض المكونات.
ما أريد قوله، أن النظام الانتخابي الأفضل هو الذي يضمن صحة التمثيل لجميع مكونات المجتمع بحيث لا يشعر أي مكون بالتهميش وفي الوقت نفسه يضمن تطور حس المواطنة عند جميع الأفراد من مختلف المكونات بحيث يخرج الفرد من عزلته وينحو به إلى الإحساس انه مواطن في دولة تساوي بين أفرادها ولا تميز بين مواطنيها بسبب خلفياتهم الاجتماعية أو الثقافية أو الجغرافية، من الضروري بمكان أن يكون النظام الانتخابي الجديد مقنعاً للأكثرية الساحقة من مختلف المكونات عبر توافق وطني بين الجميع وليس من خلال عملية انتخابية قد تنتج إقصاء أو تهميشاً لمكونات صغيرة، وهنا يمكن دراسة ومناقشة أن يكون التمثيل البرلماني عبر غرفتين وليس واحدة، بمعنى آخر مجلس للنواب وآخر للشيوخ كما هو الحال في الولايات المتحدة الأميركية ودول أخرى كثيرة".
اما بالنسبة الى انتخاب رئيس الجمهورية فيقول نشار ان انتخابه من قبل الشعب مباشرة يعني انه سوف يكون ذو صلاحيات متوازنة مع صلاحيات رئيس الوزراء، وأن السلطة الحقيقية سوف تكون موزعة بين رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء وسوف يتحملون المسؤولية بشكل مشترك, وأعتقد ان هذا هو الأفضل، لأن انتخاب الرئيس من قبل مجلس النواب يخضعه لتسويات وبازارات سياسية بين الأحزاب تجعل منه رئيساً ضعيفاً لا يستطيع ان يقوم بالمهام الوطنية وخاصة خلال الأزمات السياسية الداخلية والاختلافات بين القوى والأحزاب السياسية الممثلة في البرلمان، ومع ذلك أعتقد أنه من الأهمية بمكان، ومنذ الآن، نشر ثقافة سياسية تعنى بتوسيع النقاش حول هذه المواضيع سواء منها الدستورية أو الانتخابية، فتحاً لباب تكوّن الاراء حول هذه القضايا لأن المجتمع السوري يشكو من حالة تصحر وفقر شديد في مجال الثقافة السياسية لعدم وجود مجتمع سياسي في سورية منذ أكثر من أربعين عاماً نتيجة ثقافة الخوف والصمت التي فرضها نظام الأسد من خلال القمع لأي رأي مختلف في المجتمع السوري، وحقاً كانت سورية مملكة الصمت خلال حكم عائلة الأسد لسوريا، الثورة سوف تصنع تاريخاً جديداً لسورية والسوريات والسوريين".
من خلال ما سبق يؤكد نشار النظر الى الأقليات "كمواطنين متساوين في الحقوق والواجبات مع الآخرين ومن دون أي تمييز، صحيح أن الإسلام هو دين الأكثرية في سورية وهو المكون الثقافي الأبرز في حياة الشعب السوري وتشكلت الحضارة العربية في إطار أفكاره وقيمه، ولكن كل هذا بالتفاعل مع الثقافات الوطنية الأخرى المتواجدة في سورية قبل وصول الإسلام إليها، تم ذلك من خلال الاعتدال والتسامح واحترام عقائد الآخرين وثقافتهم وخصوصيتها أياً كانت انتماءاتهم الدينية والمذهبية والفكرية، وكما كان الإسلام منفتحاً على الثقافات في المحيط كالفارسية واليونانية، سيبقى منفتحاً على الثقافات الجديدة والمعاصرة والتي تسود العالم حاليًا.
سوريا تعتز وتفخر أن أحد أهم رجالاتها في تاريخها الحديث هو فارس الخوري الذي ينتمي الى الطائفة المسيحية الكريمة، وكان وزيراً للأوقاف الإسلامية في إحدى المراحل واصبح رئيساً للوزراء ورئيساً لمجلس النواب وكان ينتخب من الأكثرية المسلمة في تلك المرحلة. هذه هي سوريا التي نطمح إليها بعد انتصار الثورة، دولة المواطنين لا دولة الرعايا كما هي دولة الأسد، سوريا الجديدة حتى تستحق اسمها وحريتها وجب أن تكون متنوعة ومتعددة الثقافات والأديان والمذاهب، كل ذلك على قاعدة المساواة بين الجميع. الكفاءة والمؤهلات والقدرات هي المعايير المعاصرة لبناء أمة حديثة تستحق دولة وليس الانتماءات الطائفية أو المذهبية، لذلك نرى أن مصطلح الأقليات ليس جاذبا للأكثرية من السوريين على الرغم من واقعيته أحيانا.
[بناء أمة ـ دولة
الالتزام بسلامة المتحد الوطني السوري الراهن وأمنه ووحدته، من قبل جميع مكونات المجتمع السوري وقواه السياسية هو أساس المحافظة على وحدة السوريين ضمن أمة/دولة، وهو مطلب حيوي ووطني إذا اردنا المحافظة على سوريا وطنا وشعبا.
إن سوريا تنتمي بالتأكيد الى المنظومة العربية، وتريد أوسع العلاقات والروابط السياسية والاقتصادية والاستراتيجية، على قاعدة المصالح المشتركة والمتبادلة، ونرى ضرورة تصحيح العلاقة مع لبنان التي شُوهت خلال مرحلتي الأسد الأب والابن، ويتطلب ذلك جهوداً متبادلة من قبل السوريين واللبنانيين لإعادة رسم علاقة جديدة صحية وصحيحة على أسس من الحرية والاستقلال والسيادة بين الشعبين في الدولتين.
إن سوريا الجديدة سوف تكون عامل استقرار وتوازن في المنطقة، ونعتقد أن الحوار هو أفضل الطرق لحل جميع مشاكل المنطقة لمصلحة جميع شعوبها، وستبقى استعادة الجولان هدفا لجميع السوريين الى أن يتم ذلك، هذا على خلاف الدور الذي لعبه نظام الأسد في المنطقة والذي ساهم في عدم استقرارها واتسم بالتدخل في الشؤون الداخلية للدول المجاورة. إن الصراعات التي سادت في المنطقة خلال المرحلة السابقة ومن ضمنها سورية أدت إلى تراجع وتدهور أوضاع المواطن السوري إلى مستويات غير مقبولة من الفقر والبطالة وتدني مستوى الدخل وبالتالي المعيشة، حيث اصبح المواطن السوري من أفقر شعوب الشرق الاوسط، كل ذلك يعود الى السياسات الاستبدادية وسياسة التدخل في الإقليم، إن سورية الجديدة سوف تبحث عن المشترك في المصالح مع الدول المجاورة على أساس من الاحترام المتبادل".
وعن موقع العروبة في سوريا الجديدة يقول نشار: "إن العروبة، كما أعرفها وكما أظن أنها في الواقع، مكون ثقافي لمجموعة كبيرة من الشعوب منتشرة في أماكن كثيرة من العالم، لا أعتقد أن التاريخ يحفظ في ذاكرته أنه كانت هناك دولة عربية في حدود سياسية معروفة. إن الرابط الثقافي هو مكون مهم لكن برأيي لا يكفي لبناء جسم سياسي أو وطن بمعنى دولة، أعتقد أنه آن أوان الابتعاد عن التعريفات والتصنيفات الأيديولوجية لجعل العروبة شعارا قوميا وإلباسها ثوبا سياسيا، واقع الحال لأغلب المجتمعات العربية وشعوب المنطقة يقول إنها تريد التنمية والازدهار والتقدم والتعايش مع الآخر، وأنها تريد الأخذ بمفاهيم التقدم والإصلاح، وهذا تبين انه لن يتحقق إلا من خلال نظام ديموقراطي يؤمن الحرية ويزيد من المعرفة ويعطي للمرأة حقها في المشاركة والإبداع.
إن التحولات التي جرت في الربع الأخير من القرن الماضي، والتي أسقطت اغلب الأنظمة الاستبدادية في العالم، أثبتت ان المجتمعات والشعوب لا يمكن ان تتقدم وتغادر تأخرها الا إذا أخذت بالحرية معيارا أساسيا للتقدم والرفاه. إن الحريات العامة سواء الشخصية أو المدنية أو السياسية أو الإعلامية هي مدماك تقدم الشعوب، وعلى السوريين ان يحسموا أمرهم في ذلك على الرغم من جميع المعوقات، التي سوف تظهر من هنا وهناك، نتيجة التشظي التي أصاب المجتمع السوري بعد هذه الثورة، هذا هو التحدي الكبير الذي سوف نواجهه في المستقبل، وليس ذلك أمراً سهلاً، ولكن لا بد من البدء.