الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إئتلاف قوى المعارضة والثورة السورية.. البرج العاجي

إئتلاف قوى المعارضة والثورة السورية.. البرج العاجي

28.08.2013
بشار عمر الجوباسي



القدس العربي
الثلاثاء 27/8/2013
لا زالت المصائب تتوالى على رؤوس السوريين، فمأساتهم عجزت عن وصفها الكلمات؛ حتى وصلوا لدرجة تمنى الكثير منهم الموت وفضله على تلك الحياة، وظنوا ألا عذاب فوق عذابهم حتى جاءتهم الدهماء الكبرى؛ المذبحة الكيماوية في الغوطة الشرقية في أزمة تتوسع خطوطها الحمراء بعد كل مذبحة.
لقد استحق النظام المجرم آلاف مذكرات الاستدعاء من محكمة الجنايات الدولية أو محكمة العدل الدولية منذ بداية الأزمة وحتى الآن، وماذا فعل مجلس الأمن أليس من مهامه فرض السلام والأمن في العالم، ولو بالقوة، حسبما جاء في ميثاق الأمم المتحدة، إن كنّا قد تعودنا تخاذل المجتمع الدولي وفشل مؤسساته فإنّنا كنّا نمني النفس بالكثير من الإئتلاف الوطني للمعارضة، ولكن ماذا حدث؛ لقد اكتفى رئيسه باتصال مع إحدى القنوات الفضائية مستنكراً المذبحة وجاهد الكثير من أعضائه في البحث عن بعضهم ليعقدوا جلسة ناحوا فيها ولطموا، بعد أن سألوا بعضهم بعضا عن أحوالهم وتسامروا، ثم كان أعظم ما خرجوا به من جلستهم مؤتمر صحافي للسيد جورج صبرا ندد فيه واستنكر وشجب، يبدو أنّهم لم يسمعوا ما قال ابن دمشق الزركلي قبل أكثر من تسعين سنة:
تفد الخطوب على الشعوب مغيرة .. لا الزجر يدفعها ولا التنديد
إذا سلّمنا بأنّ الاستنكار والتنديد لا يستطيع أن يعيد الحياة لضحايا المذبحة فهل بإمكانه حماية من تبقى من السوريين من مذابح كيماوية أخرى.
لقد سقطت آخر قشة كانت تستر وجه المعارضة أمام شعب يُفترض أنّها تمثله، ماذا قدمت المعارضة حتى الآن، قد يقول قائل: ليس بيدهم شيء ولا أحد يرد عليهم و… إذاً ليتوجهوا إلى السوريين ويخبروهم بأدق تفاصيل محادثاتهم مع الفرنسيين والبريطانيين والأمريكيين والعرب وغيرهم ممن يتشدق بدعم الشعب المذبوح، لقد كان يُؤخذ على النظام المجرم في ما يُؤخذ أنّه يصادر قرار السوريين ويتصرف ويعقد الاتفاقيات بما يخدم مصلحة العائلة الحاكمة فقط، فإذاً هل بعد كل ما عاناه السوريون وما يعانونه لم يأتوا بأكثر من تغيير أشخاص، من دون أي تغيير بالسياسات أو التعامل.
التف السوريون حول ‘المجلس الوطني’ بادئ الأمر وظنوا أنّه سيكون مثل ‘المجلس الوطني’ الليبي، وسيحل الأزمة خلال شهور معدودة، ولكن مضت السنين وكل يوم فيها أسوأ من الذي قبله، إلى أن خرجوا على السوريين؛ بـ’إئتلاف قوى الثورة والمعارضة السورية’ تم فيه تمثيل كل دول العالم الداعمة – بالكلام فقط – للثورة السورية، من دون أن يمثل السوريين بشكل حقيقي، الجميع صمتوا عن ذلك وخلقوا له الأعذار، فهذه مرحلة انتقالية ستمضي، والأَولى هو اسقاط النظام المجرم ودفع البلاء عن الشعب المنكوب، ولكن ماذا حصد السوريون من كل أولئك المعارضين؟ ومن المثير للغثيان عدم وجود اتصالات بين المعارضة السياسية والكتائب المقاتلة على الأرض، والأنكى من ذلك هو أنّ قادة الكتائب يتفاخرون في لقاءاتهم الصحافيه بعدم وجود تلك الاتصالات، كما يتفاخر الأساتذة الجامعيون السوريون بنسب النجاح المتدنية جداً في موادهم.
الجميع غارق في صراع على مناصب وكراسي في مؤسسات مدمرة أو سيتم تدميرها، وهناك من المعارضين السياسيين والمقاتلين مَنْ قد اقتنع بما وصل إليه، فبعد عدة شهور على انطلاق المظاهرات برز الكثيرون ممن تسلقوا على أكتاف الثورة وضربوا بسيفها فوصلوا إلى مكان ما كان يحلمون به؛ وطبعاً بعد سقوط النظام سيعود كلٌ لمكانه وهذا ما لا يريده البعض.
بالطبع يجب علينا أن لا نَغْفَل عن النظر إلى الجزء المملوء من الكأس، فهناك معارضون سياسيون لهم تاريخ مشرف، ولا هَمَّ لهم إلا الشعب، وأيضاً من الكتائب المقاتلة مَنْ قدَّم وما يزال يقدم الكثير من التضحيات المشرفة، ولكن في النهاية لا تزال تطحن جموع السوريين أزمة أفظع ما فيها أنّه لا يستطيع أحد التكهن بيوم نهايتها. خلال ثلاثين شهراً قُتِل مئة ألف شخص، حسب التقديرات الرسمية للأمم المتحدة، ولكن قُتِل في يوم واحد في مذبحة الكيماوي في الغوطة الشرقية ألف وخمسمئة إنسان، أي ما يعادل (1.5) من مجموع من قُتِل، فإذا لم يتمكن المجتمع الدولي من التغلب على تخاذله أمام هذه الأرقام الرهيبة، ومرّت هذه المذبحة كما مرّت عشرات المذابح من قبلها، فإنّنا سنكون أمام كونغو أو رواندا ثانية، فلن يتوانى النظام المجرم الإرهابي عن ارتكاب أفظع الجرائم. فهناك خطوط حمراء جديدة تُرسم له بعد كل مذبحة يرتكبها في ظل انشغال العالم بما يجري في مصر، ويُدْفَع له ليجري في تونس وليبيا.
ربّما كان من سوء حظ السوريين أنّه لا يوجد في بلدهم مخزون نفطي يسيل اللعاب، كما أنّ لديهم حدودا مع الكيان الصهيوني، لذلك فعليهم أن ينزفوا كثيراً قبل أن يصلوا إلى بر الأمان.
لقد ظهرت مواقف مشجعة إيجابية من فرنسا وبريطانيا؛ فأقل ما كان يمكن لأعضاء إئتلاف المعارضة أن يفعلوه هو أن يستيقظوا باكراً قليلا ويغادروا فنادقهم الى باريس ولندن قبل أن يضعف زخم الحدث، ويعملوا على زيادة ذلك الزخم، فمجزرة الغوطة الشرقية لن تظلّ وصمة عار على جبين النظام المجرم فقط، بل ستتعداه إلى الكثيرين.