الرئيسة \  مشاركات  \  إبعاد "سليم إدريس": هل هو انقلاب عسكري .. أم لعبة أمريكية جديدة؟

إبعاد "سليم إدريس": هل هو انقلاب عسكري .. أم لعبة أمريكية جديدة؟

25.02.2014
الطاهر إبراهيم




لا أتكلم هنا من موقعي كمحلل سوري للأحداث فحسب، فأنا مطلع على كثير من الأمور منذ الانشقاق عن جيش بشار الذي أعلنه العقيد "رياض الأسعد" وأسس بعد ذلك الجيش الحر. كما أسس زميله المقدم "حسين هرموش"لواء الضباط الأحرار،قبل أن تختطفه مخابرات بشار من تركيا التي لجأ إليها، حيث اختفى أواخر آب عام 2011. واتخذ العقيد رياض الأسعد في مدينة أنطاكيا مكتبا للجيش الحر،يستقبل منه المنشقين والزوار المدنيين. وكانت انطلاقة الجيش الحر أواخر تموز 2011. وصار له مؤيدون كثر داخل سورية وخارجها.
كان على "رياض الأسعد" أن يعرف أن تحرير سورية لا يتم إلا من داخل سورية، وهذا ما لم يدركه هو ومجموعة العقداء الذين كانوا حوله. هذا الكلام قلته له قبل سنتين في مكتبه، بوجود الأستاذ "رياض شقفة" المراقب العام للإخوان السوريين. مع هذا لا نبالغ إذا قلنا إن الانشقاق الذي بدأه الأسعد وهرموش كان روحا طيبة سرت في سورية مع انطلاقة الجيش الحر.
من هنا كانت البداية. وتتالت الانشقاقات من مجندين وضباط صغار وكبار. وقليل منهم حاول أن يبدأ من الصفر ويشكل مجموعات قتالية. إلا أن شبابا مدنيين إسلاميين بدأوا بتشكيل كتائب قتالية. لم يكن يملكون ابتداء إلا بواريد كلاشنكوف هاجموا بها حواجز أقامها جيش بشار لقهر المتظاهرين السلميين. كانت المغارة (قرية كاتب هذه السطور) في جبل الزاوية هي أول قرية يتم تحريرها أوائل عام 2012. ثم انطلقت الكتائب تحرر بلدات وقرى في حلب وإدلب.
شعرت واشنطن بخطورة هذه التشكيلات، فسعت إلى احتوائها. أوفدت ضباطا من ال (cia) قبل عام من الآن إلى عمان حيث تجمع 60 من قادة الفصائل المقاتلة في الأردن. حضر اللقاء ضباط مخابرات عرب. أعقب ذلك اجتماع ضباط منشقين في أنيطاليا، كان أكثرهم لا ينتمي للفصائل المقاتلة. وقد تم اختيار العميد -لواء لاحقا- "سليم إدريس" رئيسا لأركان الجيش الحر بمعزل عن العقداء في قيادة الجيش الحر برئاسة رياض الأسعد الموجود في أنطاكيا، وبمعزل عن الائتلاف السوري حديث التشكيل. كما لم يشارك قادة الفصائل المقاتلة بهذا الاختيار.
عقب هذا التشكيل وضعت جبهة النصرة على قائمة الإرهاب. وبرغم دورها في اختيار سليم إدريس، فقد أعلن رفضه لوضع واشنطن "النصرة" على قائمة الإرهاب. ونفس الشيء فعله "معاذ الخطيب" رئيس الائتلاف السوري. لانقول إن واشنطن سكتت على مضض، فالخطيب كان قد استقال، وبقي الائتلاف أشهرا دون أن ينتخب رئيسا بديلا. أما سليم إدريس فقد بقي في منصبه لا يملك من الأمر شيئا. أجاب في حينه على سؤال عن السلاح المعروض عليه، فقال: لم يعرض علينا أحد أي سلاح. لكن ذنوبه كانت تسجل عليه في ملف خاص.
رغم أنها رعت المجلس الوطني منذ تشكيله في أكتوبر عام 2011، فقد سعت واشنطن لإنشاء الائتلاف السوري ليكون الواجهة للمعارضة السورية. لا أحد يعرف سببا لتخليها عن المجلس الوطني، إلا ما كان يقال زورا وبهتانا، أن الإسلاميين يسيطرون عليه. سعت واشنطن لتوسعة الائتلاف، فجرى ذلك بحزيران 2013 وتم ضم23 عضوا من المنبر الديمقراطي منهم ميشيل كيلو وأحمد الجربا ليكون واجهة يفاوض النظام في جنيف. ولا يهم واشنطن إن كان الائتلاف منبثقا عن المعارضة أم لا ، بل المهم أن تجري المفاوضات. كان معروفا للقاصي والداني أن هذه المفاوضات لن تتقدم خطوة واحدة لأن نظام بشار لا يوافق عليها ابتداء.
إنصافا للواء سليم إدريس، ورغم أنه تم اختياره برضاء واشنطن، إلا أنه ككل العسكريين غير المبرمجين من قبلها، كان يرفض مفاوضات جنيف لأنها لا أفق لها. واشنطن من جهتها تركت سليم إدريس معلقا، فلم تقدم له السلاح النوعي ليسقط به الطائرات التي تقذف البراميل من علو شاهق فتقتل وتدمر، ثم سعت واشنطن لتستبدل به آخر يسمع الكلام ولا يتكلم.
وكما تجمعت جماعة من الضباط المنشقين في أنيطاليا في تركيا لتشكيل هيئة الأركان واختيار سليم إدريس رئيسا لها، فقد تمّ ترتيب لقاء مع نفر من هذه الجماعة لإقالة اللواء إدريس واختير العميد عبد الإله البشير - رئيس المجلس العسكري في القنيطرة سابقا- رئيسا جديدا لهيئة الأركان، لا لأن هذا أكثر كفاءة من ذاك، بل لكي يكون قائدا عسكريا فحسب يمشي مع رئيس الائتلاف أحمد الجربا بالتسوية إلى آخر المشوار.
في التفاصيل: الجبهة الإسلامية المشكلة منذ ثلاثة شهور مكونة من عدة فصائل مقاتلة أبرزها: أحرار الشام وصقور الشام ولواء التوحيد ولواء الإسلام وفصائل أخرى أصغر،وهي تعد أكثر من70% من المقاتلين في سورية، وقد نأت بنفسها عن الائتلاف ابتداءً. وقد كانت على علاقة حسنة مع اللواء إدريس، وقامت بصد هجوم مسلحين على مكاتب هيئة الأركان في الحدود مع تركيا. عندما أراد أحمد الجربا الانقلاب على سليم إدريس لم ينسق مع الجبهة الإسلامية،لأنها ترفض مفاوضات جنيف ابتداء. وقد وجد الجربا ضالته في جمال معروف قائد ألوية شهداء سورية، الذي شكل لاحقا جبهة ثوار سورية ( تعداد مقاتليه بحدود 4000 مقاتل، أما تعداد مقاتلي الجبهة الإسلامية فأكثر من 70 ألف مقاتل).
يبقى أن نقول أن واشنطن كانت تريد ضابطا منشقا يخلف سليم إدريس.فلم يكن يهمها أن يكون "عبد الإله البشير" يسيطر على ألوية كثيرة من الجيش الحر. تماما كما كان الجربا لا يمثل إلا أقل من نصف أعضاء الائتلاف عندما ذهب إلى جنيف. والائتلاف نفسه لم يكن يمثل إلا أقلية في المعارضة السياسية. كما أن المعارضة لا تمثل إلا أقلية في الشعب السوري الثائر.
*كاتب سوري