الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إجازة الهجوم المعاكس... مفتوحة

إجازة الهجوم المعاكس... مفتوحة

26.07.2013
أحمد جابر

الحياة
الجمعة 26/7/2013
تباعاً، سقطت «الخطوط الحمراء» التي قال بها الغرب عموماً، في سورية. لقد تكفلت التطورات الميدانية، المجازة وغير المدانة، بحصول فعل الإسقاط، مما يجوز معه القول إن الغرب أسقط خطوطه التي كانت مرنة ومطاطة جداً، أو إنها لم تكن موجودة في الأصل، بصفة قرار مؤجل ينتظر ظروف تنفيذه.
تلاشي خطوط «المنع»، التي بان أنها خطوط فصل وهمي، بين قرار سياسي وآخر، جرى في الضوء، وعلى مرأى كل المعنيين بالشأن السوري ومسمعهم، لكن ما ظل مستتراً خلف العتمة، هو التوافق الضمني على إعطاء الضوء الأخضر لمجمل العمليات الميدانية، التي ما زالت وجهتها الأخيرة، أو محطتها المحددة مسبقاً، غير واضحة المعالم بعد. البداية الهجومية من مدينة القصير، سبقها إعلان سياسي من جانب مؤازري النظام السوري، قال بكلمات واضحة: «إن سورية لن تسقط، ولن يُسمح بإسقاطها. التدخل الخارجي من بوابة القصير، بات معروفاً بمصادره وبقواه وبمصادرة تموينه وتمويله وتذخيره، ومن يرعاه يبدي اطمئناناً واثقاً بـ «أن ظهره محمي».
إن توجيه الأنظار إلى التدخل «الميليشوي»، لـ «حزب الله» اللبناني، أو «لواء أبو الفضل العباس» العراقي، هو توجيه مدروس، للتغطية على تدخل بلدين أجنبيين في سورية: إيران والعراق. من السابق لأوانه الكلام على الأهداف البعيدة للسياسات الغربية، التي يعطيها البعض عنوان إشغال إيران، وتوابعها الشيعية، في الساحة السورية، واستنزافها، أو عنوان إعادة صياغة «الإقليم»، من مدخل استنفار هوياته المذهبية، بخاصة في شقها السنّي – الشيعي. هذا كلام لا تتوافر له أسانيده الراهنة، وقد يصح وصفه بأنه غير واقعي، لأنه يرجم في غيب السياسة النهائية، قبل أن تتوافر المعطيات المادية، ولأنه يعطي حركة الأحداث خطاً بيانياً صاعداً مستقيماً، من دون انحناءات أو التواءات أو منحنيات، أي أنه يفترض السياسة جامدة ثابتة، تأخذ لذاتها مسار طلقة البندقية، ما إن تغادر «حجرة الانفجار»، حتى تأخذ طريقها إلى إصابة الهدف.
ولأن الأمر أمر تطورات، وجب التدقيق في الحملة العسكرية المستمرة ضد مدينة حمص ومنطقتها، وضد محيط دمشق وريفها. سياسياً، لا بد من القول إن الإجازة الهجومية للنظام السوري ما زالت مفتوحة. أما ميدانياً، فلا بد من ملاحظة أن الميدان مال «استراتيجياً» الى مصلحة الجيش النظامي الذي يملك كل المقدرات والإمكانات التي تخوله تثمير هذا الميل وتوظيفه في الميادين القتالية.
ليس بسيطاً القول إن العمليات العسكرية تهدف إلى ربط الساحل السوري بالداخل «الدمشقي»، أي إعادة تأمين قاعدة ارتكاز موثوقة، لمعاودة الهجوم في اتجاه المناطق البعيدة الأخرى، في حلب ودرعا ودير الزور والحسكة والرقة، وسواها. على صعيد الحسابات العسكرية، لا شيء يحول دون ذلك، والتفوق النظامي في هذا المجال واضح، ويتمثل في أمور عدة أهمها: وحدة القيادة والقرار، والقدرة على الحشد والمناورة به والسيطرة عليه، هذا إضافة إلى كل العوامل التي أشير إليها، في السياسة وفي تأمين القدرات والإمدادات البشرية والمادية. يضاف إلى هذه المعطيات الإيجابية، عامل سلبي يمثله واقع «المعارضات» التي تواجه النظام الذي إن تفاقم فسيشهد اقتتالاً متبادلاً ضمن صفوف الاعتراض، وانفكاكاً متزايداً من الجمهور الشعبي الذي توسّم في الانتقال «الثوري» خيراً، لكنه عاد وانقلب عليه شروراً على أكثر من صعيد.
إذاً، إذا اقتصرت معاينة الوضع السوري على ما تقدمه اللوحة الراهنة، داخلياً وإقليمياً ودولياً، يصير الراجح غلبة نظامية، ولو بكلفة تدميرية هائلة، لا يبدو أن النظام يقيم وزناً لها. نقل المعاينة إلى المستوى السياسي، يضيء على جوانب توجّس خطرة، تطاول نقاطها المصير السوري، بما هو جغرافيا وكيان. في مواجهة هذه النقاط المصيرية، اللاعب السوري هو الأضعف، على ضفتي النظام والمعارضة، لأن الطرفين أقاما بنية التفوق والصمود على الدعم الخارجي، السياسي والمادي، وبالاستناد إلى مظلته الوارفة.
في إزاء ذلك، تتقدم إلى واجهة النقاش البنود الآتية: الأول، وهذا شائع، هل المراد تمكين النظام من تأمين ما يعتبره قاعدة أساسية له، ضمن مناطق هجومه الحالي؟ هذا يطرح سؤالاً يتعلق بالبند الثاني، وهل سيكون الشمال السوري منطقة نفوذ غربي بمظلة تركية؟ والسؤالان يحملان استطراداً إلى البند الثالث: وهل سيكون الجنوب السوري منطقة نفوذ غربية، برعاية خليجية وواجهة أردنية؟ هذا يعني التأسيس لتمزيق مديد، يُدار اقتتاله حتى تحين اللحظة المناسبة التي يعلن بعدها الرعاة الإقليميون والدوليون، أنه بات مطلوباً الجلوس إلى طاولة توزيع الحصص، وفق الأوزان الميدانية والسياسية المناسبة.
في ظل الهواجس الآنفة، لا إلغاء لأدوار أي من المتنازعين، بل هناك تنظيم للنزاع، وتعيين ضوابط لا تلغي حدوده المرسومة بعناية. هذا يكفل وضع الجميع قراراتهم لدى الجهات المانحة والداعمة، أي التسليم بإدارتها، لأن في التسليم تأمين ديمومة سلطوية، أهلية كانت أو نظامية.
يحصل أن يستبدل اللاعبون أوراقهم بعد انتهاء اللعبة، وقد يصير الاستبدال أحد شروط بلوغ النهاية. إذ لن يكون صعباً على «صاحب القرار» القول إن من أعمل في البلاد سيف الخراب، ليس مؤهلاً لقيادة مراحل البناء، وأن القتلة من جميع الأطراف، لا يمكن إلباسهم مسوح الرهبان. يستوي في ذلك النظام والمعارضات وسائر الأدوات الأهلية.