الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إخفاء سوريا

إخفاء سوريا

17.04.2013
حسين جمو

مختارات من الثورة السورية
الاربعاء 17/4/2013
تجاهلت المناهج الدراسية، من المرحلة الابتدائية وحتى الجامعية، في عهد حزب البعث وآل الأسد محطات هامة ومفصلية من تاريخ سوريا، وهو إجراء نادر في العالم بأن يتم حذف مرحلة كاملة من التاريخ الممتد على سبيل المثال بين عامي 1963 و1970، أي انقلابيْ البعث وحافظ الأسد.
لا يعرف معظم الجيل الذي لم يعايش تلك المرحلة ولم يقرأ عنها أسماء رؤساء الحكومات الذين تعاقبوا على الحكم في تلك الفترة لأن نظام البعث اعتبر أن هذه الأحداث مكتوبة بقلم رصاص، ويمكن محوها وترك مكانها سطوراً فارغة.
وللمفارقة، فإن مرحلة انهيار الدولة العثمانية تحظى بالوزن الأكثر ثقلاً في ميزان كتب التاريخ في المناهج السورية، وهي ليست ذات أهمية قليلة، إذ أنها توضح الأرضية التي نشأت عليها الدولة السورية المستحدثة ككيان إداري مستقل وذو سيادة في مرحلة لاحقة، لكن السنوات الممتدة بين محاولة الوحدة الكارثية مع مصر عام 1958 وانقلاب حافظ الأسد يتم دائماً اختصاره بصفحة واحدة، فيما تمت صياغة روايات مختلقة عن طريق سهيل زكّار وأمثاله عن الاحتلال العثماني بحيث اختلط حابل الكذب بنابل الحقيقة.
ولم يكن نصيب تاريخ الحضارات والدول القديمة التي نشأت في أجزاء من سوريا الحالية أو على أطرافها بأفضل من المرحلة الأولى القذرة التي انتهت بمجيء الأسد وبدأت معه المرحلة الثانية، حيث هناك تزوير ضخم للوقائع الموثقة في النقوش الجدارية والرقم المسمارية، فلا نجد أي إشارة في مختلف المقررات الدراسية عن وجود حضارة أو دولة اسمها الدولتين “الهورية” و “الميتانية” اللتين ضمّتا أجزاء من سوريا الحالية، وكان امتداداهما مقارب لمناطق انتشار الأكراد في الشرق الأوسط ومبنياً عليها، ولهذه الأسباب ارتبط ذكرهما في شروحات غير مدرسية بأنهما دولتان خارجيتان في الوقت الذي تعتبر فيها المناهج نفسها جنوب شرق تركيا بالكامل أرضاً لـ”سوريا التاريخية”. أضف أن نتائج البعثات الأثرية التي عملت عشرات السنين في منطقة تل موزان في ريف القامشلي لم يتم الكشف عنها إعلامياً.
لم أورد المثالين السابقين من التاريخ المعاصر والقديم لإثبات مظلومية بطريقة التفافية مثقفة، بل للقول بكل بساطة إننا كنا جميعاً مواطنين (مفترضين) لدولة حكايتها تكاد تكون مجهولة، بل تمت إعادة كتابة أجزاء منها لتناسب المرحلة البعثية في كل شيء، من العصر الحجري وحتى عصر الإنترنت. وعليه، لا نتفاجأ مثلاً أن تكون الثورات التي قامت ضد الانتداب الفرنسي مفصّلة على عدد المكونات القومية والطائفية، كما لم نقرأ في أي مقرر دراسي أن سلطان باشا الأطرش هرب إلى الأردن وعاش فيها لاجئاً لسنوات، ولم نقرأ سطراً واحدا عن إبراهيم هنانو بعد ثورة الشمال رغم أنه عاش سنوات ومات وهو لديه حلم لم يتحقق.
أتمنى أن لا ندخل مرحلة أخرى من “إخفاء سوريا” عن أبنائها،  وأن يتم الكشف عن سوريا التي يجب أن نعرفها من رواية السلطة.. لأننا إنْ عرفناها بأنفسنا واكتشفنا أن الدولة تعتبر سوريا قماشاً تخيط منها ثوباً على مقاسها.. حينها قد يظهر مجدداً الكارهون لسوريا بعد تخليصها من كارهها الأكبر، بشار الأسد وأزلامه.