الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إدلب ومنها النبأ اليقين

إدلب ومنها النبأ اليقين

10.06.2015
عيسى الشعيبي



الغد الاردنية
الثلاثاء 9/6/2015
ينطوي العنوان أعلاه على ثلاثة أسئلة مضمرة في بطن الكاتب وذهنه. أولها، ما الذي تتفرد به إدلب عن غيرها من المحافظات السورية في هذه المرحلة من عمر ثورة الحرية والكرامة، المثخنة بالتدخلات والانقسامات والاستعصاءات؟ وثانيها، ما هو هذا النبأ الذي يتقدم على غيره، ويستحق أولوية التناول أكثر من كل الوقائع المتزاحمة على احتلال صدارة الاهتمامات الراهنة؟ أما ثالثها، فهو عن ماهية حالة اليقين التي ترسخت، مؤخراً، لدى أكثرية المحللين، في أعقاب التحولات المتسارعة في عموم البلاد الشامية.
ذلك أن إدلب لم تكن على مدى السنوات الأربع الماضية في مركز الضوء، ولم تتبوأ المكانة الرفيعة التي نالتها حمص، مثلاً، على أجندة الحراكات الثورية، ولم تنتزع هذه المحافظة الشمالية الغربية موقعها الباذخ على الخريطة السورية، إلا بعد أن تمكنت في الأشهر القليلة الماضية من تحقيق خلاصها من قبضة النظام المتهالك، على أسنة الرماح العوالي، وأمام عدسات هواتف المراسلين الميدانيين، الذين وثقوا مشاهد أتت أبلغ من أي تقارير مكتوبة.
ولعل الميزة النسبية المضافة لإدلب، عن الرقة أو دير الزور المختطفتين من يد الثورة، أنها المحافظة الآمنة في المدى المنظور، ليس إزاء هجوم مضاد من جانب قوات نظام دخل في طور الدفاع المتهافت عن النفس، وإنما أيضاً من جانب تنظيم "داعش" الذي لن يكون في وسعه تكرار ما فعله في المحافظتين النائيتين، شرقاً وشمالاً، في هذه المحافظة النظيفة من أي وجود يعتد به لتنظيم الدولة المتمدد على الرمال الساخنة.
ولما كانت إدلب تتوسط ثلاث محافظات مركزية كبرى؛ هي حلب وحماة واللاذقية، وصار في وسعها أن تتحول إلى مركز لبناء قوة أكبر، أو رأس حربة يمكن توجيهها نحو الساحل على وجه الخصوص، فقد باتت هذه المحافظة، التي فاجأ بأسها عموم السوريين في الداخل والخارج، مؤهلة أكثر من أي بقعة أخرى، للقيام بدور مقرر في مجرى الثورة التي اكتسبت في مدينة الزيتون والكرز هذه، مضاءً شديداً، وقوة دفع لا سابق لها.
وأحسب أن النبأ الذي سوغ لصاحبه هذه المطالعة، وتقدم لديه على سائر الأنباء المتقافزة على رأس جدول اهتماماته العامة، ماثل في هذا التحول الاستراتيجي البادي لكل ذي عين تتابع مسار التطورات المتراكمة، وفي المقدمة من ذلك كله انكسار إرادة القتال لدى جيش نال منه التعب والملل والتفكك، بدليل أنه صمد لمدة أسبوع في مدينة ادلب، وثلاثة أيام في جسر الشغور، ويوم واحد في أريحا، ونحو ثماني عشرة ساعة في عشرين معسكراً وحاجزاً وقرية ونقطة حربية في الريف.
أما عن اليقين الذي استقر أخيراً، بعد قسط من الحذر وقدر يسير من الارتياب، فحدث ولا حرج عن مظاهر لا حصر لها عن دوي وقع الانهيارات السياسية والسيكولوجية والإعلامية التي سمع رجعها في فضاء دمشق وبيروت وطهران، عبر تلك الخطابات المفعمة بالالتياع وروح الهزيمة، أو التعليقات المحتدمة بخيبة الأمل والإنكار، لدى أقلام القلة القليلة المنافحة بعد عن محور الممانعة المتهالك في العواصم الأربع المدارة من جانب طهران المردوعة.
وما كان لإدراك المرء أن يصل إلى درجة اليقين هذه، إلا بعد أن استمع إلى تلك المبالغات الشديدة عن أهمية احتلال تلة موسى وجرود فليطة في القلمون، كمعادل موضوعي لخسارة إدلب. وما كان لذي لب أن يتأكد من عمق يقينه، لو لم يتناه إلى أسماعه عزم إيران، أو قل زعمها، وضع سبعة آلاف مقاتل إيراني إضافي للدفاع عن دمشق وعن الساحل، ناهيك عن المفاجآت المذهلة للجنرال قاسم سليماني، الذي آل إلى فزاعة لا تخيف سوى العصافير المهاجرة.
تحضرني في هذا المقام حكمة مأثورة لنابليون بونابرت قال فيها: إن جيشاً من ألف أرنب يقوده أسد، هو أفضل لدي من جيش قوامه ألف أسد يقوده أرنب. فما بالكم ونحن نرى مشاهد نقلت من عين المكان في إدلب، فر فيها الضباط بما تيسر لهم من عربات عسكرية مستهلكة، فيما كان الجنود المذعورون يهرولون وراءهم مشياً على الأقدام؟ وهي مشاهد يتم تسميتها بإعادة التجميع والانسحاب التكتيكي الناجح. فهل هناك مثال أكثر انطباقاً من هذه الحالة على مقولة نابوليون الخالدة؟