الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إزالة الحدود تتمدد إلى لبنان

إزالة الحدود تتمدد إلى لبنان

10.08.2014
د. محمد مصطفى علوش



الشرق القطرية
السبت 9/8/2014
روايتان يتم تداولهما في لبنان حول أسباب تفجر الصراع الدائر في بلدة عرسال على الحدود الشرقية للبنان مع سوريا الذي أوقع عشرات القتلى والجرحى وأجبر الآلاف على النزوح.
رواية الجيش اللبناني كانت حاسمة لجهة الموقوف عماد جمعة سوري الجنسية الذي كان على وشك إعلان إمارة في لبنان بحسب ما تزعم وسائل الإعلام اللبنانية عن مصادر لا تسميها في حين جاء المؤتمر الصحفي الذي عقده قائد الجيش العماد جان قهوجي لتوضيح ملابسات الحدث إذ إن توقيف جمعة أتى على خلفية تخططيه للقيام بأعمال إجرامية على الأرض اللبنانية. وبالتالي لم يسع الجيش أن يبقى متفرجا والبلاد تواجه عمليات إرهابية.. هنا لا مساومة على حساب الدولة والجيش، وكان الرد واضحا أن الجيش إذا تخلى عن بلدة عرسال لصالح المسلحين أو قصّر في حماية حدوده مع سوريا فسوف تزول الحدود بحكم القوة كما زالت بين سوريا والعراق ضمن مخطط متكامل يقوم به تنظيم الدولة الإسلامية الذي يريد وصل ولايته من الموصل إلى دير الزور وصولا إلى شرق لبنان في البقاع.. وهذا يعني بداية النهاية للكيان اللبناني الذي طالما ناضل أهله للحفاظ عليه من سيناريوهات التقسيم التي تطل برأسها عند كل هزة أمنية أو أزمة سياسية حادة.
يتداول الإسلاميون وجزء كبير من المتعاطفين مع الثورة السورية رواية مغايرة لرواية الجيش، فهم يرون الجيش اللبناني لم يكف يوما عن ملاحقة المعارضين السوريين لبشار الأسد على الأرض اللبنانية، وهو يشد الخناق على عمليات تهريب السلاح أو تسلل المقاتلين من وإلى سوريا عبر البوابة اللبنانية في الوقت الذي يسرح حزب الله ويمرح بين لبنان وسوريا بكامل أسلحته. ويزيد بعضهم بأن الجيش تحول إلى لواء تابع لولاية الفقيه في إيران وهو ينفذ أجندة إيرانية بعيدة كل البعد عن هموم وأجندات الشعب اللبناني المثقل بأوجاع الانقسامات والاصطفافات السياسية. وأن افتعال الصراع في عرسال هو لترتيب الأجواء تمهيداً لرفع أسهم قائد الجيش في بورصة المرشحين لرئاسة الجمهورية المتعثر وضعها، تماماً كما حصل مع الرئيس السابق العماد ميشال سليمان الذي وصل إلى سدة الرئاسة بعد الحرب التي شنها الجيش على تنظيم فتح الإسلام عام 2007 وهو نفس السيناريو الذي حدث مع الرئيس الأسبق العماد إميل لحود الذي وصل للرئاسة بعد حملة الجيش على الإسلاميين في جبال الضنية شمالي لبنان عام 2000.
وإذا كان الزعيم الدرزي وليد جنبلاط الذي تتحسن علاقته تدريجيا مع حزب الله يرى أن توسع داعش إلى لبنان ليس له علاقة بتدخل حزب الله في سوريا، فإن المدافعين عن حزب الله يرون أن تدخل الحزب في سوريا أوقف تمدد داعش إلى لبنان علما أن دخوله سبق تمدد تنظيم الدولة إلى سوريا.
وسائل الإعلام اللبنانية على اختلافها أصدرت بيانا قبل أيام تتعاهد فيه على عدم نشر أي معلومة تنال من هيبة الجيش اللبناني ومعنوياته وتنتقص من دوره في مواجهة "الإرهاب" في عرسال. صدور بيان وسائل الإعلام يعكس قلقاً من غرف المحادثات في مواقع التواصل الاجتماعي التي بدأت تتناقل مقاطع فيديو لأسرى عسكريين وآخرين يعلنون انشقاقهم عن الجيش اللبناني.
وبيان وسائل الإعلام يعكس قلقا مفاده أن دعما كاملا ومطلقا وغير مشروط من جميع اللبنانيين لا يحظى به الجيش في حملته ضد الدخلاء على عرسال، ويكفي أن تعلم أن عددا من النواب المحسوبين على تيار المستقبل أبدوا قلقاً من تدخل الجيش، وحذروا من افتعال اقتتال سني - سني لصالح النظام السوري، حتى إن بعض الصحف المحسوبة على قوى 8 آذار أطلقت على توافقات هؤلاء النواب تسمية "كتلة داعش البرلمانية ". وهو مصطلح يحمل دلالات غنية بالرموز كما يعكس نهجا إقصائيا جديدا بدأ يتمدد إلى وسائل الإعلام ليطال أي مخالف لرؤية ورواية واحدة تريد جهات تسويقها.
شئنا أم أبينا يبدو أن لبنان ينساق برجليه إلى دوامة الصراع، وأنه لم يعد أمامه خيار للتراجع ولا حتى وضع السيناريوهات والاختيار بينها. وبدلاً من المناكفات والمماحكات السياسية بين الكتل السياسية بين منتصر لرواية هذا أو ذاك ينبغي العمل على الحيلولة دون انزلاق تام الجيش والبلاد إلى حرب استنزاف طويلة مع مجموعات مسلحة مدربة ومجهزة وليس لديها ما تخسره في صراع مرير لا قدرة للبلاد على تحمل أكلافه على أي صعيد.