الرئيسة \  تقارير  \  إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية

إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية

12.01.2023
بنينا شربيت باروخ وأوري باري

إسرائيل إلى محكمة العدل الدولية
بقلم: بنينا شربيت باروخ وأوري باري
الغد الاردنية
الأربعاء 11/1/2023
في 30 كانون الأول (ديسمبر) تبنت الجمعية العمومية للأمم المتحدة القرار الذي يطلب من محكمة العدل الدولية في لاهاي تقديم رأي استشاري حول مسألتين. الأولى، ما هي التداعيات القانونية التي تنبع من خرق إسرائيل المستمر لحق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير من الاحتلال المتواصل والمستوطنات والضم، بما في ذلك خطوات تهدف إلى تغيير التركيبة الديمغرافية وطابع ومكانة القدس وتبني تشريع وخطوات مميزة في هذا السياق؛ الثانية هي كيف تؤثر هذه الخروقات على المكانة القانونية للمنطقة المحتلة وما هي التداعيات المحتملة على دول العالم وعلى الأمم المتحدة.
هذا القرار أيدته 87 دولة وعارضته 26 دولة، منها الولايات المتحدة وكندا والمانيا وبريطانيا، و53 دولة امتنعت عن التصويت، منها معظم الدول الأوروبية. هذا القرار يمثل مرة أخرى التوجه المناهض لإسرائيل في الجمعية العمومية للأمم المتحدة، التي تركز بصورة لا يوجد فيها أي توازن على إسرائيل. يجب الاشارة إلى أن معظم الدول الأعضاء في الأمم المتحدة عارضت أو امتنعت عن التصويت أو أنها لم تشارك في التصويت، 106 دول، هذا ضمن أمور أخرى، في اعقاب نشاطات اقناع من قبل إسرائيل التي جعلت بعض الدول التي أيدت هذا القرار في مراحل اللجنة تغير مواقفها. مع ذلك، لم تكن هناك أي احتمالية حقيقية لمنع اتخاذ القرار. إسرائيل قامت بادانة هذا القرار وأشارت إلى أن “الشعب اليهودي لا يحتل أرضه ولا يحتل عاصمته الأبدية، القدس. أي قرار للأمم المتحدة لن يشوه هذه الحقيقة التاريخية”.
القرار يشكل تبنيا للتوصية التي تضمنها التقرير الصادر في 20 تشرين الأول (أكتوبر) للجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة بعد عملية “حارس الأسوار”. في التقرير ذكر بأن “الاحتلال الإسرائيلي” غير قانوني لأنه لا رجعة عنه بسبب الحقائق التي تضعها إسرائيل على الأرض، لا سيما مشروع الاستيطان. وذكر التقرير بأن استخدام المبررات الأمنية استهدف اخفاء نوايا إسرائيل الحقيقية في ضم أجزاء من الأرض، فعليا أو قانونيا.
في القانون الدولي مفهوم “أرض محتلة” يصف وضع واقعي فيه منطقة لدولة معادية يتم وضع اليد عليها، والقوة المحتلة تسيطر عليها بشكل فعلي. قوانين الاحتلال الدولية تنص على شروط وقيود تسري على القوة المحتلة في إدارة المنطقة. لا يوجد في قوانين الاحتلال أي تعليمات تتطرق الى عدم قانونية الاحتلال نفسه (خلافا لخرق الالتزامات التي تسري في زمن الاحتلال)، أو أي قيود على استمرار الاحتلال. في السنوات الأخيرة كان هناك من أرادوا تحديد أن “الاحتلال الإسرائيلي” غير قانوني لأنه يتجاوز بشكل اساسي مبادئ أساسية توجد في أساس قوانين الاحتلال، كونه نظام مؤقت؛ وغياب إمكانية لقوة الاحتلال الحصول على سيادة على الأرض وادارتها كما هي الحال في نظام “الوصاية”. في المقابل، تم الادعاء بأن التوجه إلى محكمة العدل هو محاولة منافقة لاختراع حالة جديدة غير معروفة في القانون الدولي لدوافع سياسية.
محكمة العدل الدولية، التي اقيمت في اطار وثيقة الامم المتحدة من العام 1945، هي الهيئة القضائية الأساسية في الأمم المتحدة. معظم انشغالها هو في تسوية النزاعات بين الدول التي وافقت على ذلك، وهي ملزمة بالامتثال لقراراتها في هذا الشأن. إضافة إلى ذلك المحكمة تمنح رأي استشاري في مسائل قانونية بناء على طلب من مؤسسات الامم المتحدة المخولة بذلك. ورغم أن آراء المحكمة غير ملزمة إلا أنها تحظى بالتقدير ولها وزن كبير في الساحة الدولية.
هذه هي المرة الثانية التي يطلب فيها من المحكمة عن طريق الجمعية العمومية تقديم الرأي فيما يتعلق بإسرائيل. في 9 (يوليو) تموز 2004 نشرت المحكمة رأي استشاري فيما يتعلق ببناء جدار الفصل، قالت في اطاره بأن اقامة “جدار الفصل” الذي يخلق حقائق من الضم الفعلي، تشكل خرقا للقانون الدولي، بما في ذلك واجب أنه على إسرائيل احترام حق تقرير المصير للفلسطينيين وقوانين الحرب وقوانين حقوق الإنسان. ونص أيضا على أن المستوطنات هي خرق للقانون الدولي. إسرائيل، التي رفضت المشاركة في العملية، انتقدت هذا الرأي. والمحكمة العليا في اسرائيل سمحت باستمرار اقامة الجدار من خلال التطرق الى أن المحكمة تجاهلت الواقع على الأرض.
الرأي لم تعقبه أي خطوات فعلية ضد إسرائيل، لكنه استخدم ويستخدم كوثيقة لطرح عدم قانونية المستوطنات في المناطق من قبل منتقديها. تجدر الاشارة إلى أن ادعاء مضاد هام، ساعد في تقليص تأثير الرأي في العام 2004، هو أن النزاع بين اسرائيل والفلسطينيين يجب حله عبر قنوات سياسية وليس باجراءات قانونية، هكذا جرت في ذلك الوقت وبعده عمليات سياسية بما في ذلك قرار بشأن خطة الانفصال. إضافة الى ذلك تم توجيه انتقاد للقرار من جهات اخرى خارج إسرائيل بسبب تجاهله لاخطار الإرهاب في الفترة التي كانت فيها الولايات المتحدة وحلفاءها يشاركون في مواجهات نشيطة في العراق وافغانستان ضد جهات ارهابية.
بخصوص الخطوات المتوقعة الآن، في اعقاب قرار الجمعية العمومية، المحكمة ستناقش في البداية صلاحيات اعطاء رأي. يمكن الافتراض بأنها ستجد أنه توجد لها صلاحية كهذه. بعد ذلك سيتم اختيار هيئة القضاة وسيتم اجراء نقاشات حول الادعاءات نفسها. دول وجهات مختلفة يمكنها أن تقدم رأيها للمحكمة. يمكن التقدير أن العملية ستستمر سنة أو سنتين. ويمكن الافتراض بأن الرأي سيشمل انتقاد عدم قانونية سلوك اسرائيل في الضفة الغربية وفي شرقي القدس وحول خطوة الضم التي تنفذها، حتى لو كان من الصعب التقدير مسبقا شدة الانتقادات وهل ستكون هناك آراء اقلية. رغم أن طلب الرأي لا يتطرق بشكل مباشر الى “الابرتهايد” (التمييز العنصري)، إلا أنه يتطرق الى “التشريع والوسائل المميزة”، وفي تقرير لجنة التحقيق التي شكلها مجلس حقوق الانسان تم الادعاء بأن اسرائيل تستخدم “التمييز والقمع المنهجي الذي يقوم على الهوية القومية، الاثنية، العرقية والدينية”. هذه الصياغة تسمح للمحكمة بالتطرق في رأيها ايضا الى الادعاءات بأن اسرائيل تستخدم نظام الابرتهايد في الضفة الغربية.
يمكن التوقع بأن الرأي الذي ستقدمه المحكمة سيدعو الامم المتحدة والدول والمنظمات الاخرى إلى اتخاذ خطوات فعلية لاستخدام الضغط على إسرائيل من أجل وقف عملها غير القانوني، وحتى يمكن أن توصي بفرض عقوبات على إسرائيل. ايضا في هذا الوضع يبدو أن احتمالية أن يفرض مجلس الأمن عقوبات هي احتمالية ضعيفة جدا، على خلفية حق الفيتو للولايات المتحدة. ولكن اقوال قاسية من المحكمة يمكن أن تمس بصورة كبيرة بالعلاقات الخارجية لاسرائيل، بما في ذلك التقليل من دعم اسرائيل من قبل حلفائها، التي لديها في الأصل موقف انتقادي حول سلوك اسرائيل في الساحة الفلسطينية. على سبيل المثال، الاتحاد الأوروبي جمد بداية شهر كانون الأول (ديسمبر) الماضي مسودة اتفاق متقدمة لتبادل المعلومات بين الشرطة في اسرائيل واليوروبول بسبب خلافات حول استخدام المعلومات في مناطق الضفة الغربية. حتى أن الرأي الذي ستقدمه المحكمة يمكن أن يشجع على الدفع قدما بخطوات دبلوماسية اخرى احادية الجانب من قبل الفلسطينيين مثل تقديم طلب للعضوية الكاملة في الأمم المتحدة وتحسين مستوى الممثليات في دول العالم.
لا شك أن رأي انتقادي سيستخدم كذخيرة في يد حركة مقاطعة اسرائيل، “بي.دي.اس”، وجهات اخرى التي تدفع قدما بمبادرات للقيام بخطوات ضد إسرائيل. إضافة الى ذلك في اعقاب غزو روسيا لاوكرانيا فانه تلوح في الأفق ظاهرة في شركات دولية تقرر بنفسها الامتناع عن نشاطات في دولة لاسباب قيمية. هذا الرأي يمكن أن يجعلها تتخذ خطوات ضد اسرائيل. في هذا السياق يجب الاشارة الى أنه في شهر كانون الاول (ديسمبر) الماضي نشر بأن صندوق الثروة في النرويج، الذي يدير عقارات بمبلغ 1.3 تريليون دولار ويعتبر الاكبر في العالم (في العام 2020 استثمر 1.3 مليار دولار في شركات إسرائيلية)، يقوم بإعادة النظر في استثماراته في إسرائيل للتأكد من أن الأموال لا يتم استثمارها في المستوطنات أو في شركات تعمل وراء الخط الأخضر. ايضا العالم يتجه نحو إعادة توزيع للمعسكرات بين الدول الديمقراطية الليبرالية والدول الديكتاتورية غير الليبرالية. هذا الرأي يمكن أن يؤدي إلى عرض إسرائيل كعضوة في المجموعة الثانية.
هذا الرأي يمكن أن يؤثر ايضا على التحقيق في قضية اسرائيل في المحكمة الاخرى (المنفصلة) التي توجد في لاهاي وهي محكمة الجنايات الدولية. التحقيق، الذي بدأ بصورة رسمية في شهر آذار (مارس) 2021، ركز على ادعاءات ارتكاب الجرائم في مناطق الضفة الغربية وشرقي القدس وقطاع غزة من بداية حزيران (يونيو) 2014، بما في ذلك “جريمة المستوطنات” التي تم تحديدها في قانون المحكمة. في السنة والنصف منذ تسلم منصبه كرئيس للمحكمة، كريم كان، قلل من التطرق للتحقيق، ويبدو أنه ليس على رأس أولوياته رغم أن هناك دلائل تشير الى أنه في السنة الحالية سيتم الدفع قدما بهذا التحقيق بدرجة معينة. توصية المحكمة بالدفع قدما بإجراءات جنائية ضد جهات إسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالمستوطنات، يمكن أن تشكل أداة ضغط اخرى على رئيس المحكمة كي يسرع التحقيق. علاوة على ذلك، قرارات المحكمة حول وجود تمييز منهجي قد تؤثر على التحقيق لأن جريمة الفصل العنصري مدرجة في قائمة الجرائم ضد الانسانية الخاضعة لاختصاص المحكمة.
مع ذلك، يجب تذكر أن افعال الدول مستمدة في المقام الأول من مصالحها، التي هي اوسع من اعتبارات الحرص على القانون الدولي. لذلك، حتى لو اعطي رأي انتقادي فان درجة تأثيره ستأتي من الطريقة التي سيتعامل بها المجتمع الدولي معه ويتبنى قرارات المحكمة. يمكن لسياسة الحكومة في إسرائيل وسلوكها أن تؤثر على كل مضمون القرارات نفسها ودرجة خطورتها، لا سيما درجة دعم وتبني مضمون الرأي في الساحة الدولية. التصريحات والأفعال التي تتنصل بصراحة من القانون الدولي، أو التي توحي بأن إسرائيل لا تنوي انهاء سيطرتها على الفلسطينيين في اطار حل سياسي، ستستخدم ضد اسرائيل في الحملة الدولية، وستصعب حشد التأييد لمواقف اسرائيل في مواجهة الرأي العام وقد تؤدي الى تفاقم الضرر الذي سيلحق باسرائيل، في ضمن ذلك خطوات ضم اجزاء من الضفة الغربية، بما في ذلك ضم فعلي وطمس التمييز القانوني بين دولة اسرائيل وهذه المناطق، مثلا عن طريق تطبيق القانون الاسرائيلي بشكل مباشر في المنطقة واستخدام صلاحيات حكومة اسرائيل بشكل مباشر وليس من خلال الحكم العسكري؛ تراكم خطوات يمكنها أن تمس بصورة فاضحة بحقوق الفلسطينيين، وضمن ذلك أخذ أراضي خاصة لغرض الاستيطان، وخطوات عقابية جماعية، وخطوات تقوض سلطة القانون في إسرائيل ومكانة المحاكم، التي استقلاليتها ومكانتها المهنية تشكل ادعاء مضاد رئيسي لإسرائيل في المعركة الدولية، بشكل خاص على خلفية حقيقة أن الفلسطينيين يمكنهم الحصول على رد على ادعاءاتهم من محكمة مهنية.