الرئيسة \  واحة اللقاء  \  "إسرائيل" المنقسمة ..على ذاتها بشأن سوريا

"إسرائيل" المنقسمة ..على ذاتها بشأن سوريا

21.09.2013
هشام منوّر



المستقبل
الجمعة 20/9/2013
ما من شك أن السر وراء التردد الأميركي الرسمي إزاء اتخاذ قرار حاسم تجاه النظام في سوريا يعود في جزء منه إلى حسابات تتعلق بامن إسرائيل وتداعيات أي هجوم عسكري أو ضربة محدودة كانت أم موسعة، على الكيان الإسرائيلي. التقارير الصحفية الواردة من المطبخ السياسي الإسرائيلي تؤكد على أنه لا يوجد موقف موحّد في "إسرائيل" حيال سوريا، بل إنه يوجد انقسام داخل "إسرائيل" وهناك موقفان شبه متناقضين.
يعتبر الموقف الأول أن النظام السوري يجب أن يسقط، لأن هذا سيؤدي إلى إضعاف محور إيران سوريا حزب الله. بينما يرى الموقف الثاني أن الأسد يجب أن يبقى في الحكم لأنه أفضل، بالنسبة لإسرائيل، من صعود نظام إسلامي أو سيطرة منظمات الجهاد العالمي وتنظيم "القاعدة" على أجزاء من سوريا، وخاصة تلك الواقعة عند الحدود في هضبة الجولان، من وجهة نظر بعض الساسة. إلى جانب ذلك، ثمة من يعتقد في "إسرائيل" أن الوضع الحالي هو الأفضل لأنه يؤدي بطرفي الصراع إلى إنهاك قوتهما، وبذلك لن تكون هناك هجمات ضد "إسرائيل".
وزير العلوم والتكنولوجيا الإسرائيلي، يعقوب بيري، الذي تولى في الماضي منصب رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك)، يتبنى الموقف الثاني. وقال بيري لصحيفة "معاريف" إن "مصلحة إسرائيل في أوضاع معينة هي أن يبقى الأسد في الحكم. إذ يمكن أن يصل إلى الحكم بعد الأسد (إذا افترضنا أنه سيغيب عن الخارطة) من هو أسوأ بكثير بالنسبة لإسرائيل، وسيكون أسوأ بالنسبة لسورية نفسها". بيري حاول فلسفة هذا التوجه الذي يبدو صادماً للبعض بالقول إن "إسرائيل" في ورطة، "فإذا رحل الأسد، قد نرى مكانه نشطاء الجهاد الإسلامي والقاعدة. وهذا ليس تطورا جيدا؛ إذ إننا نريد أن يكون أمامنا نظام منظم ومستقر. وهذه هي نظرتنا حيال مصر أيضا. وقد كنا بصورة طبيعية ضد الرئيس المصري السابق محمد مرسي والإخوان المسلمين، لكن كان لديك جار بإمكانك التحدث معه. وفي سوريا تقف أمامك جماعات من المتمردين والعنيفين، ووضعنا قد يكون أسوأ بكثير".
ووجه بيري انتقادات للأداء الأميركي بشأن سوريا. قائلاً إنه "لدينا هنا ظاهرة لم نعتدها. فالولايات المتحدة تتصرف بشكل تظهر فيه، من جهة، أنها "نزيهة" جدا و"جميلة" جدا. تبلغ من تريد مهاجمته لكي يستعد، ويتخذ كافة الاحتياطات اللازمة. وأنا أتحدث بتهكم معين طبعا. من جهة، هذه دبلوماسية مثيرة، لكنها تسمح للخصم أن يستعد". وهذا الوضع من وجهة نظر بيري، يمنح الأسد فرصة للاستعداد "للقيام برد فعل تجاهنا. لكن الاحتمال بأن يهاجمنا ليس كبيرا. فإسرائيل لا تدفن رأسها في الرمل وتعد نفسها لمواجهة كافة الاحتمالات. ولدينا هنا عدة حقائق وظروف وقيود لا ينبغي التساهل حيالها".
إعلان الولايات المتحدة عن نيتها مهاجمة سوريا قبل مدة أثارت خوفا في "إسرائيل". لكن تأجيل الهجوم أدى إلى التهافت على الكمامات، ويرى مراقبون إسرائيليون أن تصرف رئيس الحكومة الإسرائيلية نتنياهو ووزير الحرب يعلون مسؤول ومدروس. فهناك اجتماعات مطولة وتقييمات للوضع سرية من شأنها منع إطلاق تصريحات غير مدروسة، لا يوجد ضجيج ولا توجد تصريحات حربجية أو استفزازات.
بعض الرؤى الإسرائيلية توقعت أيضا ان تؤدي اية ضربة أميركية الى تعزيز قوة هذا النظام بدلا من اسقاطه، فالكاتب الإسرائيلي حاييم آسا أشار في مقاله بمعاريف الى ان اية ضربة أميركية للنظام السوري لا تؤدي لاسقاطه والقضاء عليه تماما ستكون بمثابة عود ثقاب سيحرق الشرق الأوسط كله، بما سيؤدي لتعزيز قوة نظام الأسد. فدولة مثل "مالطا" من الممكن ان تقوم به، والنتيجة الاساسية التي ستحدث عقب توجيه الضربات القليلة والمحدودة لنظام الاسد بدون اسقاطه، هو تعزيز قوته اكثر واكثر فيظهر في الداخل والخارج بمظهر القائد العسكري والرئيس الذي تعرض لهجمات أميركية دون ان تفت في عضد حكمه ونظامه. وعدم اسقاط نظام الاسد من خلال ضربات عسكرية، سيؤدي الى انكشاف مفهوم "الردع الأميركي"؛ اذ ستكون المرة الأولى التي تدخل فيها أميركا في مواجهة عسكرية مع نظام ولا تسقطه.
بالمقابل، عددت ورقة بحثية نشرها معهد ابحاث الأمن القومي الإسرائيلي المكاسب والخسائر الإسرائيلية المترتبة على توجية ضربة أميركية محتملة لسوريا، معتبرة ان هناك مصالح مركزية لإسرائيل من وراء هذه الضربة، وفي مقدمتها، توضيح أن ثمن استخدام السلاح غير التقليدي عالٍ. لردع أي زعيم في الشرق الاوسط، يفكر بإمكانية استخدام السلاح غير التقليدي ضد "اسرائيل" في المستقبل. وأنه من المهم لإسرائيل أن تعود الولايات المتحدة لتموضع نفسها في موقف تأثير استراتيجي في الشرق الاوسط وتحسن مصداقيتها وترمم من حالة ردعها في المنطقة، حتى حيال السلوك التقليدي لخصومها. فقد عانت المصداقية والرد الأميركي من تآكل في اثناء احداث الانتفاضات العربية في السنوات الثلاثة الاخيرة، حتى ان بعض الأنظمة في المنطقة العربية بدأت تتجرأ على أميركا ومصالحها وبالتالي على "إسرائيل".
مصلحة اسرائيلية اخرى تنشأ عن الهجوم الأميركي على سوريا يخرج عن الساحة السورية وموجه الى مسألة الخطة النووية العسكرية لايران، فطهران تراقب عن كثب السلوك الأميركي وحجم وتأثير الضربة المرتقبة، وهو ما سيكون له تأثير قوي على سلوك طهران في المنطقة بشكل عام وتجاه إسرائيل بشكل خاص، ما يعني ان نجاح الضربة الأميركية سيكون نجاحا للسياسات الإسرائيلية المناهضة لإيران، وفشل هذه الضربة سيكون مكسبا استراتيجيا لإيران في مواجهة واشنطن وتل ابيب على حد سواء.
() كاتب وباحث