الرئيسة \  تقارير  \  إسرائيل اليوم : أزمة أوكرانيا.. نظام عالمي تحت الاختبار

إسرائيل اليوم : أزمة أوكرانيا.. نظام عالمي تحت الاختبار

15.02.2022
 أفرايم عنبر


القدس العربي
الاثنين 14/2/2022             
ليس واضحاً بعد كيف ستنتهي الأزمة في أوكرانيا. ومع ذلك، يمكن توقع آثارها بعيدة المدى؛ فإدارة جو بايدن تمثل فكراً ليبرالياً، يتبنى الديمقراطية والدبلوماسية لحل النزاعات. لقد تعبت الولايات المتحدة من الحروب وتكاد تمتنع عن إطلاق التهديدات باستخدام القوة على روسيا. وبالمقابل، لا يتردد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في استخدام القوة العسكرية كي يحسن وضع دولته الأمني.
تخاف روسيا من اقتراب حلف الناتو والاتحاد الأوروبي من حدودها، وتخشى تشجيع الغرب للثورات في أوكرانيا وبيلاروس وجورجيا. حملة الغرب الصليبية الديمقراطية أخافت روسيا، التي لم تدع للانضمام إلى الناتو ولم يستشيروها في مصير الدول المجاورة لحدودها. انطلاقاً من تخوفها على أمنها، حشدت روسيا جنوداً كثيرين على طول الحدود الأوكرانية، في ظل التهديد لجذب الانتباه الأمريكي لمطالبها. وبالفعل، أدى التهديد باستخدام القوة بالولايات المتحدة أن تشرع أخيراً بحوار مع روسيا لاستيضاح مخاوف موسكو الأمنية. وكما أشار المؤرخ ثوكيديدس، الخوف غريزة أساسية وقوية وسبب للحروب. والطبيعة البشرية تحرك زعيم روسيا المعني بهوامش أمن واسعة لدولته. ولا ينبغي أن يفاجئ تطور الأمور أحداً ولا سيما بعد أن “ابتلعت” روسيا القرم وشجعت الانعزالية في شرقي أوكرانيا.
التخوف الروسي معقول إذا ما أخذنا بالحسبان حالات الغزو الماضية من جهة الغرب. فعقيدة مورنو، التي ترى في الوجود العسكري الأجنبي في نصف الكرة الغربي تهديداً على الولايات المتحدة، نبعت من حساسات مشابهة.
تذكر أزمة أوكرانيا بقيود الدبلوماسية؛ فالولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون شجعوا روسيا بأنهم كرروا التزامهم باللجوء إلى الدبلوماسية كي يحلوا الأزمة، لكن الدبلوماسية غير المسنودة بقوة عسكرية مصداقة ليست ناجعة.
تمثل الأزمة اختباراً دولياً هو الأول في الولايات المتحدة بعد الانسحاب من أفغانستان. فالولايات المتحدة لا تسارع إلى التدخل العسكري، بل حذرت من عقوبات اقتصادية فقط. يشاهد العالم سلوك واشنطن في الأزمة ويرى إدارة ضعيفة، تؤكد ميل هبوط قوة الولايات المتحدة. ومن شأن الأمريكيين أن يفاجئوا ويستخدموا القوة، لكن هذا يبدو الآن غير معقول، ورؤية الواقع تملي السلوك.
الأزمة تهز أوروبا. فهل حلف الناتو قادر على ردع روسيا، بينما ليس مؤكداً أن ينجو الحلف من الخلافات الظاهرة في داخله بالنسبة للأزمة؟ رغم الأحاديث عن “جيش أوروبي” و”حكم ذاتي استراتيجي”، لا تزال أوروبا بحاجة إلى مظلة أمنية أمريكية أكثر حزماً كي تتصدى لروسيا، والتي هي أيضاً موردة طاقة مركزية.
إن السلوك الأمريكي في الأزمة يؤثر أيضاً على محادثات النووي في فيينا. طهران، التي باتت مقتنعة بأن أمريكا ضعيفة، يمكنها أن تتلبث أكثر إلى أن يعرض عليها اتفاق ترغب فيه. يمكن لإيران أن تحث مبعوثيها في الشرق الأوسط للعمل ضد حلفاء الولايات المتحدة. وقد تستنتج إسرائيل أن الأفضل لها الامتناع عن تنسيق سياستها مع واشنطن قبل استخدام القوة. وإضافة إلى كل هذا، فإن الانتصار الروسي في أوروبا قد يسرع اشتعالاً في الشرق الأوسط.
لإسرائيل دروس أخرى؛ إذ يثبت الوضع في أوكرانيا انعدام جدوى الضمانات الدولية. ومذكرة مودبست من العام 1994 التي وقعها الاتحاد الروسي وبريطانيا والولايات المتحدة، وفرت ضمانات لوحدة إقليمية لأوكرانيا وبيلاروسيا وكازخستان مقابل التنازل عن سلاحها النووي. لسوء الحظ، عندما احتلت روسيا القرم في 2014 أُخلّ بالمذكرة، وواضح الآن مرة أخرى بأنها ضمانات ليست سارية المفعول.
لقد فشلت المؤسسات الدولية بشكل مشابه. دعت الولايات المتحدة إلى جلسة لمجلس الأمن في الأمم المتحدة للبحث في حشد القوات الروسية على حدود أوكرانيا، رغم علمها أن روسيا قد تستخدم الفيتو. وانتهى النقاش العقيم بمواجهات صاخبة.
على إسرائيل أن تتذكر أنه رغم الخطاب الليبرالي في الغرب، لا نزال نعيش في عالم يجب على كل دولة فيه الاعتماد على نفسها.
بقلم:أفرايم عنبر
إسرائيل اليوم 13/2/2022