الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إسرائيل تستأنف قصف سوريا

إسرائيل تستأنف قصف سوريا

04.11.2018
بسام مقداد


المدن
السبت 3/11/2018
لم يمض أكثر من شهر على سقوط الطائرة الروسية إيل – 20 في سوريا في 17 أيلول/ سبتمبر المنصرم ، حتى عاودت إسرائيل قصف سوريا من جديد ، بعد أن كانت قد توقفت ، منذ حادثة الطائرة ، عن تسريب أنباء مثل هذا القصف ، الذي لم يتوقف ، كما يبدو. ودرجت إسرائيل في العادة على عدم التبني الرسمي لقيامها بقصف أهداف في سوريا ، بل كانت تترك للتسريبات الإعلامية أمر الإعلان عن هذا القصف ، والإسهاب في الحديث عن أهدافه ومختلف تفاصيله . ولم تتخل إسرائيل عن تقاليدها هذه المرة أيضاً ، ، بل تركت الأمر لأجهزة الإعلام الإسرائيلية والأجنبية للإعلان عن ذلك . ونقلت صحيفة الكرملين "vz" عن واحدة من قنوات التلفزة الإسرائيلية نبأ القصف الإسرائيلي ، وقالت بأن إسرائيل وجهت ضربة إلى قافلة في الأراضي السورية ، كانت تنقل إلى حزب الله في لبنان صواريخ تبلغ دقة إصابتها الهدف 10 أمتار.
واعترفت الصحيفة ، بأنه كان قد ذُكر سابقاً ، أن إسرائيل لم تتوقف ،  بل استمرت في توجيه الضربات إلى أهداف في سوريا ، بعد حادثة الطائرة الروسية "إيل – 20" ، التي "أُسقطت بالخطأ" . ولعل صحيفة الكرملين في حديثها هذا عن "الخطأ" ، الذي أسقط الطائرة ، كانت تشير إلى ما كان سبق لموقع القوميين الروس المتشددين "sp" أن أشار إليه ، بأن روسيا ، وبضغط من إسرائيل ، قد نسيت أمر الطائرة المنكوبة ،  وأجبرت الإيرانيين على سحب قواتهم .
وكان الموقع المذكور "sp" قد نشر الأسبوع الماضي مقالة بعنوان "لقد فاز نتانياهو : موسكو تطرد إيران من سوريا" . قال الموقع ، أن قصة  "إيل – 20" لم تنته بعد ، وهي تتطور في غير الإتجاه الذي افترض سابقاً ، إذ أصبحت سبباً لأزمة في العلاقات الروسية الإسرائيلية ، أظهرت فيها موسكو ،مرة جديدة، "ليونة حيال تل أبيب" . ويبدو الأمر غريباً ، إذا ما أخذنا بالإعتبار، أن الإتهامات الأولية لوزارة الدفاع الروسية كانت "رهيبة" في حدتها. وكان الجميع يتوقع عواقب خطيرة للحادثة ، إلا أن بنيامين نتانياهو قد تمكن ، هذه المرة أيضاً ، من قلب الأمور لصالحه . صحيح أن صواريخ s-300 قد نُصبت في سوريا ، ويعمل العسكريون الآن على توزيعها في أماكن مختلفة من البلاد ، بغية منع الإسرائيليين أو الأميركيين من حرية الحركة في الأجواء السورية . وقد يكون هذا ما كان ينبغي أن يكون عليه الأمر منذ البداية ، لكن موسكو، وخلال شهر واحد، يبدو أنها قد "بدلت رأيها" .
يقول الموقع ، أن روسيا ، ومنذ الأيام الأولى بعد حادثة الطائرة ، طلبت من الجيش الإسرائيلي إقامة قنوات اتصال إضافية من أجل تحسين الإتصالات في المستقبل . ويبدو أن الضباط والقيادة العسكرية العليا على الأرض قد أدركوا جيداً ، منذ ذلك الحين ، أن الأجواء السورية سوف تبقى متاحة أمام الطيران الإسرائيلي ، وأن أحداً لن يكون متشدداً مع إسرائيل، التي ستستأنف نشاطها، الذي توقف مؤقتاً .
وبعد أن يشير الموقع إلى احتمال تجدد نشاط الطيران الإسرائيلي في الأجواء السورية ، خلال أوكتوبر/تشرين لأول ، أو نوفمبر/تشرين الثاني ، يقول بان معلومات ظهرت في مواقع إعلامية إسرائيلية وشرق أوسطية ، لم يحددها ، تشير إلى أن الطيران الإسرائيلي يقوم بطلعات سرية تعلم بها روسيا .
من ناحية أخرى ، يستند الموقع إلى مصدره الخاص في القيادة العسكرية الروسية ليقول ، بأن لدى هذه القيادة مقاربة جديدة للحملة السورية، إذ تريد أن تجعلها أقل كلفة. ووفقاً لهذه المقاربة الجديدة تم التوصل إلى تفاهم مع الإيرانيين ( وليس دون ضغط الإسرائيليين وتهديداتهم ، حسب الموقع) لأخلاء قاعدة T-4 من أجل نصب الصواريخ الروسية فيها، لأن "منطقة حمص مؤاتية لذلك" . كما سيتم في المستقبل القريب وقف تسليم الأسلحة مجاناً للسوريين والمجموعات المختلفة من الحلفاء ، الذين سيتعين عليهم الدفع مقابلها .
لا أعتقد أن ثمة من سيسارع إلى اعتبار موقف المتشددين الروس في موقعهم المذكور هذا ، هو موقف تضامن وتعاطف مع إيران ، بل هو في حقيقته تعبير عن سخط هؤلاء على القيادة الروسية في  "تفريطها بعظمة روسيا" أمام إسرائيل"المسؤولة عن مأساة الطائرة وعسكرييها. ومما لا شك فيه أن هذه المأساة قد شكلت صدمة عميقة ومؤلمة للمواطنين الروس ، خاصة القوميين المتشددين منهم ، ومنحتهم فرصة للقفز فوق العلاقة الوثيقة بين الرئيس بوتين ورئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو ، والتعبير عن كل مكنوناتهم حيال إسرائيل واليهود، بشكل عام. كما أنها شكلت، في المقابل أيضاً ،  فرصة لليهود الإسرائيليين الناطقين بالروسية ، لكي يتخطوا علاقة بوتين ونتنياهو ، ويعبروا عن كل مكنوناتهم حيال روسيا ، خاصة السوفياتية ، وما كانوا يلقونه من تمييز تجاههم . وقد شهدت مواقع التواصل الإجتماعي في البلدين ، وفي سائر أنحاء "العالم الروسي" ، فيضاً من السباب والشتائم والتهديد بتوجيه ضربة لإسرائيل وقطع العلاقات معها ، أو نعت الروس في الجهة المقابلة "بالعفنين والكريهين" ، ووصف روسيا "بالمتخلفة والمتعجرفة" . 
ولعل ما نشره أحد الكتاب السياسيين الإسرائيليين في موقع "snob" الروسي قد عبر بصدق عن مشاعر الكراهية المتبادلة ، التي يكنها الروس واليهود لبعضهم البعض ، والتي وفرت حادثة الطائرة الروسية فرصة لنشوب "حرب كراهية" بينهما. فقد كتب يقول بأن السؤال الأكثر انتشاراً ، والذي سمعه في السنوات الأخيرة من يهود موسكو والإسرائيليين القادمين إلى موسكو هو : كم خطوة تفصل بين الحب الروسي الإسرائيلي والكراهية ؟ متى ينتهي هذا الدفق من الصداقة والتفاهم المتبادل بين موسكو وتل أبيب؟.
لا شك أن معاودة إسرائيل استباحة الأجواء السورية ، وتوجيه ضربات إلى المواقع الإيرانية فيها ، تشير إلى تمكن نتنياهو من تجاوز الأزمة في العلاقات الروسية الإسرائيلية ، التي أسفرت عنها حادثة سقوط الطائرة الروسية، بل وتوظيفها لصالحه في الداخل الإسرائيلي ، والتباهي أمام الغرب وحليفه رونالد ترامب "بانتصاره" هذا على بوتين .
لكن، من جانب آخر، سوف يجد الرئيس الروسي بوتين صعوبة في تفسير عودة القصف الإسرائيلي هذا للشعب الروسي والحلفاء ، على الرغم من صواريخه ، التي نشرها في سوريا ، وتبجحه بقدرتها على منع الطيران الإسرائيلي من مواصلة استباحة الأجواء السورية. ويشير كلام المتشددين الروس في موقعهم المذكور، إلى أن بوتين سوف يجد صعوبة في تبرير سماحه بعودة القصف الإسرائيلي لسوريا ، وتراجعه أمام نتنياهو والمساس "بعظمة روسيا" ، التي حدثهم طويلاً عن استعادتها في شعاب سوريا . وسوف يتعين عليه  بالتأكيد، الإجابة على ما إذا كانت مغامرته السورية برمتها تستحق هذه "الإنحناءة " والتراجع أمام نتنياهو .