الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إسرائيل: هل تبقى الحرب في سوريا محتواة؟

إسرائيل: هل تبقى الحرب في سوريا محتواة؟

08.05.2013
نهلة الشهال

السفير
الاربعاء 8/5/2013
تمس إسرائيل، بعدوانها المتكرر، إيقاعاً صاغته بدقة ودأب المعطيات العائدة لسوريا على امتداد السنتين الماضيتين، وهي تطيح به، مهددة بحريق كبير، بدا لوقت أنه غير وارد في الحسابات الإقليمية والدولية. ومن المرجح أنه ما زال كذلك اليوم.
يقول مسؤولون إسرائيليون إن الغارات التي نفذت على دمشق في الايام الماضية، تلك التي طالت مواقع قرب المطار، والاخرى التي أعقبتها، وطالت جمرايا في قاسيون، "ليست ضد سوريا"، بل هي موجهة الى «حزب الله»، وتقصد عرقلة إمداده بالسلاح الإيراني. وإسرائيل بذا، تعلن بدء الحرب الإقليمية، حتى وإن لم يقع رد على غاراتها، وهي ليست الاولى من هذا النوع، ولو أنها ربما الاعنف عسكرياً أو الاكثر مشهدية واستفزازاً. ولتلك الغارات، بالفعل، أهداف متعددة: فهي تستبيح الاراضي السورية، وتستطلع تسجيل توازن جديد للقوى، تسكت فيه سوريا على عدوانات متكررة تطالها. وهي تجس نبض روسيا، الحليف المعلن للسلطة السورية والحاضر ميدانياً كما هو معروف، والذي يُقال إنه صاحب تلك الطائرة من دون طيار التي كانت قد أسقطت قبل أيام قبالة حيفا، وأنها هي نفسها ـ الطائرة ـ رد على معدات تجسس اسرائيلية زُرعت قبالة ميناء طرطوس حيث القاعدة البحرية الروسية. وسيكون مثيراً معرفة مضمون المكالمة الهاتفية التي أجراها الرئيس بوتين مع نتنياهو بُعيد الغارة... كما تستطلع اسرائيل التوازن الجديد مع «حزب الله» الذي تقول إنها تستهدف سلاحه، وتمتحن اضطراره للسكوت حتى لا يشعل رده برميل البارود في المنطقة. وكل ذلك يمثل تمهيداً جيداً لمعركة مؤجلة مع إيران. كما أن الغارة وقعت قبل يومين من زيارة نتنياهو الى الصين، حليف إيران اللصيق، وحليف سوريا كذلك. وبذا تدخل تل أبيب، علناً وبقوة وبشكل مباشر، ليس في دائرة الحرب السورية بمعناها الداخلي، بل في الصراع الإقليمي والدولي الذي يتجاوز العنوان السوري بذاته.
وعدا الاستنكار البروتوكولي المهذب للاستباحة الذي قامت به الجامعة العربية، وعدا الدعوات الى ضبط النفس التي صدرت على المستوى الدولي، وكأنه لا يوجد معتدٍ بل هي خناقة وقعت (قيل "الاطراف"، ولم تُذكر إسرائيل أبداً)، فإن أبشع ما في الامر هو اللعب بالنار، على هذا المستوى هائل النطاق. وهو ما اعتادت عليه إسرائيل التي تعيش، أصلاً وتكوينياً، على حافة الهاوية بصورة مستمرة، وتستبطن الحرب كوسيلة للوجود. ولعل المراهنة الاسرائيلية تقوم على فرضية تحسين موقع تل أبيب من دون التسبب بانفجار تلك الحرب التي، لو وقعت، فلن يمكن حصر قوة عصف نيرانها، بالمعنى الحرفي، وكذلك على المستويين الجغرافي والزمني. والرجاء ألا تكون المعارضة السورية بأطيافها كافة، ولا حلفائها في لبنان مثلا، صغار عقول ـ ونفوس ـ الى حد تصور أن اسرائيل تعمل في خدمتهم، وأنهم قادرون على توظيف فعلها. وفي هذا السياق، فحسناً فعلت هيئة التنسيق الوطنية المعارضة إذ اصدرت بياناً في إدانة العدوان بلا لبس.
ولكن السلطة في سوريا توظف العدوان كذلك. وهي تريد منه أن يكون برهاناً على وطنيتها، وعلى استهدافها كمرتكز للمقاومة ضد العدو الاسرائيلي. وتريد استخدام العدوان لتثبت تواطؤ المعارضة المسلحة مع إسرائيل، بل تذهب اصوات من النظام الى أن ذلك حاصل ليس "موضوعياً" فحسب، بل «ميدانياً» كذلك. والأهم من المساجلات، أنها تريد أن يكون العدوان الاسرائيلي عليها مناسبة كي تتوقف حركة الاعتراض، ويُسلمَّ لها، وإلا كان المعترضون فعلاً عملاء لإسرائيل. ويتَّبع هذا الموقف منطقا تبسيطياً بالمقدار ذاته الذي تمثله المعارضات السورية وحلفاؤها، وإن لم يتجرأ بعد أحد من هؤلاء الاخيرين على المجاهرة بالسرور لدخول اسرائيل على الخط ولاستعداده للاستقواء بها. لأن ذلك سيكون سذاجة ليس بعدها سذاجة.
... ما أكثف الزمن السوري وما أبطأه في آن. تطوي أحداثه بعضها بعضاً، فيبدو أقدمها وكأنه جرى منذ دهر: هل حقاً لم يمض سوى عامين على درعا الأولى، وعلى موت ذلك الولد الذي احتل وجهه الطفولي أذهاننا، بينما كانت التقارير تصف كيفية تعذيبه وقتله، هو ورفاق له؟ وتدمير حمص، هل حقاً جرى منذ أقل من عامين؟ وقريباً ستحل الذكرى الثانية (!) لخطاب برهان غليون "الى شعبه"، واعداً إياه بقرب الفرج... بعد العيد. والبروفسور كان وقتها رئيس ذلك التجمع الذي قيلت فيه كل الحسنات، وأريد له أن يكون الممثل الشرعي و"الوحيد"، ثم رُمي الى المزبلة... ما كان اسمه؟ "المجلس الوطني السوري". ومن جهتهم، كان أركان ورموز النظام السوري، وبعض حلفائهم المبتذلين في لبنان، يطلون على الشاشات ضاحكين لعوبين، منكرين وجود شيء، سوى بضع عصابات يُحسم وضعها... بعد أيام. وقتها كان «حزب الله» ما زال قليل الكلام في الشأن السوري، ولم يكن يجاهر سوى بقراءته الجيوستراتيجية للحدث، أحادية الجانب بالتأكيد، من دون أن تكون خاطئة.
ثم استقرت وقائع العنف والخراب، وعمت، فبدت متشابهة، وفقدت كل واقعة خصوصيتها وفرادتها، فسال الزمن بطيئاً، متصلاً، كأنه راكد. واعتدنا على أخبار سوريا، ويا للهول، حتى غدت مضجرة، أو بدت قدراً. وفي الحروب، يكتسب الاستثناء بسرعة ملامح المألوف، وتستمر الحياة متأقلمة مع الشروط الجديدة. وهكذا أقرت كل الأطراف أن الأمر طويل.
وكانت هذه الحالة قد ولدت من استعصاء مزدوج ميز الوضع السوري، وكان جلياً منذ اليوم الاول، بينما كانت الاوهام الخائبة تملأ الفضاء، مستنكرة المعادلة: لم يكن بإمكان النظام استعادة زمام الامور بين يديه، ولم يكن بإمكان المعارضات السياسية و/أو المسلحة هزيمة النظام والاستيلاء على السلطة. هذا على صعيد أول. كما بانت رويداً حدود التدخلات الاقليمية والدولية، لا ينفع معها الشتم ولا الملامة ولا الترجي التي طبعت شعارات التظاهرات (حين كانت ما تزال هناك تظاهرات)، تقول "أين العالم؟". "العالم" لم يكن قادرا على ممارسة الحسم. ويقول خبثاء بأنه لم يكن أصلاً يريد الحسم، بل كان يسعى لتوفير شروط دمار سوريا بأيدي ابنائها، يأكلون بعضهم بعضاً.
وكان ذلك يعني إدارة حرب محتواة، لا تفيض بتعقيداتها الجمة على تركيا والاردن ولبنان والعراق، إلا بمقدار قابل للاستيعاب. ساعتها خرجت الى السطح أيضا تسريبات تتكلم عن تفاهمات جارية في الكواليس بين أميركا وروسيا، هي أساس الحل السياسي المنشود، ولو أنه بدا بعيداً. وفيما كانت أميركا وفرنسا وتركيا، ومعها قطر والسعودية وغيرهم بالطبع، يسعون جاهدين لتلميع صورة حلفائهم السوريين، ظهر أن «جبهة النصرة» تتفوق ميدانياً، وتعلن في الوقت نفسه ولاءها لـ«القاعدة»، ما فاقم الورطة. وبالمقابل، ومنذ تجاوز النظام حالة الانكار التي ميزت مسلكه في الفترة السابقة، بدا كمن يلتقط انفاسه، ويخوض معارك هادفة تتجاوز رد الفعل من جهة والخبط العشوائي من جهة أخرى. ومعركة القصير هي التعبير عن هذا التحول. وهي بهذا المعنى استراتيجية، تمهد لإحكام السيطرة على طريق دمشق الساحل السوري من جهة، وعلى منافذ أساسية باتجاه لبنان من جهة ثانية.
فهل الوضع على مشارف مغادرة هذا الزمن البطيء؟ وهل تعجِّل التطورات في إرساء تلك التفاهمات العالمية، أم تفلت الامور وتصبح سوريا نفسها تفصيلاً؟