الرئيسة \  تقارير  \  إسرائيل هيوم : دروس أولية من أوكرانيا

إسرائيل هيوم : دروس أولية من أوكرانيا

06.03.2022
يوآف ليمور


يوآف ليمور
الغد الاردنية
السبت 5/3/2022
الحرب في أوكرانيا ما تزال بعيدة عن النهاية، ولكن يوجد منها منذ الآن غير قليل من الدروس: محلية، عالمية، عسكرية -وكتلك التي ذات صلة شديدة بإسرائيل. على المستوى المحلي، تأثر العالم بالصمود المصمم لأوكرانيا. الوطنية، الروح القتالية والشجاعة جديرة بالتقدير، ولكن يخيل أنه كان قدرا كبيرا من المبالغة في تأثيرها على ميدان المعركة. بعض من محافل الاستخبارات في الغرب وعلى رأسها الأميركية والأوكرانية نفسها، سعت لأن تبث رسائل تفيد بأن صورة المعركة متوازنة مثلما كانت حقا: يخيل أنه أكثر مما هي معلومات مسنودة كانت هنا محاولة غير ناجحة لحرب وعي ذكية لتعزيز الصمود الأوكراني ولإضعاف أيادي الروس.
في الميدان، النتائج لا لبس فيها. الجيش الروسي يحتل المزيد فالمزيد من المدن والأراضي في أوكرانيا، في طريقه الى الهدف الواضح -نقلها الى سيطرة موسكو الكاملة. من اعتقد أن بوتين سيرفع اليدين أو يغير طريقه في أعقاب النقد في الغرب والعقوبات التي رافقته، خاب ظنه منذ زمن بعيد. عمليا، العكس هو الصحيح. كلما مر الوقت، تبدي روسيا تصميما أكبر وعدوانية أكبر، بما في ذلك الضرب الواسع للبنى التحتية، المباني والمدنيين، الأمر الذي سعى الروس الى الامتناع عنه في بداية المعركة.
للأوكرانيين، مع كل العطف، لا توجد أي قدرة على الوقوف في وجه القوة الروسية. فهم في وضع دون لكل مقياس عسكري، وبغياب ظهر غربي -محكومون بالهزيمة. لعل هذا يستغرق وقتا أطول مما قدروا في روسيا ولكن السطر الأخير هذا لن يغيره. معقول أن يكون بانتظار العالم أن يشهد في الأيام القريبة المقبلة صورا قاسية من مدن أوكرانيا وعددا متناميا دراماتيكيا من الضحايا، الجرحى واللاجئين.
القتال في الألفية السابقة
عالميا، الوضع بشع بقدر لا يقل. فقد أمسك العالم المتنور متلبسا مع بنطال ساحل. كانت له أشهر طويلة لأن يستعد للغزو الروسي، لأن يفرض العقوبات، لأن يهدد برد مضاد، وهو ينظر الى ما يجري بخليط من السذاجة والوهن. وفقط بعد أن بدأ الغزو، جاءت الأفعال -متأخرة جدا من ناحية أوكرانيا، وقليلة جدا من أن يكون لها تأثير حقيقي على موسكو.
الناتو بالذات، الجسم الذي كان يبدو أنه فقد الاتجاه والطريق في العقود الأخيرة، امتلأ بالطاقة. ليس لأن القتال ضد روسيا لأجل الدفاع عن أوكرانيا كان على جدول الأعمال. كان هذا سيبرر ادعاءات موسكو بأن القتال ضد أوكرانيا ضروري لمنع الناتو من أن ينتظر شرقا ويهدد روسيا -ولكن يبدو أن المنظمة العتيقة حصلت على فرصة نادرة لأن تعيد من جديد تصميم طريقها وترمم ردعها.
إذا حصل هذا، وعندما تبدأ العقوبات على روسيا بخلق أثر ذي مغزى، سيبدأ البندول بالتوازن قليلا بتفوق واضح للمحافل السلبية في العالم، التي تقودهم روسيا اليوم. هذا التغيير هو حرج ليس فقط للولايات المتحدة بل وأيضا لكل أصدقائها ومرعييها في العالم، وإجمالا -لكل من يرغب بعالم متنور وحر. كي يحصل هذا يتعين على روسيا أن تنزف: ليس عسكريا بل اقتصاديا. كالمعتاد فإن من سيدفع أساس الثمن هم المواطنون البسطاء في روسيا، الذين يعيشون على أي حال بعوز، ولكن المسؤولية عن ذلك ملقاة حصريا على بوتين ورجاله، الذين لمن يتركوا للغرب مفرا.
في هذه المعركة وجدت إسرائيل نفسها متلعثمة بعض الشيء. رغبتها في علاقات طيبة مع روسيا ومع أميركا في الوقت نفسه مفهومة، ولكن مرغوب فيه أن تكون أكثر إنصاتا للأصوات من واشنطن. والقرار بعدم الاستجابة للطلب الأميركي للتوقيع على قرار الشجب لروسيا في مجلس الأمن أثار على إسرائيل النقد في الولايات المتحدة.
يجدر بالقدس أن تجد الطريق لإصلاح هذا الضرر، ليس فقط لأن الولايات المتحدة هي حقا الصديق الأكبر لإسرائيل والسند المستقر الوحيد لها -سياسيا، عسكريا، استخباريا واقتصاديا- بل لأنه كثيرة الاحتمالات لأن نضطر في موعد ما في المستقبل القريب للإدارة في موضوع ما، ومهم أن نتأكد من أن تكون في حينه منصتة وعاطفة.
في إسرائيل يعطون احتراما شديدا لروسيا. يمكن أن نفهم هذا ولكن لا ينبغي المبالغة في الحذر. مع كل الاحترام لسورية، فإن لروسيا أيضا توجد غير قليل من المصالح في التعاون مع إسرائيل. فالهجمات المنسوبة لسلاح الجو تسمح لها بأن تلجم النشاط الإيراني في سورية، والذي في أحيان قريبة ينافس الهيمنة قبالة الروس، والأهم من ذلك -فإنها لا تهدد روسيا نفسها.
إذا قررت روسيا، في لحظة جنون، وضع منظوماتها المتطورة (S300 و S400) في الجبهة مقابل إسرائيل فإنها ستكتشف بأن سلاح الجو قادر على أن يتغلب عليها وستكون هذه بشرى سيئة جدا لردعها ولمبيعات الصناعات العسكرية الروسية في العالم.
على أي حال الاهتمام الروسي لا ينصب الآن على سورية. في أوكرانيا، يبدي الجيش الروسي قدرة متوسطة جدا، بشرى مفرحة، معجونة بوحشية وتصميم يبديه الروس في الطريق لأداء مهامهم -وأساسا في شكل استخدامها والوسائل القتالية القديمة التي تحت تصرفه. وقالت محافل الأمن الإسرائيلية التي تتابع القتال إنه يخيل أحيانا أن روسيا تقاتل في الألفية السابقة. صحيح أن كتلها ستنتصر في النهاية ولكن الدب الروسي يبدو أقل تهديدا مما كان يخيل.
في الطريق الى قوافل عالقة في المعركة؟
على المعركة في أوكرانيا أن تؤدي في إسرائيل الى درس آخر. فبقدر ما يدور الحديث عن كليشيه، يمكن لإسرائيل أن تعتمد فقط على نفسها، وعلى قوتها. غير أن القوة تكلف مالا، وفي إسرائيل 2022 فان النبرة العامة، وكذا السياسية هي ملاحقة جهاز الأمن والجيش وكأن الحديث يدور عن عصابة سطاة على المال العام. وجدا هذا تعبيره مؤخرا في المعركة على التقاعدات العسكرية. واضطر الجيش لأن يرتب الموضوع بالقانون من أمر من المحكمة العليا. ولكن الموضوع هنا مبدئي أكثر بكثير: كيف نبقي الأفضل في الخدمة وهكذا نضمن أن في المستقبل أيضا تكون الخدمة في أياد فضلى أيضا.
الثلاثي الذي يدير شؤون المال الأمني -رئيس الوزراء بينيت، وزير الدفاع غانتس ووزير المالية ليبرمان، كانوا ثلاثتهم وزراء دفاع ويفهمون هذا جيدا. صحيح أن في إسرائيل يوجد اليوم غير قليل من القطاعات التي تحتاج الى استثمار كبير (الصحة والتعليم بعد كورونا، الرفاه وغيرها) ولكن في عالم يجن جنونه، ومع إيران تتعزز قوتها، ليس لإسرائيل بوليصة تأمين حقيقية غير الجيش الإسرائيلي. بوليصة التأمين هذه تطلب العناق. وليس الصفعة. هذا ليس الوضع في هذه اللحظة، ويجدر بكل الهازئين أن يستيقظوا بسرعة لأنه معقول أن معظمهم -مثل كل إنسان سوي العقل- يؤيدون أوكرانيا في هذه اللحظة، وعلى استنتاجهم أن يكون واضحا.