الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إسرائيل وصيانة الاستنزاف في سورية ومحيطها

إسرائيل وصيانة الاستنزاف في سورية ومحيطها

07.05.2013
د.أحمد جميل عزم

الغد الاردنية
الثلاثاء 7/5/2013
أحد الأسباب المنطقية للثورة على نظام بشار الأسد هو عدم استخدامه "حق الرد" ضد إسرائيل، وتعرّض الأراضي السورية ومن عليها لهجمات إسرائيلية متكررة بدون رد. وأي حكومة في العالم، خصوصا الديمقراطيات منها، كانت ستسقط لو تعرضت أراضيها لهجمات ولم ترد بطريقة مقنعة. و"حماس"، مثلا، التي خرجت من سورية بعد الثورة، لم تكن دمشق ملاذا آمناً لها؛ إذ جرت الاغتيالات، ومحاولات الاغتيال ضد كوادرها بدون رد أو حتى بدون كشف الظروف التي جعلت دمشق مسرحا مفتوحاً على المدى للأعداء. وحتى قيادات حزب الله من أمثال عماد مغنية، لم يصلهم الإسرائيليون في بيروت والجنوب اللبناني، ولكنهم استُهدفوا في عمق الأراضي السورية.
وفصائل المقاومة بالمجمل لا تشعر بأنّ بينها تآزرا؛ فإذا هوجمت غزة لا تتحرك جبهة جنوب لبنان، وإذا هوجم الجنوب بقي الجميع واجماً، فلا يتحرك الجولان أو غيره. والتوتر على أشده بين الحركات السياسية العربية الرئيسة، وخصوصا الإخوان المسلمين، والإسلاميين، والنظام السوري.
استهداف الأراضي السورية كان قبل، ويستمر بعد "الثورة–الحرب الأهلية–الفتنة" في سورية، لعدم استخدام حق الرد، ولأن فصائل المقاومة ملتزمة بالتهدئة، ولأنّ تيارات شعبية تضع أولويتها إسقاط النظام السوري وتنجرّ للصراع الطائفي. وبالتالي فإن السؤال عند الإسرائيليين يصبح ليس "لماذا نضرب سورية؟"، بل: "لم لا نضرب؟".
لو توقع الإسرائيليون رد فعل من أي نوع، لربما ترددوا قليلا في مثل هذه الهجمات. ولكن لا يبدو أنّ شيئا كهذا في حساباتهم، وهم الذين يبحثون دائما عن أهداف سهلة لمهاجمتها.
من هنا ربما يصبح السؤال ليس عن أسباب الهجمات الإسرائيلية، التي قد تكون فعلا لاستهداف أسلحة موجهة لحزب الله، أو أسلحة أخرى خوفا من سقوطها بيد أطراف لا تضمن إسرائيل أن تحافظ على هدوء الحدود كما حافظ عليه النظام الحالي طويلا. بل يصبح السؤال أكثر عن تبعات هذا القصف.
بحسب محللين، وبحسب المرشح الرئاسي الأميركي السابق، جون ماكين، فإنّ الضربات أثبتت عدم فاعلية الدفاعات الجوية السورية، ما يشجع الدول الكبرى على التدخل الجوي في سورية.
ربما يكون هذا صحيحا، ولكن من غير المتوقع أن يكون هدف أي تدخل -إذا حدث- حسما سريعا للوضع في سورية. وإسرائيل نفسها ليست متحمسة لتدخل أميركي في هذا الاتجاه. وقد قال وزير الشؤون الاستخباراتية والاستراتيجية والشؤون الدولية، يوفال شتاينتز، الأسبوع الماضي: "نحن لم نطلب أبدا، ولا نشجع الولايات المتحدة للقيام بعمل عسكري في سورية".
يعكس هذا التصريح أمرين: الأول، أنّ إسرائيل تريد الولايات المتحدة بعيدة عن حدودها، وأن تكرس جهودها في إيران. والثاني، أن ما يحدث في سورية يمكن، وبل وترغب إسرائيل، أن تراقبه وتستفيد منه قدر الإمكان. ومن هنا، فإن أي تدخل دولي جوي قد يكون محدودا وغير حاسم.
تتكون سياسة إسرائيل في سورية من ثلاثة عناصر: أولها، أنّ تغيير النظام قد يكون سلاحا ذا حدين؛ فبقدر ما يعني ربما إضعاف حزب الله وفصائل أخرى، بقدر ما يعني أن حدود الجولان قد لا تصبح آمنة كما كانت. وثاني العناصر، أنّ دوام الحرب في سورية يستنزف الجميع؛ الجيش السوري، والجماعات المناهضة، وحتى الشارع السياسي العربي الذي تتعزز فيه على خلفية الحدث السوري الانقسامات السياسية والطائفية. وثالث العناصر، الحذر الدائم والمراقبة لما يجري في سورية، تحسبا لسيناريو بروز خطر ما، على شكل إقدام النظام على فعل ما ضد إسرائيل كورقة أخيرة  له، أو من قبل الجماعات التي دخلت سورية أو تعمل فيها.
من هنا تحشد إسرائيل قواتها على الحدود. وهذا الحشد لا يمكن تعبئته طويلا بدون أن يستخدم. وربما هذا سبب عسكري لوجستي لضربة إسرائيل الراهنة، والضربات المحتملة مستقبلا في سورية.
تقييم إسرائيل أن هجماتها في سورية لن تستفز الكثير من ردود الفعل، وإن إدارة هذا الملف تقوم على المراقبة اللصيقة للاستنزاف الذي يحدث في سورية، بحيث يكون هذا الاستنزاف ضمانة استمرار الهدوء الذي شهده الجولان منذ العام 1974، وبحيث يتحول الشأن السوري إلى بذور أزمات تنتشر في المحيط السوري.