الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إسرائيل - التقسيم - دي فاكتو الحالة السوريّة

إسرائيل - التقسيم - دي فاكتو الحالة السوريّة

02.07.2014
مرح البقاعي



الحياة
الثلاثاء 1/7/2014
فيما تتحوّل المواجهات بين قوات المعارضة والنظام إلى حروب استنزاف متنقلة بين المدن تختلط فيها هويات المتقاتلين وأيديولجياتهم، تبدأ التسريبات الصفراء في الترويج لفكرة التقسيم كمخرج من غلواء هذا الاقتتال الذي دفع ثمنه الشعب السوري غالياً جداً على مدى السنوات الثلاث الأخيرة من دون ظهور أي ضوء في نهايات هذا النفق المظلم.
أول هذه التسريبات هبّ من بريطانيا على لسان المؤرخ البريطاني من أصول باكستانية ديليب هيرو، الذي كتب في دراسة مطولة عن الحلول المتبقية، من وجهة نظره، للأزمة السورية في دراسة مطوّلة لمركز ماكميلان البحثي، ما مفاده بأن "الخلافات الطائفية في سورية هي إرث استعماري تلى تقاسم الدول الأوروبية لتركة الرجل المريض (الدولة العثمانية) في اتفاقية بين بريطانيا وفرنسا دعيت "سايكس- بيكو" تضمنت أيضاً في أوراقها السرية وعد بلفور. فبموجبها قامت فرنسا في 1920 برسم أربع دويلات في بلاد الشام هي دولة دمشق ودولة حلب ودولة الدروز ودولة العلويين؛ ولم تتّحد هذه الدويلات إلا بعيد الاستقلال عن الانتداب الفرنسي في 1946 حين نشأت الدولة القومية: سورية بحدودها الراهنة". وخلص هيرو من هذه القراءة التاريخية إلى مقاربة الحالة السورية بما حدث في جنوب آسيا في 1947 حين تمّ تقسيم الهند البريطانية، الخارجة في ذلك الوقت من حرب أهلية طاحنة، على أساس ديموغرافي ديني إلى دولتي باكستان واتحاد الهند. ويتابع: "إن قيام دولة علوية مسيحية تمتد بين لبنان وتركيا، ودولة يحكمها السنة على الأراضي التي يسيطرون عليها، بإمكانه أن يشكّل، في هذا الظرف المعقد عسكرياً وسياسياً، الحل الأصعب، ولكن الأقرب إلى وقف شلال الدم في سورية".
ويعتقد هيرو أن "الدعم الذي تتلقاه قوات المعارضة الإسلامية المعتدلة من شأنه أن يقوض أركان المجموعات الجهادية المتطرفة التي تشن عملياتها القتالية من منطلق تكفيري بحت لا يكترث لمصير أو تطلعات الشعب السوري ولا يمثله أصلاً بقدر ما ينفّذ عقيدة تنظيم القاعدة، الذي تنتمي إليه، وذلك على الأرض السورية المستباحة".
وتستمر الرياح الصفراء في العصف، وتأتي بعد بريطانيا من بوابة اسرائيل، التي طالعتنا في تحليلات استخبارية هي الأقرب إلى أسلوب الدسّ المغرض والكيدي، تؤكد تشكيل كانتونات كرديّة ودرزيّة وعلويّة في ظل تراجع مساحة الأرض التي يسيطر عليها النظام السوري، معلنةً في إذاعتها الرسمية في وقت مبكّر من العام الفائت أن "لا تهديد مرتقباً على اسرائيل خلال الـ 20 سنة المقبلة، لأن تقسيم سورية إلى ثلاث دويلات أصبح أمراً واقعاً". وكانت الإذاعة عينها قد تحدّثت في وقت سابق عن اتصالات إقليمية تجريها الأجهزة الأمنية الإسرائيلية لضمان عدم انفلات الوضع الأمني في منطقة الجولان. وفي مقدمة الدول التي تصيغ معها اسرائيل هذه التفاهمات الأمنية تأتي تركيا. ولم تُخفِ الإذاعة أيضاً، ودائماً نقلاً عن مسؤولين أمنيين رفيعين، أن تل أبيب تلقّت تطمينات من أطراف عدّة من المعارضة السورية عن مستقبل العلاقات مع دولة اسرائيل، إلا أن هذه التطمينات لم تؤخذ على محمل الجدّ لأنها (وفق الرواية الإسرائيلية) جاءت من قوى معارضة لا تتمتّع بنفوذ وقوة المقاتلين الإسلاميين الذين يملكون الأرض والقرار في المناطق السورية المحرّرة.
وإذا أضفنا إلى المعلومات الاستخباراتية الإسرائيلية دراسة صادرة عن "معهد الحرب" للدراسات في واشنطن عن الجيش الحرّ من جهة، وعن أمراء الحرب من الألوية الإسلامية من غير المتطرفين الداعشيين، حيث تشير الدراسة إلى الدرجة العالية من الانتظام والتراتبية والالتزام العسكري ضمن صفوفهم، نعرف تماماً أنه لن يقلق اسرائيل في المرحلة المقبلة إلا جبهة عسكرية موحّدة تقودها الألوية المعتدلة والموحّدة نحو العاصمة دمشق.
في السياق نفسه، كشفت صحيفة "صنداي تايمز" البريطانية أن إسرائيل زرعت أجهزة تجسّس صمّمت على شكل صخور صناعية لا يمكن ملاحظتها وسط البيئة المحيطة بها من الصخور على جزيرة النمل، وهي جزيرة غير مأهولة قبالة ميناء طرطوس حيث القاعدة البحرية الروسيّة ذات الأهمية الاستراتيجية البالغة لموسكو في البحر المتوسط. وأشارت الصحيفة إلى أن هذه الصخور الصناعية يمكنها تعقب التحركات الساحلية وتصوير ونقل الصور فوراً إلى إسرائيل عبر الأقمار الصناعية. ونوّهت الصحيفة بأنه من المرجّح أن الأجهزة زرعت من قبل قوات النخبة البحرية الإسرائيلية المعروفة باسم "الأسطول 13"، وقد وصلت إلى الجزيرة بواسطة غواصات ألمانية الصنع مزودة بصواريخ كروز نووية، وأن وحدة الكوماندوس الإسرائيلية قصدت الجزيرة مراراً للمعاينة والحصول على عينات من ألوان الصخور المحلية وأشكالها لاختيار الشكل المموّه المناسب لصخور التجسّس.
سورية النازفة، وفي عامها الرابع من مجريات هذه الثورة التي اتخذت كل ألوان الكفاح الشعبي سلمياً كان ثم مسلّحاً، تواجه اليوم أحد أعظم تحدياتها في الانجراف الإثني والطائفي، ونفث سموم النزعة الانفصالية البغيضة.