الرئيسة \  مشاركات  \  إشكالية العلاقة بين حزب البعث وحافظ الأسد في ضوء ترشح الوريث لولاية ثالثة

إشكالية العلاقة بين حزب البعث وحافظ الأسد في ضوء ترشح الوريث لولاية ثالثة

29.05.2014
د. محمد أحمد الزعبي




سببان يقفا وراء توقفي عند هذا الموضوع ، الأول ، هو تلك المسرحية الهزلية التي بدأها النظام هذا اليوم ( الأربعاء 28.05.2014 ) ، وأعني بذلك مسرحية الانتخابات الرئاسية (!!) ،التي أخالف من يظن أن روسيا ومشتقاتها هم فقط من يقف خلف بشار الأسد ومشتقاته ، وبالتالي وراء مثل هذه المسرحيات " الديموقراطية !! " المضحكة ــ المبكية . لا ، ليست روسيا وحدها ، وإنما هو المجتمع الدولي ، وعلى رأسه الرؤساء الأقزام في دول كل من العرب العاربة والعرب المستعربة .والثاني ،هو الأوضاع والمستجدات السياسية والاجتماعية والميدانية المؤلمة ،التيتحصدفيهاأسلحة بشارالأسد وأسلحة حماة نظامه ودياره الفتاكة كل يوم بل وكل ساعة أرواح عشرات المواطنين السوريين ، ولا سيما النساء والشيوخ والأطفال،الذين لاذنب لهم سوى أنهم لايسبّحون بحمد هذا الخب ، لأنهم تعودوا ألاّ يسبحوا إلاّبحمد من خلقهم .
 وبما أن لحزب البعث ( العربي الاشتراكي ) حصة ما فيما وصلت إليه الأوضاع المفزعة والمؤلمة في سورية ، بغض النظرعن نوع وعن حجم هذه الحصة ، فقد وجدت أن من واجبي ــ كبعثي سابق ــ أن أقول شيئاً حول هذا الموضوع .
وبداية أودّأن أورد الواقعة التالية المتعلقة بهذا الموضوع ، كنوع من الشهادة للتاريخ :
كنت وعائلتي نعيش ، في النصف الثاني من سبعينات القرن الماضي في بغداد ، حيث كنت أعمل في كلية التربية هناك استاذاً لمادة علم الاجتماع ، وكان أحد أبنائي يتابع دراسته المتوسطة في إحدى المدارس في منطقة " الصليخ " حيث كنا نسكن ، وكان في نفس المدرسة ، بل وفي نفس صف ابني ابنا المرحومين ميشيل عفلق والياس فرح . ولقد كان النظام التعليمي في بغداد يسمح للتلاميذ غير المسلمين بمغادرة قاعة الدرس ، في درس " الديانة الإسلامية " . ومما أخبرني به ابني آنذاك ،أن ابن الأستاذ المرحوم ميشيل عفلق لم يكن يغادرالقاعة مع التلاميذ الآخرين من أتباع الدين المسيحي ، وإنما كان يتابع درس الديانة الإسلامية مع أقرانه من التلاميذ المسلمين . إنها شهادة للتاريخ . وبعد :
إذا كان عام 1947 ، يعتبر عام الانطلاق الرسمي لـ " حزب البعث العربي " وعام 1953 هو عام الإندماج بين البعث العربي والعربي الإشتراكي وبالتالي تشكيل " حزب البعث العربي الإشتراكي " ،فإن عام 1958 ، يمثل بنظرنا ، عام بداية النهاية لهذا الحزب ، ولا سيما في بلد المنشأ " سورية " حيث تم حل كافة الأحزاب في سورية عام 1958، ومنها حزب البعث ، وذلك في إطار ج ع م . وبعد أن استأنف الحزب نشاطه التنظيمي والسياسي في سورية ، جزئياً في مرحة الإنفصال ، وكلياً بعد الثامن من آذار 1963 ، بدأت الإشكالية الحقيقية في مسيرة الحزب
والتي كانت من وجهة نظري بداية المسيرة التراجعية للحزب .
هذا و كانت أبرز المحطات في مسيرة البعث التراجعية ، من وجهة نظري ، هي :
+ تراجعه ( أي الحزب ) عن تبني الوحدة مع مصر ( ج ع م ) ، بل ودعمه الإنفصال عام 1961 سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة ، وبغض النظر عن التفاوت في مواقف قادته الثلاثة ( ميشيل عفلق ، صلاح الدين البيطار، أكرم الحوراني ) من هذا الإنفصال. هذا مع العلم أن هذاالصراع قد أخذ داخل الحزب صورة صراع حول مسألة الأولوية في ثلاثية ( الوحدة والحريةوالاشتراكية ) ، وهل هي للوحدة أم للحرية أم للاشتراكية ؟ وأدّى بالتالي إلى انقسام الحزب وتفتته ( بين ميشيل عفلق ، وصلاح الدين البيطار ، وأكرم الحوراني ، وجمال عبد الناصر ، ولاحقاً صدام حسين وصلاح جديد وحافظ الأسد ، وبعث اليمن الجنوبي ) .
+ تراجعه عن شعار الديموقراطية ، بعد الثامن من آذار 1963 ، حيث تم التخلي عن الديموقراطية لصالح نظام حكم الحزب الواحد ، ولصالح استمرار العمل بقانون الطوارئ الذي سبق أن سنّه الإنفصاليون عام 1962 ،
+ استخدامه قانون الطوارئ في قمع " الرأي الآخر " ، والذي تجلى في أوضح صوره في طريقة تعامله مع أحداث حماه الأولى 1964 ، ومع إضراب تجار دمشق في تلك الفترة ،
+انقلاب القيادة القطرية العسكري –نصف الطائفي ، على القيادة القومية ، في 23 شباط عام 1966 ، تحت ذريعة ادعاء الصراع بين اليمين واليسار في الحزب ( !! ) .
+ انقلاب حافظ الأسد العسكري ـ الطائفي على رفاقه في حركة 23 شباط 1966 ، ( 16.11.1970 )وزجه معظم اعضاء القيادتين القومية والقطرية في السجن ، أكثر من عقدين من الزمن ، دونما سؤال أو جواب ،
+ تصفية حافظ الأسد لكل من اللواء محمد عمران ، واللواء صلاح جديد ، لكي يظل هو المرجع الوحيد للطائفة العلوية مدنياً وعسكرياً ،
+ محاولة حافظ الأسد ، المزج بين " اليسار " و " الطائفية " ،والذي كان عبارة خلطة سياسية عجيبة وغير مسبوقة أدت إلى تذويب اليسار السوري ، ولا سيما الحزب الشيوعي (خالد بكداش ويوسف الفيصل ) وجزء من الناصريين في أتون ديكتاتورية عائلة الأسد ، تحت ستارماأطلق عليه " الجبهة الوطنية التقدمية " ،
+ حرب حزيران 1967 ، والتي انتهت باحتلال إسرائل لهضبة الجولان ، ولعاصمتها مدينة القنيطرة ( البلاغ العسكري المشبوه رقم 66 الشهير) ، وباعتراف النظام باسرائيل المتضمن في القرار 242 ، الصادر عن مجلس الأمن الدولي ، بتاريخ 22.11.1967 ، وأيضاً في القرار 338 تاريخ 22.10.1973 والذان ينطويان بصورة لالبس فيها على هذا الإعتراف تحت مسمى " الأرض مقابل السلام " ، ولعل هذا هو مايمثل السبب الرئيسي من جهة لصمت النظام على احتلال إسرائيل لهضبة الجولان منذ 1967 وحتى اليوم ، ذلك أن الشعب السوري ليس جاهزاً بعد ، لتقبل رفع العلم الإسرائيلي فوق مآذن دمشق عاصمة الأمويين . ومن جهة أخرى وراء صب بشار الأسد ومعه ملالي طهران وحسن نصر الله وموسكو جام غضبهم على تلك المآذن طيلة السنوات الثلاث من عمر ربيع دمشق ، بسبب رفض هذه المآذن أن يرفع ( بضم الياء )فوقها علم الاحتلال الصيوني لفلسطين ، وبالتلي للمسجد الأقصى ولكنيسة القيامة ، ويذكرني موقف هذه المآذن الدمشقية الشامخة هذا ، بقول نزار : ( وللمآذن كالأشجار أرواح ).
+ لقد وضع المؤتمر القومي السادس 1964 ( بعض المنطلقات النظرية ) ، حجر الأساس لانقلاب حركة 23 شباط 1966 ، التي وضعت بدورها حجر الأساس للحركة التصحيحية الانقلابية التي نفذها حافظ الأسد ضد هذه الحركة في 16.11.1970 ( ماسمي بالحركة التصحيحية ). أي أن الصراع في الفترة بين 1963 و1966 ، كان صراعاً أيديولوجياً وسياسياً وتنظيمياً بين المدنيين والعسكريين في الحزب ككل ، ثم تحول بعد 1967 ( حرب حزيران ) إلى صراع على السلطة بين العسكريين والمدنيين ، ولكن في إطار حركة 23 شباط 1966 ذاتها .
+تعتبر حرب حزيران عام 1967 ، الحلقة الأخيرة التي كانت تربط بين حافظ الأسد وحزب البعث ( حركة 23 شباط 1966 ) ، حيث بدأ الصراع الحزبي العلني بين الطرفين ، والذي كانت نها يته انقلاب حافظ الأسد العسكري عام 1970 ، على حركة 23 شباط ، وإنهاء دور الحزب بصورة كاملة ، وتقع مسؤولية الاستمرار في العملية التراجعية ، بعدهذه المراحلة ، على عاتق عائلة الأسد وحدها ولاسيما :
+ الممارسات الأمنية الوحشية لحافظ الأسد خلال فترة تفرده بالسلطة في الفترة من 1970 وحتى وفاته عام 2000 ,والتي كان ضحاياها عشرات الآلاف من المدنيين الأبرياء ، والتي اختتمها بتسليمه راية هذه الوحشية لولده بشار، والذي يقوم الآن من خلالها بتدمير الدولة والمجتمع اللذين ورثهما عن أبيه (!!) ،
+ النظام العائلي الوراثي ، الذي قلب النظام الجمهوري في سورية ، رأساً على عقب بحيث أنه بات من الصعب على المرء التفريق بين صفة الرئيس وصفة الملك في هذا النظام " الجملكي " ’ بالرغم من احتفاظ كل من الأب والإبن بالإسم الأصلي للدولة ( الجمهورية العربية السورية ) ، وبالرغم من إعطاء الحزب دوراً شكلياً في هذه اللعبة العائلية المكشوفة ( المادة 8 في دستور 1973) ، وبالرغم من تخلي بشارالأسد شكلاًعن هذه المادة الدستورية وأيضاً عن قانون الطوارئ، تحت ضربات أبطال ثورة 18.03.2011 المجيدة ،
+ الأسلوب الهمجي ، غير الوطني وغير الأخلاقي ، الذي جابهت به عائلة الأسد ثورة آذار السلمية منذ 2011 وحتى اليوم ، والذي أدى وبالتعاون الكامل مع روسيا بوتن ، وملالي طهران ، و حسن نصر الله ، ومن ورائهم وأمامهم اسرائيل نتنياهو إلى تدمير سوريا ، بشراً وشجراً وحجراً ، تدميراً يكاد يكون كاملاً ، اللهم إلاّ من إرادة الصمود ، والصبر، عند شباب الثورة وتصميمهم المطلق على الاستمرار بالثورة حتى النصر ، مهما كان الثمن ،
 
+ وتمثل مسرحية " الانتخابات " التي ، انطلقت هذا اليوم بين خرائب ماسلم من براميل بشار ومن طائراته ومن صواريخه ، ومن مقابره الجماعية ، الخطوة الأكبر والأقذر في هذه المسيرة الدموية التراجعية المؤلمة التي شهدتها وتشهدها سورية منذ ستينات القرن الماضي وحتى هذه الساعة . إن من حق كل من يسمع بأمر هذه الإنتخابات التي تجري في سورية اليوم ، أن يفغر فاه ويصيح : يالوقاحة مثل هذا الوريث ، وصدق من قال :
" إن الولد سر أبيه " !!.