الرئيسة \  تقارير  \  إطعام ذئب الحرب‏

إطعام ذئب الحرب‏

08.09.2022
‏روبرت كولر


ترجمة: علاء الدين أبو زينة
‏روبرت كولر*‏ – (كومون دريمز) 1/9/2022
الغد الاردنية
الاربعاء  7/9/2022
هل نحن عالقون في الحرب -الحرب التي طورت أسلحتها على مر السنين من الهراوات إلى الرماح إلى البنادق… إلى الأسلحة النووية؟ لقد دفعنا أنفسنا إلى الحافة النهائية المطلقة للوجود، مع الحد الأدنى من الاهتمام على أعلى مستويات سلطة الدولة بالتغلب على اتجاه الإبادة الذاتية، إما عن طريق الحرب أو حدوث انهيار مناخي. وعندما تبدأ القنابل الضخمة في الانفجار، سيموت خمسة مليارات منا قريبًا… ‏إن خلق الشروط اللازمة للسلام -التفاوض مع روسيا، وأبعد من ذلك نزع الأسلحة النووية في العالم، والتصدي بشجاعة لانهيار المناخ- ليس تفكيرا متمنياً. إنه تحول وجودي لازم.‏
* * *
‏أغمض عينيك وحاول‏‏ أن تتخيل ‏‏الذئبين‏‏.‏
تخيل نفسك طفلاً مرتعباً. أعتقد أن هذا سيساعد على جلب الأسطورة القديمة إلى الحياة… هذه الأسطورة، التي يقال إنها آتية من قبائل الشيروكي من الهنود الحمر، تتحدث عن خيارَي البشرية. وينخرط فيها ذئبان في معركة شرسة.‏
‏يشرح الجد الحكيم للطفل المرتعب أن الذئبين يوجدان في داخلنا جميعا. أحد الذئبين نرجسي متغطرس -مغفل، أحمق وأناني. وهو، كما تعلمون، الشر. والآخر هو تجسيد الفرح، والتعاطف، واللطف والحب.‏
‏يسأل الطفل المرتجف بخوف: “أيهما يفوز يا جدي؟‏”.
‏ويأتي الجواب مباشرة من الجد: “الذئب الذي تُطعِمه”.‏
هذه هي فكرة الأخلاق 1.0: لا تستجب لأسوأ النوازع في نفسك. نعم، حسنًا، يبدو هذا منطقياً للغاية. لا شك أننا جميعا في حاجة إلى تذكير أنفسنا بهذا على أساس منتظم، خاصة عندما لا تسير الأمور بالطريقة التي نريدها.‏
ولكن، هنا تكمن المشكلة في هذه الأسطورة -أو على الأقل ما تبدو أنها نسختها المبسطة للغاية: أنها عرضة دائمة للتحول إلى أداة لاستدعاء أسوأ ما فينا. وأنا أطرح هذه النقطة في خضم مشروع بحثي أكبر: محاولة فهم طبيعة الحرب وطبيعة كون المرء إنسانًا. هل هما شيئان لا يمكن الفصل بينهما؟ وأكثر من ذلك: كيف نتطور إلى ما بعد الحرب؟ وعندما ظهر الذئبان في خضم هذا البحث، شعرتُ وكأنها لحظة “آها”! أي ذئب هو الذي سيفوز؟ الذئب الذي تطعمه:‏
استجاب تحالف متنوع من جماعات المجتمع المدني بالتعبير عن الاشمئزاز بعد أن صوتت لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ يوم الخميس لصالح تخصيص 45 مليار دولار إضافية، إضافة إلى طلب الرئيس جو بايدن الهائل مسبقاً لميزانية الإنفاق العسكري، ليصل إجمالي الميزانية المقترحة للسنة المالية المقبلة إلى 857.6 مليار دولار”.‏
‏هكذا كتبت نشرة “كومون دريمز”. نعم، إن الميزانية العسكرية الأميركية تستمر في النمو. وكذلك الميزانية العسكرية العالمية. وإليكم ما يبدو عليه جنون تغذية ذئب الشر هذا بشكل أقل تجريداً. في اللحظة الراهنة، على حد تعبير ‏‏مارسي وينوغراد‏،‏ من “الديمقراطيين التقدميين في أميركا”:‏
‏”أعلنت وزارة الدفاع مؤخرا أنها سترسل ما تقرب قيمته من 3 مليارات دولار إضافية من الأسلحة والمساعدات إلى أوكرانيا… (في) أكبر حزمة أسلحة لأوكرانيا حتى الآن -صواريخ، وطائرات من دون طيار، و350.000 طلقة من الذخيرة … ويرفع الإعلان الأخير لوزارة الدفاع إجمالي قيمة الأسلحة والذخيرة والتدريب العسكري المخصصة لتصعيد الحرب في أوكرانيا إلى ما لا يقل عن 13.5 مليار دولار”.‏
لكنني عندما أفكر في هذا، سرعان ما تظهر على الفور حجة مضادة؛ الدفاع عن المساعدات العسكرية الأميركية لأوكرانيا. ليس لدى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي أي خيار! إن بوتين هو الذئب السيئ هنا. وهذا هو المكان حيث يشرع الجد الحكيم والأسطورة نفسها في الانهيار. إن كلا الذئبين يتقاتلان بمخالب مسنونة وأنياب مُشهرة؛ وكل منهما يحاول قتل الآخر. ويبدو أن حروب البشرية على مدى السنوات العشرة آلاف الماضية قد تطورت من تلك الأسطورة بالذات. بينما كانت البنية الاجتماعية البشرية تزداد تعقياً، وأكثر تركيزا على المُلكية والثروة و-السيطرة- أصبحت فكرة “نحن مقابل هم” تزداد رسوخاً باطراد. دائمًا هناك عدو، والعدو دائمًا هو الذئب السيئ.‏
استغرقت الحرب بعض الوقت لكي تجد نفسها. وكما كتب عالم الأنثروبولوجيا ‏‏ر. براين فيرغسون‏‏ في مجلة “سينتيفيك أميركان”، فقد “ميّز الصيد والجمع البسيط المجتمعات البشرية خلال معظم وجود البشرية التي يعود تاريخها إلى أكثر من 200.000 عام. وعلى نطاق واسع، كانت هذه المجموعات تتعاون مع بعضها بعضا وتعيش في جماعات صغيرة متنقلة ومساواتية، وتستغل مساحات كبيرة ذات كثافة سكانية منخفضة وممتلكات قليلة”.‏
لكن الحياة أصبحت ببطء أكثر تعقيدًا بالنسبة لجزء كبير من البشرية، خاصة مع انتقال الناس من الصيد-الجمع إلى الزراعة وإنشاء مستوطنات ثابتة، وظهور الممتلكات، والمُلكية، وفي نهاية المطاف، الثروة (أو الافتقار إليها).
‏كتب فيرغسون: “على مدى آلاف السنين، أصبحت الظروف المسبقة لنشوب الحرب أكثر شيوعًا في المزيد من الأماكن. وبمجرد نشوء الحرب، فإنه يكون لديها ميل إلى الانتشار، حيث تحل الشعوب العنيفة محل الشعوب الأقل عنفًا. وقد تطورت الدول في جميع أنحاء العالم، وأصبحت الدول قادرة على عسكرة الشعوب على أطرافها وعند طرقها التجارية”.‏
هذا هو عالم اليوم. هل نحن عالقون في الحرب إذن -الحرب التي طورت أسلحتها على مر السنين من الهراوات إلى الرماح إلى البنادق… إلى الأسلحة النووية؟ لقد دفعنا أنفسنا إلى الحافة النهائية المطلقة للوجود، مع الحد الأدنى من الاهتمام على أعلى مستويات سلطة الدولة بالتغلب على اتجاه الإبادة الذاتية، إما عن طريق الحرب أو حدوث انهيار مناخي. وعندما تبدأ القنابل الضخمة في الانفجار، سيموت خمسة مليارات منا قريبًا. نحن عالقون -هل هذا هو الأمر؟ منذ وقت طويل جدًا.. أيتها الإنسانية؟‏
يشير فيرغسون إلى أن بعض المجتمعات البشرية، خلال تلك الحقبة من التحول الزراعي، تجنبت ظهور الحرب. ويشير إلى أن “العديد من الترتيبات الاجتماعية كانت تعيق نشوب الحرب، مثل روابط القرابة والزواج عبر المجموعات؛ والتعاون في الصيد أو الزراعة أو تقاسم الغذاء؛ والمرونة في الترتيبات الاجتماعية التي تسمح للأفراد بالانتقال إلى مجموعات أخرى؛ والمعايير التي تقدر السلام وتصم القتل؛ والوسائل المعترف بها لحل النزاعات”.‏
‏إن الصراع هو شأن لا مفر منه -وهذا لن يتغير أبدًا. لكنَّ مجتمعات مختلفة على مدى آلاف السنين وجدت طرقًا -ليس لتقليل احتمال الصراع فحسب، ولكن للتعلم منه والتسامي عليه، لخلق ما يسميه فيرغسون “الظروف المسبقة المتميزة بذاتها للسلام”.‏
ليست هذه مثالية! إنها تبدو كذلك فقط للعقول المحبوسة في قفص الاعتقاد بأنها الذئاب الجيدة. إن خلق الشروط المسبقة للسلام -التفاوض مع روسيا، من أجل خاطر الله؛ وأبعد من ذلك نزع الأسلحة النووية في العالم، والتصدي بشجاعة لانهيار المناخ- ليس تفكيرا متمنياً. إنه تحول وجودي لازم.‏
*‏روبرت كولر‏‏ ‏‏Robert Koehler: صحفي حائز على جوائز يقيم في شيكاغو، وكاتب نقابي على المستوى الوطني. حصل على العديد من الجوائز للكتابة والصحافة من منظمات، بما في ذلك “الرابطة الوطنية للصحف” و”صحف الضواحي الأميركية” و”نادي شيكاغو هيدل”. وهو مساهم منتظم في مواقع رفيعة المستوى مثل “كومون دريمز” و”هافينغتون بوست”. متجنبا التسميات السياسية، يعتبر كولر Koehler نفسه صحفيا للسلام. وقد عمل محررا في “تريبيون ميديا سيرفيسز” ومراسلاً وكاتب عمود ورئيس مكتب في “صحف ليرنر”، وهي سلسلة من صحف الأحياء والضواحي في منطقة شيكاغو.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Feeding the Wolf of War