الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إطلالة على سوريا

إطلالة على سوريا

23.02.2014
علي سلامة الخالدي


الرأي الاردنية
السبت 22/2/2014
نطلّ على الشام، على بقايا أطلال تلوح كباقي الوشم، آثار دارسة، عروش خاوية، مناطق مهجورة، خرائب مهدّمة، أشجار باكية، أوراق جافة، أمّهات نادبة، أطفال دامعة، بهائم رتّع شاردة، وشيوخ ركّع جائعة، قلوبنا دامية، مشاعرنا آسفة، عيوننا مشفقة، مناظر تهزّ الوجدان، انتهاك حقوق الإنسان، تجويع، تعذيب، امتهان كرامة الطفل والمرأة، ذبح مروع، مأساة العصر، دمار شامل، رغبة ساديّة في إراقة الدماء، انتقام يسلك طرقا متعرّجة، ضغينة وأحقاد لا تمحى، تلذذ بمصائب الأيتام والأرامل والثكالى، ينتابك إحساس مدمّر لحياة الإنسان، يمارسون إهانة للقيم البشرية، تجريد الإنسان من معنى وجوده، حصار يحوّل الشعب إلى هياكل عظمية، هذا تجاوز أخلاقي يقود إلى نهايات قاسية، انحدار نحو الحضيض، انهيار، تعطّل الحياة، انفلات الشبّيحة، حرق البلد، فقدان المجتمع، ضياع الشعب، تشرّد الأمة، سحق دولة كاملة بكل مواردها الاقتصادية والبشرية، كيف يقبل إنسان له ضمير أن يتحوّل 9 ملايين سوري إلى أناس يطلبون الصدقة، يمدّون أيديهم للعالم، نفهم تصنيف المعارضة بأنهم، خونة، إرهابيون، جواسيس، عملاء، شياطين، عصابات، لكن 9 ملايين نازح ولاجئ ومهجّر بلا مأوى، بلا طعام، هؤلاء خونة وعصابات؟ في المقابل شعب يصبر على هذا الظلم، يقف في وجه هذا الطغيان، ألا يستحق العظمة؟ ألا يتحلى بالشجاعة والبطولة؟ شعب يحارب روسيا وإيران وحزب الله وألوية أبو فضل العباس، ألا يستحق الإشادة والاحترام؟.
انتصار هذا الشعب واقع مشهود، لأنه خرج من رحم المعاناة، ثورة هذا الشعب العظيم غُسلت بماء الاستبداد، توضأت من نهر القهر والذل والعبودية، ارتوت من ألم الاضطهاد، انفجرت في وجه نظام يرى الشعب عبارة عن فرق فنية لإحياء الأعياد المزيفة، وتخليد الانتصارات الكرتونية، الثورة حققت المعجزات بالرغم من تعرضها للمؤامرات، وازدحام القيادات، وتعدد المرجعيات، خذلها الأصدقاء، تردد عنها الأشقاء، غدر بها الإرهابيون، ولوثها التكفيريون.
سياسياً، إيران تتولى إدارة ملف الأزمة السورية، بسبب التواجد الكثيف للحرس الثوري الإيراني وحزب الله، تكريساً للفكر الطائفي المزيل للمادة اللاصقة التي أبقت المجتمع السوري متماسكاً طول هذه الحقبة الزمنية، فعاد المجتمع الآن إلى عناصره الأولية، ومكوناته الأصلية، ومواده القديمة، يلجأ الناس للاحتماء بالهويات الفرعية، الطائفية، المذهبية.
دولياً، العالم يتحرك ببطء نحو أكبر كارثة ومأساة إنسانية تواجه العالم في العصر الحديث، لكن صراع المصالح حقق مجموعة من الأهداف، التدمير الذاتي المتبادل لأطراف الصراع، تجريد سوريا من السلاح الكيماوي، استنزاف حزب الله، أغراقه في المستنقع، عزله عن الحاضنة الشعبية، كشف أهدافه الطائفية، تشجيع الإرهابيين وزجّهم نحو المحرقة للتخلص من شرّهم، ودفن تطلعاتهم في مقبرة سوريا، تحويل سوريا إلى صومال الشرق الأوسط الجديد.