الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إطلالة على 3 سنوات من الحرب في سوريا

إطلالة على 3 سنوات من الحرب في سوريا

29.03.2014
د. محمد عاكف جمال


البيان
الجمعة 28/3/2014
دخلت الحرب الأهلية المدمرة في سوريا عامها الرابع قبل بضعة أيام، بعد أن حصدت أرواح مئة وستة وأربعين ألفاً، حسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ثلثهم على الأقل من المدنيين. ورغم طول مدة هذه الحرب وبشاعة ما وصلت إليه الأوضاع في سوريا، ليس هناك ما يشير إلى قرب نهايتها أو يساعد الراصد في وضع تنبؤات رصينة عن سيناريوهات هذه النهاية، بعد أن تعثرت الجهود التي بذلت في "جنيف-1" و"جنيف-2"، وأصبح عرابهما الأخضر الإبراهيمي تائهاً يبحث عن أدوات جديدة لإسعاف مساعيه المتداعية.
في هذا الصدد نرى من الضروري إلقاء نظرة فاحصة على مجمل ما حفلت به هذه الحرب من تداخلات، وإجراء تقييم لأسباب استمرارها طيلة هذه المدة، وفشل المعارضة في الحفاظ على الزخم الذي كانت تتمتع به حين نشبت.
1. حافظ النظام السوري بشكل عام على صلابته موحداً، في حين فشلت المعارضة في توحيد صفوفها، بل ازدادت تفككاً وتشرذماً.
2. تحولت الثورة تدريجياً من احتجاجات ومطالب حول قضايا سياسية واقتصادية واجتماعية، إلى صراع واسع لا يخلو من أبعاد إثنية وطائفية.
3. أثبت حلفاء النظام التزاماً كبيراً باحتضانه والدفاع عنه سياسياً ودبلوماسياً وعسكرياً، وهذا ما لم يتوافر للمعارضة التي كانت تتعرض لضغوط من الدول التي تقدم مساعداتها، من أجل أن يكون لها حضور ودور في صياغة القرارات السياسية.
والأمر لم يتوقف عند هذا الحد، بل تعداه حين بدأت هذه الدول تتعرض لضغوط شديدة من جانب الولايات المتحدة، لتقنين هذه المساعدات أو وضع القيود على استمرارها. فالغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة، يعاني من مشكلات تدخلاته في العراق وأفغانستان، وبدأ يتحسب لما قد يضيفه التغيير في سوريا من أعباء، بعد أن قدم الربيع العربي أكثر من دليل على أن الأنظمة الجديدة لا تتمتع بمقومات الاستقرار والبقاء.
4. عجز النظام العربي، ليس فقط في معالجة القضية السورية، بل في معالجة تبعاتها وتداعياتها على المستوى الإنساني، بشكل ملفت للنظر.
5. عجز المنظمات الدولية، وعلى رأسها مجلس الأمن الدولي، الذي فشل في اتخاذ القرارات المناسبة المنصفة للشعب السوري من جهة، وفشل في وضع القرارات التوفيقية التي اتخذها موضع التنفيذ من جهة أخرى. وتزايدت الخطايا التي ترتبت على هذا الفشل، حين أخفق المجلس في التصدي لتداعيات هذه الحرب، التي أطاحت بالكثير مما يتعلق بحقوق الإنسان وحفظ كرامته.
6. دخول مقاتلين أجانب أفراداً وفصائل قتالية مدربة، للاصطفاف مع النظام وضده. بعض هذه الفصائل تصنف كمنظمات إرهابية، قاتلت في البداية إلى جانب الجيش الحر وتحولت لاحقا لمقاتلته وفرض أجندتها المسيئة لأجندته على المناطق التي أخضعت لسلطتها، مما ضاعف توجس الغرب حول مستقبل الصراع في سوريا، وأضر كثيرا بالوضع التعبوي والميداني للمعارضة.
7. عجز طرفا الصراع عن تحقيق إنجاز ميداني متميز، مما يدفعهما لتضخيم قيمة انتصارات ذات أهمية ثانوية، لاستغلالها إعلاميا في الحرب السيكولوجية الدائرة بينهما.
8. استفاد النظام السوري من تجربة سقوط الأنظمة في تونس وفي مصر، التي استمرت في التراجع أمام ضغط الشارع حتى هوت، وفضل الأخذ بنموذج القبضة الفولاذية الذي اعتمده القذافي، لذلك لم يعر أهمية لشعارات الحرية وحقوق الإنسان، مستفيدا من وجود حلفاء أقوياء له إقليميا وعالميا، على عكس العزلة التي كانت تحيط بالقذافي.
تزداد القناعة لدى الغرب بأن نظام الرئيس بشار الأسد، من خلال عنف ممارساته في التعامل مع الثورة القائمة، يزرع بذور انهياره، إذ إن العمليات العسكرية التي ينفذها، تعمل على تقويض الدولة وتقضي على أواصر الروابط المجتمعية، من غير أن تتمكن من القضاء على الثورة. فالمدن السورية تحولت إلى ركام وأنقاض، وتحول الشعب السوري إلى مهجرين ولاجئين في الداخل والخارج.
والتصعيد في العمليات الحربية لم يمنح النظام فرصا أفضل لتحقيق النصر، وليس من المتوقع أن يفعل ذلك، لاسيما أن الموقف الدولي في رفض وجوده باق على حاله ولم يتغير. فقد أصبحت سوريا مقسمة فعليا جغرافيا وإداريا، إلى مناطق عديدة تسيطر الحكومة على ما يقرب من ثلث مساحتها، في حين تقتسم الفصائل المعارضة والمليشيات الأخرى ما تبقى من المساحة وتفرض فيه أجندتها وقوانينها.
هناك العديد من السيناريوهات التي تتداولها وسائل الإعلام حول مستقبل الحرب الدائرة في سوريا، وعن النموذج الذي سيؤخذ به في الحكم بعد أن تضع هذه الحرب أوزارها، إلا أن أكثر هذه السيناريوهات واقعية هو استمرار هذه الحرب ربما لسنوات أخرى، تستنزف فيها قدرات المنظمات الإرهابية، وتستنزف فيها قدرات الشعب السوري نفسه، بعد أن تحولت سوريا إلى ساحة تصفية حسابات إقليمية..
وحينها يفرض النموذج الأكثر ملاءمة نفسه. فقد استمرت الحرب الأهلية في لبنان خمسة عشر عاما، ولم تتوقف إلا بالتدخل السوري المباشر عام 1992، دون أن تتغير المعادلة التي تحكم الوضع اللبناني. وليس هناك ما يشير إلى أن دولة ما أو أكثر، لديها الرغبة في المخاطرة بالخوض في الوحل السوري.
حسم القضية السورية لصالح المعارضة يعيد رسم معادلات التوازنات السياسية والعسكرية في المنطقة، ويقضي على فرص النجاح لبعض المشاريع الإقليمية التوسعية، التي حرص من وضعها وتبناها على بذل ما في وسعه لدعم النظام السوري ومنع انهياره.
لم تعد القضية السورية قضية صراع داخلي، أو صراع له بعد إقليمي ضيق يمكن غض الطرف عنه مرحليا، بل أصبحت قضية دولية قد يكون حلها غير منعزل عن لعبة لي الأذرع على مستوى ممارسات الدول العظمى، في مرحلة معينة من اشتداد الصراع الدولي، خاصة بعد أن أقدمت روسيا على ضم شبه جزيرة القرم إليها، مما خلق مبررا للغرب وللولايات المتحدة بشكل خاص، للرد بقوة في مكان آخر، لاسيما أنها لا تستطيع القيام بما يُلزم روسيا على التراجع، وليس من المستبعد أن يكون المكان الآخر هو سوريا.