الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعادة إعمار سوريا.. الصراع مستمر لكن بوسائل أخرى 

إعادة إعمار سوريا.. الصراع مستمر لكن بوسائل أخرى 

07.03.2021
العرب اللندنية


العرب اللندنية 
السبت 6/3/2021 
دمشق- تتجه الصراعات في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا إلى الدخول في مرحلة جديدة لا تقل غموضا عمّا شهدته في العشرية الأخيرة، رغم المتغيرات التي بدأت تقفز أمام أنظار كل القوى الفاعلة في المنطقة، ورغم قصور الدبلوماسية الدولية في معالجة أزمات دول راحت ضحية حرب لم تخلف سوى الدمار. 
ويبدو أن تحديات إعادة إعمار الدول التي تضررت بفعل الحروب تحت دوافع التغيير المزعوم الذي جاءت به ثورات ما يسمى بـ”الربيع العربي” وهي سوريا وليبيا واليمن، باتت أكثر وضوحا الآن. والأكيد أن النموذج السوري هو الأكثر تضررا بعد أن كشفت تقارير حديثة عن أرقام صادمة حول الخسائر التي تكبدها هذا البلد منذ اندلاع الأزمة وهي مرشحة للارتفاع. 
فقد ذكرت منظمة الرؤية العالمية (وورلد فيجن) وشركة فرونتير إيكونوميكس لتطوير النتائج الاقتصادية وهي أكبر شركة استشارات اقتصادية مستقلة في أوروبا في تقرير تحت عنوان “ثمن باهظ للغاية: تكلفة الصراع على أطفال سوريا” صدر الجمعة، أن “التكلفة الاقتصادية للنّزاع في سوريا بعد عشر سنوات تقدّر بأكثر من 1.2 تريليون دولار”. 
أزمات دول راحت ضحية حرب لم تخلف سوى الدمار 
والنتائج الاقتصادية لتقرير منظمة الرؤية العالمية وشركة فرونتير إيكونوميكس لتطوير النتائج الاقتصادية التي جاءت مصحوبة باستطلاع قامت به منظمة الرؤية العالمية لما يقرب من 400 طفل وشاب سوريين في سوريا ولبنان والأردن، تكشف عن الخسائر البشرية الهائلة للصراع. 
ولفت التقرير إلى أن الصراع في سوريا يعتبر من أكثر النزاعات الدموية بالنسبة إلى الأطفال والأكثر تدميرا، حيث يقلل من متوسط العمر المتوقع للأطفال بمقدار 13 عاما، كما تم استخدام ما يقدر بنحو 82 في المئة من الأطفال الذين جندتهم الجهات المسلحة في أدوار قتالية مباشرة وكان 25 في المئة منهم دون سن 15 عاما. 
ولم يقف معدّوا الدراسة عند ذلك، بل أشاروا إلى أنه حتى مع انتهاء الحرب ستستمر تكلفتها في التّراكم لتصل إلى 1.7 تريليون دولار إضافية بقيمة العملة اليوم وحتى عام 2035. وقالوا إن النتائج تشير في كل الأحوال إلى أن جيلا كاملا قد ضاع في هذا الصراع، وإن الأطفال سيتحمّلون التكلفة من خلال فقدان التعليم والصحة، مما سيمنع الكثيرين من المساعدة في تعافي البلاد والنمو الاقتصادي بمجرد انتهاء الحرب. 
ووفق الإحصائيات الأممية ومنظمات حقوق الإنسان فقد قُتل ما يقدر بنحو 55 ألف طفل، بعضهم عن طريق الإعدام بإجراءات موجزة أو التعذيب، وذلك من أصل قرابة 387 ألف سوري منذ بدء النزاع. 
إذن، بعد هذه الأرقام المفزعة ثمة سؤال يطرح نفسه بقوة ويدور في أذهان الكثير من المتابعين والخبراء يتمحور حول: هل ستتمكن سوريا بالفعل من خوض عملية إعادة إعمار ناجحة في مرحلة ما بعد الحرب وكيف لها أن تحقّق هذا في ضوء موازين القوى الراهنة محليا وإقليميا ودوليا؟ 
وبعد عقد من الحرب الأهلية الدموية في سوريا التي تقاطعت فيها القوى الدولية والإقليمية لتحقيق مغانم عسكرية أو اقتصادية في المستقبل، أصبح هذا الملف الحارق يتمحور الآن حول من سيكون الأقرب لإعادة إعمار البلد. 
وتتفق بعض الآراء على أن عملية إعادة إعمار سوريا بعد نزاع دمّر البنية التحتية ودفع الاقتصاد إلى الانهيار ليست أمرا حتميا في كل الأحوال، ولكن يعتمد حجمها ووتيرتها ونطاقها على مجموعة من العناصر من أبرزها العوامل الجيواقتصادية في الدول الخارجة من الصراع، وهي روسيا والولايات المتحدة وإيران وتركيا. 
أكثر من 1.2 تريليون دولار التكلفة الاقتصادية للنّزاع في سوريا 
وبعبارة أخرى، هناك احتمال كبير أن تؤثّر التدخلات الجيوسياسية في النزاع السوري الذي بات بلا أفق نهائي للحل على استخدام الموارد الاقتصادية، خاصة وأن الخلافات بين القوى الفاعلة في هذا الملف بدأت تأخذ منحى جديدا في ظل اقتصاد عالمي شاحب زادت من أوجاعه جائحة كورونا. 
وإلى حد بعيد تفتقر سوريا إلى جميع الشروط الواجب توافرها لتحقيق إعادة إعمار المدن المدمرة بطريقة ناجحة ما بعد الحرب، لأن العوامل الجيواقتصادية المحركة للنزاع تشير إلى أن البلاد سيتواصل تشرذمها السياسي والأمني الحاد في ظل قدرتها المحدودة على توفير التمويل اللازم في ظل قانون “قيصر” الأميركي الذي خنق ما تبقى من اقتصاد البلد. 
وفي ضوء ذلك يرى المتابعون أن ثمة إمكانية أن تشكل مسألة إعادة إعمار سوريا منافسة من نوع آخر بين القوى الكبرى وخاصة مع الصين التي لطالما سعت إلى أخذ جزء من “الكعكة الاقتصادية” السورية لأن الدوافع بالنسبة إليها مالية قبل أن تكون سياسية على عكس الروس والأميركيين والإيرانيين وحتى الأتراك.