الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعادة تأهيل الأسد": تحولات جذرية!

إعادة تأهيل الأسد": تحولات جذرية!

04.12.2014
محمد أبو رمان



الغد الاردنية
3-12-2014
 تتجاوز أهمية التقرير الأخير لمؤسسة راند الأميركية عن "احتمالات مستقبل سورية" بأنه صادر من إحدى أهم مؤسسات التفكير الأميركية المرتبطة بوزارة الدفاع الأميركية، وأنّ معدّيه هم من الخبراء في مجال الاستخبارات والأمن، الذين يدركون تماماً محدّدات السياسة الأميركية وأولوياتها في المنطقة، إذ إنّ التقرير يكشف عن التحولات الواقعية الحقيقية في رؤية الإدارة الأميركية لما يحدث في سورية، وهي تحولات ستغدو عندما تكتمل حلقاتها وتداعياتها أقرب إلى الانقلاب في الموقف من النظام السوري.
التقرير يتناول السيناريوهات الأربعة الرئيسة المتوقعة لمستقبل سورية؛ الأول وهو سيناريو الصراع طويل الأمد، ينتج عنه دويلات طائفية وعرقية مجزأة، علوية وإسلامية وكردية، والثاني انتصار النظام نسبياً على المعارضة، وهو ما ستستفيد منه إيران وحزب الله بالدرجة الأولى، والثالث انهيار النظام  وستستفيد منه القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وقد يؤدي إلى مجازر وحروب أهلية وإقليمية، أما الرابع فهو تسوية من خلال المفاوضات، وهو أفضل الخيارات الإقليمية، عبر مجلس طوائف يدير البلاد إلى حين إجراء انتخابات واتفاق على قواعد اللعبة السياسية وأبعادها.
هذه السيناريوهات ليست جديدة، لكن الأمر المهم هو أنّ هذه الورقة بنيت على ورشات عُقِدت في ديسمبر 2013، قبل بدء الحرب الراهنة على داعش، التي يقرّ الخبراء بأنّها خدمت النظام السوري تماماً، وأضعفت من المعارضة، وغيّرت من قيمة كل سيناريو واحتمالاته، بل وأعادت هيكلة منظور المصالح الأميركية.
يقرّ الخبراء بأنّ السيناريو الأكثر احتمالاً كان قبل الضربات هو الأول الصراع الممتد، لكن مع الشهور الأخيرة فإنّ السيناريو الثاني؛ الانتصار النسبي للنظام السوري مع ضعف المعارضة وتفككها والصراعات الداخلية فيما بينها، أمّا انهيار النظام أو التسوية السلمية فهما الأكثر ضعفاً والأقل احتمالاً بدرجة كبيرة.
 المفاجأة التي يكشفها الخبراء تتمثل في أنّ انتصار النظام السوري لم يعد هو أسوأ احتمال يمكن أن يحدث في المنظور الأميركي، أمّا انهيار النظام فهو أسوأ سيناريو ضمن المنظور الأميركي والغربي، بالرغم من أنّه – كما تعترف الورقة- كان هو الذي تفضله الأطراف المناوئة له!
 إذاً، لم يعد موضوع الأسد هو الشغل الشاغل للإدارة الأميركية بل تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة، فهما الخصم الأول، ويرى الخبراء بأنّ انتصار النظام السوري، نسبياً، سيساعد على احتواء هذه التنظيمات وإضعافها، بل ما هو أكثر من ذلك أنّ ذلك سيساعد على "إقامة علاقات طويلة المدى من قبل الولايات المتحدة مع نظام الأسد تحت عنوان "الحرب على الإرهاب" لتقليل خطر السلفيين الجهاديين في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية".
هذه النتيجة التي تمّ تمريرها بين السطور هي من أخطر هذه النتائج التي توصل إليها أولئك الخبراء المرتبطون بوزارة الدفاع الأميركية، وفي ظني أنّها الأكثر اقتراباً اليوم من السياسات الأميركية الواقعية، وهي النتيجة المنطقية لما تقوم به الإدارة الحالية في حربها على تنظيم الدولة من دون أن تضع أهدافاً وعمليات موازية ضد النظام السوري.
هذا وذاك يتقاطعان مع دلالات الرسالة التي بعث بها الرئيس الأميركي باراك أوباما إلى مرشد الثورة الإيرانية. لكن مع ذلك ما تزال هنالك محاولة "إنكار" في الخطاب الرسمي الديبلوماسي الأميركي، بل حالة أقرب إلى الشيزوفرينيا بين ما تقوم به الإدارة على أرض الواقع وما تدّعيه في الخطاب السياسي والإعلامي!
هل سينجح ذلك؟! في ظني أنّ الأمور خرجت عن رغبات الإدارة الأميركية، والمأساة السنية في العراق وسورية ستبقى عاملاً أساسياً في تغيير الحسابات والمعادلات، طالما أنّ هنالك تواطؤاً دولياً وإقليمياً، وكومة سياسية عربية تجاه معاناة ملايين البشر في هذه المنطقة!