الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعادة صيانة سايكس– بيكو

إعادة صيانة سايكس– بيكو

15.09.2014
سمير الحجاوي



الشرق القطرية
الاحد 14-9-2014
سمير الحجاويتؤكد الأحداث الجارية في منطقتنا أن العالم العربي يعيش حربا ساخنة، عسكريا وسياسيا، مرشحة للتحول إلى حرب عربية شاملة إذا استمرت وتيرة الأحداث بالتصاعد بنفس سرعة التطورات الحالية.
الناظر في التفاصيل يرى أن العراق وسوريا وفلسطين واليمن وليبيا والسودان والصومال في حالة حرب حقيقية من الناحية العسكرية، ولبنان ومصر في حالة "شبه حرب" والأردن وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا ودول الخليج في حالة "حرب نفسية" لما يعتريها من قلق وعراك ومناكفات وخلافات واختلافات، مما يعني أن العالم العربي كله في حالة حرب فعلية تستهلك الإنسان والموارد وتقضي على الحاضر وتدمر المستقبل، وهي حرب مرشحة للانتقال إلى مرحلة "النيران الملتهبة" مع تشكل الحلف الأربعيني من أجل "القضاء على الدولة الإسلامية". لكن هذا الهدف المعلن يخفي تحته الكثير، فهذا الحلف يرمي للقضاء على الربيع العربي وفكرة الثورة والتغيير والانتقال الديموقراطي للحكم واستئصال التيار الإسلامي كله، سواء كان جهاديا أو سياسيا، ويشمل ذلك حماس والجهاد والإخوان المسلمين، وكل الحركات غير الإسلامية التي تصنف على أنها "راديكالية" تحت لافتة "الحرب على الإرهاب" التي لم تحدد من هو الإرهابي وما هي مواصفاته، مما يجعل منها صفة "أميبية" تتحول من شكل إلى آخر حسب مقتضيات الظروف.
ولكن هل يتمتع تنظيم الدولة الإسلامية بكل هذه القوة والجبروت لحشد 40 دولة في مواجهته، علما أن الاستخبارات الأمريكية قدرت عدد مقاتلي هذا التنظيم بنحو 21 ألف رجل، وهي الدول التي لم تحتشد من أجل وقف جرائم نظام الأسد الإرهابي في سوريا؟ الحقيقة أن هذا التنظيم الهلامي الغامض الذي وصفه القيادي الجهادي أبو قتادة بأنه ليس أكثر من "فقاعة"، ليس أكثر من أداة لإعادة "هندسة العالم العربي" بعد وصول تقسيمات "سايكس – بيكو" إلى حالة من الاهتراء والضعف والتآكل، وهي التقسيمات البريطانية الفرنسية التي حولت العالم العربي إلى شظايا وقطع متفرقة، وزرعت في وسطها كيانا غريبا مصطنعا هو "إسرائيل".
هذه الهندسة بدأت فعليا منذ عام 1990 مع تصريحات رئيسة الوزراء البريطانية مارغريت تاتشر بضرورة "إصلاح الأخطاء التاريخية" التي جعلت من العراق دولة واحدة وتقسيمه إلى 3 دول، ومع نشر وزارة الدفاع الأمريكية "البنتاغون" خارطة للعالم العربي الجديد تضيف مجموعة جديدة من الكيانات السياسية، في سوريا والسعودية ومصر والسودان، وقد نجح الجزء الأول من المخطط في السودان بفصل الجنوب والعمل الآن جار بفصل كردستان عن العراق، وإيجاد كيان للأقباط في مصر، وتقسيم ليبيا إلى 3 دول واليمن إلى دولتين أو 3 دول، والسعودية إلى 5 دول وتفكيك لبنان إلى مجموعة من الكانتونات الدينية وإقامة دولة علوية وأخرى كردية في سوريا، مع التأكيد أن هذه "الهندسة الجديدة" تشير الأبحاث الأكاديمية إلى التنفيذ العملي حسب خرائط أعدوها في الغرب، أحدها نشر على الموقع الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية.
الحرب على الدولة الإسلامية أو ما يسمى " داعش" في العراق وسوريا ليست أكثر من إشارة البدء إلى إطلاق عملية "صيانة سايكس – بيكو" المتآكل، وهي عملية تتضمن عمليات هدم وبناء، وهو يعني هنا "هدم دول وبناء دول أخرى" أو تشكيل دول إضافية مثل دولة جنوب السودان، وهذه عملية تحتاج إلى 40 عاما على الأقل، فاتفاق سايكس- بيكو البريطاني الفرنسي الذي قسم العالم العربي وقع في عام 1916 واتخذ شكله الأولي عام 1948 مع إقامة الكيان الإسرائيلي، واتخذ شكله النهائي عام 1971 مع منح الاستقلال لبعض المناطق العربية وتحويلها إلى "دول مستقلة".
الأمة العربية الآن في مواجهة "عملية جراحية كبرى" للسيطرة عليها لمدة قرن آخر من الزمان، فمؤامرة سايكس –بيكو ضمنت للغرب السيطرة على العالم العربي لمدة 100 عام في القرن العشرين، والترتيبات الحالية لـ "حلف مكافحة الإرهاب" تعني 100 أخرى من السيطرة الغربية على المقدرات العربية في القرن الحادي والعشرين.
هل ستكون معركة سهلة أم صعبة؟ وهل ستتحول إلى حرب عسكرية شاملة تتحالف فيها أنظمة عربية والغرب وإسرائيل ضد التيار الرافض للدكتاتورية والهيمنة الغربية بأدوات عربية؟ أسئلة كبيرة تحتاج إلى إجابات، إلا الشيء الوحيد الواضح وضوح الشمس، هو أن هذه الحرب ستكون طويلة جدا ومكلفة، وستقرر مستقبل الأمة العربية في القرن المقبل.