الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إعلان بوغدانوف

إعلان بوغدانوف

08.12.2014
علي نون



المستقبل
السبت 6-12-2014
ليس قليلاً أن تأتي الإشادة الاستثنائية بـ"إعلان بعبدا" من قبل الديبلوماسي الروسي الرفيع المستوى ميخائيل بوغدانوف، وأن تصل معه الأمور الى حدّ افتراضه صالحاً للتعميم على باقي دول الشرق الأوسط عند مقاربتها النكبة السورية.
يؤكد ذلك الموقف، السياق العام الذي يحكم الوضع اللبناني منذ بدء التحوّل السوري. بحيث ان معجزة بقاء الاستقرار على ما هو عليه قائماً ونسبياً برغم التشوّهات الأمنية المتفرقة، هي وليدة معجزة أكبر تتمثل بالتقاء المختلفين اقليمياً ودولياً بالنسبة الى سوريا، على التوافق إزاء لبنان.
لكن بوغدانوف الذي يبدو حريصا على الوضع اللبناني أكثر من حرص بعض أهله عليه، وتحديداً "حزب الله"، يشطّ نحو السياسة الأحادية عندما ينطلق من لبنان ليعمّم مثاله على غيره. بحيث ان موسكو، مثل طهران، مثل دميتهما في دمشق، يعتبرون ان الموقف "الصحيح" بالنسبة الى كل الدول "المتدخلة" في الوضع السوري، هو أن تكفّ عن ذلك! أي أن تتوقف عن تقديم الدعم للشعب السوري وللقوى التي تقاتل الاسد.. و"إعلان بعبدا" في هذا السياق، يبدو، بالنسبة الى الرفيق بوغدانوف، وصفَة مثلى لذلك الداء!
ولا يُسأل الروسي ولا الايراني عن الازدواجية هنا، باعتبار ان الطرفين كفّا منذ آب من العام 2013 وتبيان حقيقة المقاربة الأوبامية للوضع السوري، عن اعتبار دورهما تدخلاً في شؤون الغير! بل الواقع هو ان حساباتهما راحت باتجاه الافتراض أن من "حقّهما" ان يفعلا في سوريا ما يشاءان طالما ان لا احد يردّهما! وطالما ان لا توازن معقولاً بين تدخلهما وتدخل غيرهما! وطالما ان مستر أوباما طنّش حتى عن استخدام الكيماوي ضد أطفال الغوطة!
.. كان الأصحّ بالنسبة الى الديبلوماسي الروسي أن يغلّف موقف بلاده بشيء آخر غير "إعلان بعبدا". شيء من قبيل "إعلان موسكو" مثلاً، أو "إعلان طهران" أو "شرعة الممانعة".. الخ، لأن الاعلان المحلي (بعبدا) هو إعلان محلّي أولاً. ولأن مقاصده هي بالتأكيد نقيض مقاصد الحلف المضاد للشعب السوري ثانياً! ولئن كان الهدف اللبناني من ذلك الانجاز، ممكنا ومنطقيا ويتوافق مع أحكام العقل وموجبات المصالح الوطنية العليا لكل اللبنانيين، فإن الأمر بالنسبة الى المدار الاقليمي والدولي مغاير تماماً: لولا الدعم الخارجي، على تواضعه وبؤسه وتردّده، لكانت نكبة الشعب السوري أكبر من قدرة أحد على استيعابها في مطلع القرن الحادي والعشرين! في حين، انه لولا دعم موسكو وطهران للسلطة الأسدية، لكانت الدنيا غير هذه الدنيا.. حيث الابادة والعبث والإجرام المستحيل والارهاب الارعن والازدراء الشنيع بكرامة البشر والحياة في اساسها، كل ذلك في مجمله، عناوين متفرقة لموضوع واحد: ممانعة آخر زمن.