الرئيسة \  تقارير  \  إعلان "سمرقند": هل تمهد قمة "شنغهاي" بأوزبكستان لنظام دولي متعدد الأقطاب؟

إعلان "سمرقند": هل تمهد قمة "شنغهاي" بأوزبكستان لنظام دولي متعدد الأقطاب؟

22.09.2022
د. منى سليمان


د. منى سليمان
إنترريجونال للتحليلات الاستراتيجية
20 سبتمبر، 2022
عقدت قمة منظمة شنغهاي للتعاون الـ 22 بمدينة سمرقند بأوزبكستان التي استمرت ليومي (15-16) سبتمبر 2022، بحضور الرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره الصيني “شي جين بينج” وتمثيل 22 دولة آخرى أبرزها (الهند، باكستان، إيران، تركيا)، وقد بحثت القمة تعزيز التعاون الاقتصادي والأمني والثقافي بين أعضائها وكذلك التطورات الآنية بآسيا الوسطى والقوقاز، وانتقدت موسكو وبكين النظام الدولي الأحادي القطبية، ودعت الدولتان إلى تطبيق القرارات الأممية؛ ما يطرح التساؤلات حول أهمية المنظمة ومستقبلها وإمكانية تحولها إلى تكتل دولي منافس للولايات المتحدة الأمريكية؛ ما يؤدي إلى تغير النظام الدولي وتحوله لنظام متعدد الأقطاب.
دلالات رئيسية
أُسست منظمة “شنغهاي للتعاون” عام 2001، وكان هدفها المعلن هو مكافحة “الإرهاب والنزعات الانفصالية والتطرف” بالدول الأعضاء، أما الهدف غير المعلن فكان مواجهة النفوذ الأمريكي والغربي في آسيا الوسطى، وتعد قمة “سمرقند” الأخيرة من أهم القمم للمنظمة نظراً إلى كثافة الحضور الشخصي والعددي لزعماء المنظمة، وطبيعة المتغيرات الإقليمية والدولية الآنية؛ حيث إنها أول قمة تعقد للمنظمة بعد انتهاء جائحة كورونا وتداعياتها على الاقتصاد العالمي، وبعد الانسحاب الأمريكي من أفغانستان وتأثيراته على الأمن بآسيا الوسطى، وكذلك هي أول قمة تعقد في ظل توتر روسي صيني غير مسبوق مع الولايات المتحدة الأمريكية بفعل الحرب الأوكرانية وقضية تايوان، وقد انعكس ذلك على نتائج القمة كما يلي:
1- تكريس التحالف الروسي–الصيني: منح الحضور الشخصي للرئيس الروسي “فلاديمير بوتين” ونظيره الصيني “شي”، قمة “شنغهاي للتعاون” أهمية خاصة؛ إذ إنها أول قمة تجمعهما منذ بدء العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا؛ حيث التقيا شخصيا آخر مرة على هامش دورة الألعاب الأولمبية الشتوية في بكين فبراير الماضي، ووقعا آنذاك بياناً مشتركاً للتعاون الاستراتيجي، وبلغ حجم التبادل التجاري بين بلديهما 200 مليار دولار سنوياً، كما أنها أول قمة حضورية للمنظمة منذ ثلاث سنوات، وخلال لقائهما شكر “بوتين” الصين على “موقفها المتوازن بشأن الأزمة الأوكرانية وأكد أن التوافق بين موسكو وبكين يضمن الاستقرار العالمي والإقليمي”؛ ما يشير إلي تفهم “بوتين” الخلاف في بعض القضايا مع الصين وحرصه على استمرار التنسيق والتعاون معها.
كما جدد “بوتين” التزام روسيا بمبدأ “الصين واحدة” وأدان  الاستفزازات الأمريكية بمضيق تايوان التي تعزز موقف بكين في مواجهة الدعم الأمريكي لانفصال جزيرة تايوان عنها. ودعا “بوتين” إلى تعزيز دور ومكانة منظمة “شنغهاي للتعاون” دولياً، وأكد أن “قمة سمرقند” ستعزز “الشراكة الروسية الصينية”، واتفق معه “جين بينج” وأشار إلى أن “الصين مستعدة لتوفير دعم قوي لروسيا؛ لأن على بكين وموسكو تحمل مسؤولياتهما الدولية بوصفهما قوتين كبيرتين”. وبالتزامن مع ذلك أعلنت موسكو عن تدريبات بحرية عسكرية مشتركة بين سفن البحرية الروسية والصينية انطلقت يوم 15 سبتمبر 2022 بالمحيط الهادئ.
2- سيطرة التوترات الإقليمية: تزامن مع عقد القمة اندلاع ثلاث مواجهات عسكرية؛ ما أضفى توتراً بين أعضائها؛ حيث تجددت الاشتباكات الحدودية بين طاجيكستان وقرغيزستان وأسفرت عن مقتل نحو 71 شخصاً إثر النزاع الحدودي بينهما، وقد عقد رئيسا الدولتين “إمام رحمان” و”صادير جباروف” لقاء على هامش القمة واتفقا على حل النزاع عبر الحوار، إلا أن الاشتباكات لم تتوقف وتم اختراق الهدنة مرتين، كما تجددت المواجهات بين أرمينيا وأذربيجان مرة أخرى وراح ضحيتها نحو 135 شخصاً، فضلاً عن استمرار العملية العسكرية الروسية بأوكرانيا التي انتقدها رئيس الوزراء الهندي مباشرة ” ناريندرا مودي” خلال لقائه “ببوتين” قائلاً: “الآن ليس وقت الحرب”، ليؤكد له الأخير رغبته في “إنهائها بأقرب وقت” ويكشف عن رفض كييف بدء عملية التفاوض.
3- حفاظ دول المنظمة على التوازنات بين موسكو وواشنطن: الجدير بالذكر أن كافة دول المنظمة لم تدعم أو تُدِن موسكو بعد بدء الحرب الأوكرانية، بغية الحفاظ على التوازن في علاقاتها بين موسكو وواشنطن، لا سيما أنها تحتفظ بعلاقات استراتيجية مع روسيا التي يتهمها البعض بالتسبب في اندلاع تلك المواجهات عبر تحريض حلفائها لإشعال فتيل الأزمات الحدودية، بغية التغطية على التقدم العسكري الأوكراني الذي أحرزته كييف مؤخراً؛ حيث استعادت السيطرة على 300 كم شرق البلاد، وكذلك كي يتدخل “بوتين” للتهدئة ويظهر كأنه يعيد الاستقرار والأمن لآسيا الوسطى والقوقاز؛ حيث قام بالفعل بالتحدث هاتفياً مع رئيسي طاجيكستان وقرغيزستان لوقف الاشتباكات الحدودية، وكذلك تحدث مع رئيس الوزراء الأرميني باعتبار موسكو دولة ضامنة لوقف إطلاق النار بين باكو ويريفان.
4- مواصلة التوسع في عضوية المنظمة: أُسست المنظمة عام 2001 من 6 دول هي (روسيا، الصين، كازاخستان، قرغيزستان، أوزبكستان، طاجكستان) وعلى مدى عقدين توسعت أكثر من مرة، ففي عام 2017 ضمت باكستان والهند بعضوية كاملة، وأعلنت 4 دول أعضاء بصفة مراقب (أفغانستان، إيران، منغوليا، بيلاروسيا) و9 دول شركاء للحوار (أذربيجان، تركيا، سريلانكا، كمبوديا، نيبال، أرمينيا، مصر، قطر، السعودية). وفي عام 2021 وافقت المنظمة على بدء عملية منح إيران العضوية الكاملة، وبهذا تكون دول المنظمة تمثل نحو 60% من مساحة أوراسيا ويقطن في دولها نحو 50% من سكان العالم ينتجون ما يقرب من 20% من الناتج الاقتصادي العالمي؛ ما يجعلها أكبر تحالف سياسي إقليمي في العالم بعد حلف الناتو والاتحاد الأوروبي.
وخلال قمة “سمرقند” تم منح (مصر وقطر والإمارات والكويت والبحرين) صفة “شريك الحوار” الدائم للمنظمة وسط ترحيب روسي وإشادة بتطور المنظمة التي ستغطي مناطق جغرافية جديدة، كما تقرر إطلاق مسار انضمام بيلاروسيا عضواً بالمنظمة، وانضمامها يمثل قوة لموسكو؛ لأنها حليفها الوثيق وقد رحب رئيس بيلاروسيا “ألكسندر لوكاشينكو” بالقرار ووصف “منظمة شنغهاي للتعاون” بأنها ستتحول من “منظمة إقليمية إلى منظمة عالمية”، بينما أبدى الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” رغبته في انضمام تركيا عضواً بالمنظمة، وهذا التوسع سيعزز مكانة منظمة “شنغهاي للتعاون” دولياً ويعمق دورها في ضمان الأمن والاستقرار بآسيا الوسطى والقوقاز.
5- تأكيد التعاون المتعدد: أوضح الرئيس الأوزبكي “شوكت ميرضيائيف” رئيس المنظمة الحالي أن “منطقة آسيا الوسطى هي المركز الجغرافي لمنظمة شنغهاي للتعاون” وأن شعار بلاده هو “منظمة شنغهاي للتعاون قوية إذا كان كل منا قوياً”، وبختام القمة نقل رئاسة القمة لعام 2023 للهند، وأصدر البيان الختامي باسم “إعلان سمرقند” وتضمن رفض التدخل الخارجي في شؤون الدول بحجة مكافحة الإرهاب، مع مواصلة العمل للحد من الإرهاب والقضاء بشكل فعال على عوامل انتشاره، ودعت إلى وضع تسوية سريعة للوضع في أفغانستان التي تعد من أهم العوامل لتعزيز الأمن في المنطقة، وأكدت العمل على تعزيز نظام تجاري مفتوح متعدد الأطراف قائم على مبادئ وقواعد منظمة التجارة العالمية، كما رفضت التطبيق الأحادي الجانب للعقوبات الاقتصادية، وأكدت أن دول المنظمة ستهتم بالتعاون الأمني والعسكري فيما بينها لمواجهة التحديات المشتركة، وهذه المرة هي الأولى التي ينص فيها على أهمية التعاون الأمني والعسكري بين أعضاء المنظمة؛ ما ينذر بإمكانية تحول المنظمة إلى حلف عسكري أو  تنفيذ تدريبات عسكرية مشتركة مكثفة بين أعضائها كالتدريبات البحرية الروسية الصينية بالمحيط الهادئ.
مستقبل الدور
آثار نجاح قمة منظمة “شنغهاي للتعاون” بسمرقند التساؤلات حول المنظمة ومستقبلها ومدى تأثيرها في محيطها الإقليمي والدولي. وفي هذا الإطار، يمكن القول إن مستقبل دور المنظمة يرتبط بعدد من المحددات الرئيسية المتمثلة فيما يلي:
1- انعكاسات القلق الأمريكي: لم تُخفِ واشنطن قلقها وتحفظها على انعقاد قمة “شنغهاي للتعاون” لا سيما في ظل عقد قمة منفصلة بين “بوتين – شي”؛ حيث دعا البيت الأبيض ضمنياً بكين إلى رفض دعم موسكو في عمليتها العسكرية بأوكرانيا بقوله: “على العالم كله أن يصطف في مواجهة روسيا”. وأكد منسق الاتصالات الاستراتيجية لمجلس الأمن القومي الأمريكي “جون كيربي”: “نراقب إلى أي مدى سيدعم الرئيس الصيني روسيا؛ لأن بكين لم تتحرك بعد لدعم بوتين مادياً ولم تنتهك العقوبات المفروضة على موسكو”، هذا بينما كشفت مصادر بالبيت الأبيض أن الرئيس الأمريكي “جون بايدن” قد هدد نظيره الصيني بمحادثة هاتفية بسحب الاستثمارات الأمريكية من الصين إذا قدم دعماً لروسيا. وهذا القلق الأمريكي الواضح من تداعيات التحالف الروسي الصيني يؤكد أهمية هذا التحالف والدعم الصيني لموسكو لمواجهة الضغوط الأمريكية على الدولتين.

2- سياسات مراكز النفوذ الجديدة: وُصفت قمة “شنغهاي للتعاون” بأنها “مجموعة خصوم واشنطن” المفروض عليهم عقوبات اقتصادية أمريكية ودولية وهم (روسيا، الصين، إيران، بيلاروسيا)؛ ما دفع الرئيس الإيراني “إبراهيم رئيسي” الى الدعوة “لإبطال العقوبات الأمريكية الشديدة القسوة عبر طرح حلول جديدة”. وقد أظهرت قمة “شنغهاي” بسمرقند تصاعد النفوذ الصيني بآسيا الوسطى؛ حيث استُقبل “جين بينج” بمظاهر احتفالية ضخمة ووصفه المضيف الرئيس الأوزبكي بأنه “أعظم رجل دولة”، وعقد لقاءات ثنائية مع كل رؤساء الدول الذين حضروا القمة، واتفق معهم على استمرار تنفيذ المشروعات التنموية الصينية كخطوط السكك الحديدية التي تربط بين “الصين – طاجيكستان – أفغانستان”، والطرق السريعة وخطوط نقل الطاقة من كازاخستان وأوزبكستان للصين، وكذلك استمرار المشروعات الخاصة بانضمام تلك الدول إلى مبادرة “الحزام والطريق”،؛ حيث تعد بكين المستثمر الأول بدول آسيا الوسطى، وترتبط بعلاقات استراتيجية مع إيران وروسيا.
كما أشاد “بوتين” في كلمته بالقمة بما وصفها “مراكز النفوذ الجديدة التي يتعاظم دورها بشكل متزايد” وندد بالمحاولات الغربية الهادفة إلى إقامة “عالم أحادي القطب؛ لأنها اتخذت في الفترة الأخيرة شكلاً سيئاً للغاية وغير مقبولة بتاتاً”، وعرض “بوتين” حل أزمتي الغذاء والطاقة عبر ضمان وصول 300 ألف طن من الأسمدة الروسية المتراكمة في الموانئ الأوروبية مجاناً إلى الدول النامية، بينما دعا “جين بينج” “إلى قيام نظام دولي أكثر عدلاً وعقلانية يضع الأمم المتحدة في صلبه ويستند إلى القانون الدولي”؛ ما ينذر بأن تتحول المنظمة إلى نواة لتغيير النظام الدولي الحالي من أحادي القطب تهيمن عليه الولايات المتحدة الأمريكية إلى متعدد الأقطاب تصبح فيه “دول شنغهاي” منافساً عسكرياً واقتصادياً لواشنطن، لا سيما أن المنظمة تضم كافة الأقطاب الدولية الكبرى مثل الصين وروسيا والهند.  
3- حدود تأثير التباينات الداخلية بين الأعضاء: رغم النجاح الذي حققته “قمة سمرقند” فإن هناك عدداً من التحديات المستقبلة التي تواجه منظمة “شنغهاي للتعاون” وربما تحول دون تطويرها وتقدمها، لعل أبرزها أنها تضم عدداً من المنافسين الإقليميين ومنهم (الهند والصين، الهند وباكستان، طاجيكستان وقرغيزستان)، كما ترفض بعض الدول توسع المنظمة؛ حيث ترفض طاجيكستان انضمام إيران إلى المنظمة، بالإضافة إلى استمرار عدم الاستقرار بأفغانستان؛ ما يهدد بانتشار التنظيمات الإرهابية والجريمة المنظمة والاتجار بالبشر والمخدرات بدول آسيا الوسطى، فضلاً عن التنافس المستتر بين روسيا والصين والتحفظات بينهما حول مناطق النفوذ؛ إذ يثير التمدد الصيني في آسيا الوسطى التي تعتبر منطقة نفوذ روسية تقليدية قلق موسكو، وكذلك تنتقد موسكو طموحات بكين في القطب الشمالي، فروسيا والصين تتفقان على مواجهة النفوذ الأمريكي، ولكن مع ذلك يختلفان ويتنافسان في عدة أقاليم وملفات تمتد إلى الشرق الأوسط والقارة الأفريقية.
كما يسود بين أعضاء المنظمة مخاوف من الدعم الروسي للأقاليم الانفصالية والأقليات الروسية بها؛ لذا رفضت كافة دول المنظمة مطالبة موسكو لها بالاعتراف باستقلال إقليم أوسيتيا الجنوبية عن جورجيا 2008 وشبه جزيرة القرم 2014 وإقليم الدونباس 2022 عن أوكرانيا؛ حيث تخشى الصين انفصال إقليمي شينجيانج والتبت وجزيرة تايوان عنها، وتخشى كازاخستان انفصال إقليم الشمال الحدودي مع روسيا وغالبية سكانه من الروس، وكذلك تخشى أوزبكستان انفصال إقليم كاراكالباكستان والأقاليم التي يسكنها الطاجيك، بينما تتخوف طاجيكستان وقرغيزستان من النزعات الانفصالية للأوزبك الذين يعيشون فيهما لا سيما بالمحافظات الحدودية.
خلاصة القول أن الحضور الشخصي لقادة دول “منظمة شنغهاي” بقمة سمرقند يؤكد تصاعد أهمية المنظمة وإقليم آسيا الوسطى دولياً في المرحلة المقبلة، ونتائج القمة تؤسس لرغبة روسية صينية في إنهاء القطبية الأحادية والتحول إلى نظام دولي متعدد الأقطاب، وإذا استمر التنسيق بين موسكو وبكين ربما تنجحان في تحقيق ذلك.