الرئيسة \  تقارير  \  إلى متى ستزين ألمانيا وأمريكا تشوهات إسرائيل في نظر العالم؟

إلى متى ستزين ألمانيا وأمريكا تشوهات إسرائيل في نظر العالم؟

18.12.2022
القدس العربي

إلى متى ستزين ألمانيا وأمريكا تشوهات إسرائيل في نظر العالم؟
القدس العربي
السبت 17-12-2022
لوصف تغيير الاتجاه الذي تقوم به إسرائيل في الوقت الحالي، نحن بحاجة إلى كتاب وليس إلى مقال، مكتوب في مقدمته “يمكن تشبيه إسرائيل بمن أصيب بكارثتين طبيعيتين، هزة أرضية تهز كل مباني الحكم من الأعلى، وجفاف كبير للمحيط الديمقراطي الذي يكشف أسساً إشكالية لهذا المبنى من الأسفل”.
من الأعلى، مثلما في بولندا وهنغاريا، تريد الحكومة القادمة في إسرائيل إضعاف أو استبدال جميع حراس العتبة التقليديين: جهاز قضاء مهدد، شرطة أصبحت سياسية، وسائل إعلام تهاجم، وتعليم ينتقل إلى يد الدوغمائية، الدينية والمتطرفة. ومن الأسفل، تقتحم أنقاض الديمقراطية قوى ظلامية ثلاث، هي: التفوق العرقي اليهودي، والأهداف الدينية والمسيحانية لمكونات الائتلاف، وإنقاذ بنيامين نتنياهو من الحكم الجنائي.
وهذا لم يحدث في يوم واحد، بل مراكمة لعوامل وظروف قوية ومهمة، تجري في إسرائيل منذ تشكيلها ثلاث حروب باردة، وهي: الصراع بين الاستقلال اليهودي والنكبة الفلسطينية؛ والتوتر البنيوي بين السيادة الحاخامية والديمقراطية التي تنتمي لكل المواطنين؛ والحرب بين المحافظة الراسخة والليبرالية المنفتحة. وهي صراعات لم تحسم بشكل متعمد، لكن لم تحدث أي محاولة للمس بجوهر الديمقراطية. رؤساء حكومة من اليمين تجنبوا الذهاب إلى أقصى أيديولوجيتهم من خلال حكمة موليير بأن “المنطق السليم يتجنب أي تطرف”.
حتى الآن، هزم المنطق الإسرائيلي داخل صناديق الاقتراع في الانتخابات الأخيرة، وكل صورة للتطرف الأصولي تحولت إلى شريكة في أكل لحوم البشر المتوحش، وهي مدعوة من قبل نتنياهو لقضم شرائح طرية من جسد الديمقراطية الجريحة. كل شيء حلال من أجل إنقاذه من الإدانة الجنائية والسجن المخجل.
كل العوامل حاضرة هنا منذ زمن، لكنها لم تتجمع كما تتجمع اليوم. حتى الآن، الجميع هنا أنواع من مارتن نملر، ينكرون الواقع ولا يتطرقون إلى مظالم الآخرين ما دامت منطقة راحتهم محمية ومحافظاً عليها. احتلال يتم إنكاره، وسيطرة دينية على الديمقراطية، وتمييز، وعنف في الشوارع ومظالم حكم… كل ذلك يتم إنكاره؛ لأن الإنكار شرط ضروري لوجود الراحة. وفجأة يتحطم هذا الإنكار، وأخيراً يخرج الواقع الحقيقي إلى النور. هذا فظيع ومحرج ومدهش. أخيراً، يمكن مواجهة الحقيقة النقية، بدون دحرجة العيون وبدون توارع. هنا نظرية تفوق عرقي، واحتلال فاسد، وديانة يهودية لا تعرف كيفية مواجهة سيادة اليهود ومبدأ “شعب الله المختار”، الذي يناقض مبدأ الديمقراطية الذي يقول بأن لكل ناخب صوتاً متساوياً.
لولا حماية ألمانيا والولايات المتحدة المطلقة لأصبحت التشويهات الإسرائيلية مدانة منذ زمن. وبفضل الفيتو التلقائي، يمكن لإسرائيل أن تكون الدولة الوحيدة في العالم الغربي التي تنكر الحق الديمقراطي لملايين الفلسطينيين من عشرات السنين، وتتصرف في المناطق المحتلة مثلما تتصرف روسيا في أوكرانيا، ولا تعرف لماذا يدافعون الجميع عنها؛ وتمتلك ترسانة من القنابل النووية (التي يتم إنكارها بالطبع)، وتريد احتكاراً لهذا الإنكار حتى يكون لدينا فقط سلاح للدمار الشامل؛ وتسمح للدين بأن يملي قيود المواطنة والحريات، وتعتقد أن هذا “انفتاح”.
سيتبين أمران على الأقل مع اليمين المطلق في الحكم: الأول، هل اليمين قادر حقاً على تجسيد سياسته، وحل السلطة الفلسطينية وضم المناطق المحتلة وتطبيق عقوبة الإعدام على الإرهابيين والدفع قدماً بفكرة أن إسرائيل دولة شريعة وتحويلها إلى الجمهورية اليهودية الدينية؟ الثاني، أين يقف العالم، هل ستواصل شبكة الأمان التلقائية المعطاة لإسرائيل خدمة هذه الحكومة غير الليبرالية وغير الديمقراطية أيضاً؟ هل سيتواصل غض النظر المنافق إزاء إسرائيل الآخذة في أن تصبح مثل تركيا، أو على الأقل هنغاريا، أو يستيقظ أحد ما في العالم أخيراً ويقول كفى! يوجد يهود عنصريون، يوجد احتلال فاسد، توجد جرائم قومية متطرفة لم نعد مستعدين لمواصلة تحملها.
بين هذه وتلك، بين القومية المتطرفة الإسرائيلية التي تغازل العنصرية والفاشية، وبين العالم الغربي الذي ربما سيضطر إلى فتح عيونه المغمضة بقوة، فإن أساس المهمة ملقى علينا، نحن الإسرائيليين الديمقراطيين والليبراليين غير المستعدين للاستسلام وقبول اليأس كخطة عمل. نحن في هذه الأثناء نقيم البنية التحتية لسياسة إسرائيل الجديدة. بنية الفكرة التي تنظمها هي بنية دستورية ومدنية، وليست قومية أو عرقية. هذا عمل من خلال الإيمان بأن الديمقراطية تعود لكل مواطنيها، وأن لكل فرد وجماعة حقاً في هذه الحقوق في كل مكان تسري فيه سيادة إسرائيل. ما زلنا أقلية، لكن المستقبل لنا. لأن الشر له الحاضر، وهذا يكفي.
بقلم: أبراهام بورغ
هآرتس 16/11/2022