الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إنقاذ تاريخنا في سوريا

إنقاذ تاريخنا في سوريا

21.07.2013
فايز الفايز

الرأي الاردنية
الاحد 21/7/2013
 بعيدا عن المجازر اليومية  ،فإن ما يحدث في سوريا من تدمير ممنهج ضد المعالم الإسلامية التاريخية  هو كارثة  تحت ستار الصمت على تدمير آثار دخلت لائحة التراث الإنساني رغم صمودها مئات السنين ، ولا تزال شاهدة على تاريخ سوريا العربي الإسلامي ، وعمق الحضارة في بلاد الشام  ، واليوم في ظل تلك الحرب الظالمة ضد المدنيين في حلب وحمص  وغيرها من المناطق يجري استهداف  ممنهج للمساجد  التاريخية في كافة أنحاء المدن السورية ، ولعل مناطق عدة من سوريا تقع ضمن لائحة التراث الإنساني تتعرض يوميا لقصف مدفعي دون رادع ولا وازع من مسؤولية أو أخلاق وطنية .
لقد طال التدمير أجزاء من آثار المدينة القديمة في دمشق والتي تعد أقدم مدينة مأهولة في العالم وأقدم عاصمة في التاريخ حيث سجلت عام  1979 مـ  على لائحة التراث العالمي لمنظمة اليونيسكو ، و تقع داخل أسوار المدينة  التاريخية، المباني والبيوت التاريخية والأوابد التي تعود لعصور متعددة ، إضافة الى الجوامع و الكنائس والحمامات العامة  التاريخية ، وكان يكفيك نهار واحد أو جزء منه للسير الممتع في الطرقات والأزقة التي تخترق الأحياء القديمة لتحس برهبة المكان الذي مشى فيه  قادة عظام  ، ملوك و خلفاء وأمراء وصحابة  أجلاء وقديسين وعلماء تاريخيين.
أما مدينة حمص التي شهدت أشرس وأعنف المواجهات والقتال خلال الفترة الأخيرة ، فقد سقط جامع خالد بن الوليد مكسورا تحت وابل الأحقاد التي تغذيها الألة العسكرية ، فقد تعرض المسجد التاريخي ومقام الصحابي الخالد سيف الله المسلول ،الى الهدم قصفا ، و يبدو ان كل السيوف اليوم تطعن في خاصرة الحاضرة الإسلامية العربية في سوريا  وغيرها ، فالجامع يضم مسجدا ومقاما لابن الوليد ويقع في منطقة الخالدية شمال شرق مدينة حمص الوادعة  بأهلها ، وقد كان شاهدا حضاريا طيلة عقود طويلة و قد زرته قبل خمس سنوات فلا أجمل من تلك الأرض ، التي تحولت إلى أشلاء مكانية وبشرية
 كذلك تعرض الجامع الأموي  أكبر جوامع المدينة التاريخية  للتدمير  ، حيث اكتسب شهرة على مستوى العالم الإسلامي، نظراً لما احتوى من زخرفة العمارة الإسلامية والطراز العمراني القديم، إضافة إلى كونه عملاً معمارياً  حمل  من كل العصور التاريخية الإسلامية شاهد  على الأقل في بنائه ، كما احتوى على آثار هامة , كسدة من الخشب المزخرف بالألوان  تشير إلى عصر بانيها القائد «قره سنقر كافل حلب» (681 هـ / 1281 م)  و يعود المنبر إلى عصر الملك الناصر محمد، وصانعه محمد بن علي الموصلي، وهو من أجمل المنابر المزخرف بالنقش العربي الهندسي مصنوع من خشب الأبنوس والعاج والنحاس البراق ويعود محرابه إلى عصر السلطان قلاوون ، وفيه مصاحف شريفة كتبها كبار الخطاطين السوريين والأتراك القدماء ، وفيها قناديل قديمة مذهبة ومفضضة وقواعد شمعدان أيضاً تعود إلى أكثر من ستة قرون !
حلب شهدت حادثتين تاريخيتين تعرضت فيهما المساجد والأحياء للحرق  الأولى على يد الإمبراطور الروماني « نقفور لوكاس « عام ٩٦٢ م الذي أحرق المسجد العمري ،  والثانية  على يد « تيمورلنك « عام ١٤٠٠ م وهاهي اليوم بعد  1050 عاما  تعود الزلازل البشرية لتلك الحاضرة ،  فقد تعرض كذلك وسوق ومسجد «الحميدية « لتدمير أهم ملامحه ، وهو المبني في حدود سنة 1305 هـ وكذلك جامع الدباغة العتيقة الذي ترجع منارته إلى القرن الثالث عشر ، إضافة إلى مقامات الصالحين في المغر حيث قبر الإمام الترمذي  ومسجد بلال بن رباح
فلنسأل إذا : لماذا عندما يختلف بعضنا مع بعض يسعى طرف الى «إحراق البلد « نكاية بالآخر ؟
ومثالنا سوريا التي يريدونها أرضا محروقة بلا تاريخ ولا مستقبل ، ولماذا لا يتحرك العالمين العربي والإسلامي  والمنظمات العالمية على رأسها اليونسكو لحماية التراث التاريخي في سوريا ، الى جانب دماء الأبرياء والمآسي التي يتعرض لها الشيوخ والنساء والأطفال الذين يموتون بالمئات ويهاجرون إلى المجهول هربا من « حماة الديار» ، وحتى نعرف  بالمناسبة أن الخونة والعملاء لا يبنون أوطانا ولا يحمونها مهما وزعوا ابتساماتهم علينا ، فلنتعض  من غيرنا نحن أيضا .