الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إنقاذ ما تبقى من سوريا

إنقاذ ما تبقى من سوريا

27.08.2014
د. خالص جلبي



الاتحاد
الثلاثاء 26/8/2014
طرح معاذ الخطيب مبادرة تحت عنوان "نحو إنقاذ سوريا"، أو بالأصح ما تبقى من سوريا، كما أن مستشاراً سابقاً للأسد دعا إلى شيء شبيه بهذا، وضرورة أن تتحرك الغالبية الرمادية لتشكيل حكومة جديدة وجيش وطني خارج الموالاة والمعارضة.
وحسب الاستراتيجي الصيني القديم "صن تزو" Sun Zu في كتابه الشهير "فن الحرب" Art of War فالفوز في الحرب أربع مراحل، أكثرها مكراً وذكاء، هو الهجوم على الاستراتيجيات، ثم التحالفات، ثم الجنود، وأصعبها وأحفلها بالمعاناة مهاجمة القلاع الحصينة.
ينقل المفكر الجزائري مالك بن نبي عن فيلسوف صيني أنه رأى امرأة تبكي! فأرسل تلميذه يسألها عن سبب البكاء؟ قالت إنه الأسد! البارحة أكل زوجي، وقبله أبي، ومن قبل طفلي! عجيب قال الفيلسوف ولماذا تسكنين هنا حيث الأسد؟ لماذا لم تغادري هذه الأرض حيث يفترس الناس؟ أجابت لأنه توجد حكومة ظالمة! ضرب الفيلسوف يداً على يد، وقال الحق أقول لكم إن الحكومة الظالمة أفظع على الناس من الضواري والأسود!
وفي سؤال ثانٍ من الفيلسوف أيهما أهم الثقة أم المعدات، والأسلحة أم الغذاء؟ احتار التلاميذ في الجواب! قال الفيلسوف كله قابل للتعويض إلا الثقة، فإذا غابت هي غابت معها شمس الإبصار فدخل الناس الظلمات. وفي كتاب "القوة" للفيلسوف "برتراند راسل" فصل عن جدلية الخروج من الغابة وبناء الدولة، وأنها معضلة حقيقية بين فوضى الغابة وطغيان الدول. وأن الجنس البشري تورط في بناء الدول فدخل قفصاً حديدياً محكماً محروساً بلهيب نار يتقلب.
وحسب "ديفيد ليش" في كتابه "سقوط مملكة الأسد" نقلاً عن جورباتشوف، وكيف وصلوا إلى التخلص من الستالينية باتجاه الديمقراطية، أن هذه المرحلة الانتقالية تحتاج إلى قيادتين، الأولى قادرة على التنازل عن السلطة، والثانية طبقة منظمة وواعية وقادرة على أن تتحمل ثقل السلطة الجديدة.
ومن خلال القوانين السابقة يمكن ضغط معنى هذا الكلام في ثلاث معادلات: أن الوصول إلى وضع جديد في سوريا من خلال حوار يحتاج إلى جسر متين من الثقة. وأن الحوار يجب أن يكون من أطراف المعادلة الحاكمة في الصراع. وأن من يصل إلى قرار ينبغي أن يكون عنده من وسائل التنفيذ ما يمكن أن يحيله إلى واقع وتطبيق.
ولو طبقنا هذا على النخبة الموجودة في سوريا، وهل عندها قدرة على التنازل ولمن؟ لكانت الإجابة أنه لا توجد حتى اليوم لا نخبة تتنازل، ولا نخبة تتسلم، وأرجو أن أكون مخطئاً.
ومبادرة الخطيب أخلاقية وكذلك أفكار المستشار السابق، ولكن السياسة، على الأقل حتى اليوم، لا تخاض بالمواعظ، بل بقوانين التوازنات والمصالح.
وحسب قوانين المنظّر الصيني "صن تزو" فإنه من الضروري أن تدخل دماغ خصمك لتعرف كيف يفكر؟ ثم يجب أن تفهم طبيعة التحالفات وضغوطها؟
ثم يبقى السؤال.. من يحكم سوريا يا ترى؟ كان هذا هو السؤال الذي وجهته يوماً إلى طبيب علوي في مرتفعات عسير؟ كان جوابه: هم بالتأكيد ليسوا علوية حمص؟ ومن العجيب أن الاقتتال الذي نراه في ليبيا يقول إنه لا يوجد علوية هناك؟ فلماذا يقتتل الليبيون إذن؟
من ماذا يخاف النظام السوري؟ ما ذا يأمل بعد ثلاث سنوات من الصراع ودخول السنة الرابعة؟ كم عدد الأصابع التي تلعب بالنار في الساحة السورية؟
من أجل إنقاذ سوريا، بكل أخلاقية، وأن النظام قبل التفاوض بل التنازل، لنفترض أن المستحيل ليس مستحيلاً! هل يا ترى سيقف الاقتتال، وكلا الطرفين يرى أنه على حق، وأن الآخر باطل ومجرد عصابات إرهابية؟ بعد بحر الدماء هذه، وكل الدمار، هل ثمة طريقة للغفران؟
هل يمكن الوصول إلى صيغة تفاوضية كما حصل في جنوب أفريقيا من خلال ما عرف بالمصالحة والتأهيل، فكان من قَتَل يحضر أمام من خسروا ابنهم ليسامحوه؟ هل يمكن أن يحصل مثل هذا في سوريا؟ أم أننا في طريق اللاعودة؟ لنفترض كم سيموت بعد حتى نتوقف عن القتل؟