الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إنها الردة.. اقطفوا الرؤوس!

إنها الردة.. اقطفوا الرؤوس!

11.01.2014
محمد أبو رمان


الغد الاردنية
الخميس 9/1/2014
استمعت أمس لخطاب مسجل (قرابة 37 دقيقة) للمتحدث باسم "الدولة الإسلامية في العراق والشام" (داعش) أبو محمد العدناني، يعلّق فيه على مجريات الصراع الدموي الدائر في المناطق الشمالية في سورية، بين هذا التنظيم (الذي انشقّ عملياً عن "القاعدة" الأمّ بقيادة أبو بكر البغدادي) وبين الفصائل الإسلامية الأخرى؛ الجبهة الإسلامية وجيش المجاهدين، وفصائل من الجيش الحرّ!
خطاب العدناني هو، عملياً، الجواب السلبي على المبادرة التي أطلقها زعيم جبهة النصرة، أبو محمد الجولاني (الممثل الشرعي لـ"القاعدة" في سورية!)، عبر خطابه الذي حمل عنوان "الله.. الله في ساحات الشام"، وتحدث فيه عن الأخطاء في سياسة "داعش"، ودعا إلى تشكيل هيئة للفصل في الخصومات، وتجنيب سورية إراقة دماء المدنيين والأبرياء والمقاتلين ضد النظام السوري.
مبادرة الجولاني أيدها الدكتور إياد القنيبي، أحد أبرز الشخصيات الإسلامية الأردنية، التي تحظى بكلمة نافذة ومسموعة في الأوساط السلفية في سورية؛ سواء جبهة النصرة أو حتى الجبهة الإسلامية، ويلقى هجوماً عنيفاً من أنصار "داعش" في "المنتديات الجهادية". وحتى التيار السلفي الجهادي الأردني منقسم على نفسه بين مؤيد لـ"الجبهة" وآخر لـ"الدولة"، هنا وهناك في سورية؛ إذ اتصل أحد الأردنيين المقاتلين مع "الجبهة" مع أهله من حلب، وأخبرهم أنهم يقاتلون اليوم "داعش"!
بالعودة إلى خطاب العدناني، المتحدث باسم "داعش"، ما المرعب فيه؟
بكلمات مختصرة معدودة، فإنه يعتبر أنّ كل من يقاتلهم اليوم من الفصائل الإسلامية وغيرها، هم من "الصحوات" والمرتدين، ويتوعد بقطف رؤوسهم وقتلهم واستباحة دمائهم. ويضيف إليهم الجيش الحر والائتلاف الوطني بطبيعة الحال، ويدعو إلى قطع رؤوسهم وقتلهم، ويؤكّد بأنّ التنظيم لن يتنازل، وسيخوض الحرب إلى النهاية!
يكفي الوقوف على السطر التالي للتعرف على جوهر هذا الخطاب: "اعلموا أن لنا جيوشا في العراق. وجيشا في الشام من الأسود الجياع؛ شرابهم الدماء، وأنيسهم الأشلاء، ولم يجدوا في ما شربوا أشهى من دماء الصحوات".
بعد ذلك لا تحدّثني، يا صديقي، عن موضوع الديمقراطية والحريات العامة والدولة المدنية، والشراكة الوطنية. فمن باب الترف ونافلة القول، على رأي أهل الأدب، أن نتحدث عن موقف العدناني والبغدادي وهذا الخطاب منها؛ فهي تهمة قائمة بذاتها لمن ينادي بها أو يتبنّاها، وكفر واضح صريح، حتى إنّ أحد أنصارهم في الأردن أصدر تسجيلاً يرى أنّ ميثاق الجبهة الإسلامية السلفية نفسها فيه كفر وخروج عن الدين!
المفارقة أنّ الفرضية الدارجة، في أروقة هذه الفصائل، تطغى عليها جميعاً نظرية المؤامرة "المتبادلة"! فـ"داعش" ترى بأنّ ما يحدث مؤامرة مدبّرة مسبقاً، واستنساخ لتجربة الصحوات. وقد أصدرت أفلاماً وثائقية مطولة. والآخرون يرون أنّ "داعش" هي المؤامرة الإيرانية والسورية، وهو ما ألمح إليه وزير العدل العراقي، الذي اتهم المسؤولين العراقيين بالتواطؤ في عملية تهريب سجناء أبو غريب، لإنقاذ النظام السوري عبر "تصنيع القاعدة"!
ما يحدث ليس انتصاراً للنظام الإجرامي في دمشق، بل هو أخطر بكثير من ذلك. هو إيذانٌ برياح التطرف التي ستجتاح المنطقة، حتى تصبح "القاعدة" والجولاني بالنسبة للبغدادي والعدناني، متهاونين متواطئين مع المؤامرة. وهو خطاب يمثل، بالمناسبة، الامتداد الشرعي لميراث أبو مصعب الزرقاوي؛ فماذا سيكون توصيف جماعة الإخوان المسلمين، مثلاً، في هذا الخطاب؟! وما هو الموقف من الأنظمة الحاكمة؟!
من يتاجر بالتطرف بوصفه طوق النجاة، هو الجاني الحقيقي عن وصول آلاف من أبنائنا إلى هذه القناعات، لتختطفهم رياح هذه الجماعات. فأين البديل السياسي والأخلاقي والديني والثقافي أمام مجتمعاتنا، حتى لا نغرق في بحار الفوضى والتطرف والانهيار المتعدد الأبعاد؟