الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إنه المخيم يا أبناء الفنادق

إنه المخيم يا أبناء الفنادق

29.03.2014
فراس عبد الحميد برهم


القدس العربي
الجمعة 28/3/2014
منذ سنوات وتحديداً من بداية الثورة السورية قررت التوقف عن الكتابة، توقفت حزناً وغضباً وخجلاً، توقفت لأني بحثت طويلاً عن مفرداتٍ تكون بحجم حزني وغضبي فلم أجد، وبحثت عن كلماتٍ تعادل مأساة سوريا وملهاتها فلم أجد، فقررت الصمت. وكنت مقتنعاً بصمتي لشهور طويلة مضت، أكابد الإصرار الذي في داخلي وكل نزعات الكتابة التي تنتابني وأظل أكرر لنفسي بأن لا شيء قادرا على وصف المأساة السورية أبلغ من الصمت، تلك المأساة التي أطاحت بآخر الحضارات العربية وأجملها، فتهنا وتاهت دمشق بنا بين أطراف المعادلة السورية من مشرق الأرض إلى مغربها، وآخر هذا التيه كان مخيم اليرموك.
ولعل مخيم اليرموك هو ما أخرجني عن صمتي أخيراً، وأخرجني عن حزني وغضبي بحزنٍ وغضبٍ أشد، بعدما قرأت لشهور طويلة كم الهراء الذي طال هذا المخيم من كتابات افتقرت إلى أدنى مقومات الإنسانية. قرأت ذ شأني شأن الكثيرين ذ ما كتب العديدون حول مخيم اليرموك ومأساته التي بلغت حد السماء وطرقت أبوابها بشدة واستنكار، فيخرج علينا أحدهم ليوضح – بحكم خبرته السياسية العريقة مقارنةً بجهلنا – دور النظام السوري في هذه الكارثة، وبعده يأتي علينا آخر ليقدم تحليلاً استراتيجياً رصيناً حول مسؤولية المعارضة السورية عن مصيبة المخيم، وكلهم يكتبون عن الاستراتيجيا والتحالفات والمجتمع الدولي إلا أنهم في غفلة تامة عن الإنسان، فإبن المخيم لا يريد سوى رغيف من الخبز لأبنائه الجوعى، ولا يكترث لاستراتيجياتكم وتحليلاتكم وإعلامكم الأجير أيها المنافقون، إبن المخيم يريد قليلاً من الإنسانية أيها المتطفلون، ولتذهب كل تحليلاتكم إلى جهنم ما دام هناك طفل أو إمرأة يموتون جوعاً وحزناً وقهراً، ولتذهب إلى جهنم كل الأنظمة وكل المعارضات وكل الفصائل ما دام هناك فلسطيني يموت جوعاً في زمن لم تبلغ به سفالة العدو الصهيوني هذا المبلغ بأن يقتل الفلسطينيين جوعاً، فهل هناك كفر أشد من هذا الكفر، أفلا تستحون حين تكتبون عن المخيم يا أبناء الفنادق؟!
ولمن نسي من الناس أذكركم بأن المخيمات كانت ولا تزال مدارس الشرف والكرامة والصمود للوطن العربي كافة، وللإنسانية جمعاء، فمن هذه المخيمات قرأنا ورأينا وتعلمنا كل مفردات البطولة التي كنا نحسبها سِيَراً في كتب الأولين أو قصصاً من التراث لا غير. ولمن نسي أيضاً أذكركم بأن تلك المخيمات ذ ودرّتها مخيم اليرموك ذ كانت خط الدفاع الأخير عن بقايا العذرية العربية التي انتهكت منذ زمن بعيد، أفلا تستحون ؟!!