الرئيسة \  مشاركات  \  إنه ينادينا -7

إنه ينادينا -7

04.07.2013
الدكتور عثمان قدري مكانسي




(( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ ۚ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ )) (153) سورة البقرة.
أمر المسلم عجيب ، يربح في اليسر والعسر ،والسراء والضراء عندما يكون رضا الله سبحانه نصب عينيه، ولعلنا نذكر قول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح الذي يرويه صهيب بن سنان" عجبًا لأمرِ المؤمنِ ، إنَّ أمرَه كلَّهُ له خيرٌ، و ليس ذلك لأحدٍ إلا للمؤمنِ ، إن أصابتْهُ سرَّاءُ شكر وكان خيرًا لهُ ، و إن أصابتْهُ ضرَّاءُ صبرَ فكان خيرًا له" فما يُقضى له بشيء فيرضاه ويحتسب أجره عند الله تعالى إلا فاز وأفلح.
تقف في صلاتك بين يدي الله سبحانه تعلن الحب والإيمان والخضوع له ، وتسأله العون في أمورك فتلجأ إلى ملاذ أمين وحصن حصين، ولك أن تقف بباب الكريم في كل لحظة من حياتك لا يردّك عنه مانع ، إنما يحب الله سبحانه أن تلِحَّ في التقرب منه،على عكس صلتك بالمخلوق الذي يتأفف إن لزمته ويأنف أن يجيب سُؤلك ويضجر منك:
 
لا تسألنّ الناس أدنى حاجـة      وسل الذي أبوابُه لا تُحجـبُ
فالله يغضب إن تركتَ سؤاله      وإذا سألت المرءَ يوماً يغضبُ
 
والصبر دليل عزم وقوة شكيمة ، وهو ثلاثة أنواع :
1- فصبر على ترك المحارم والمآثم،
2- وصبر على فعل الطاعات والقرُبات ،
3- وصبر على المصائب والنوائب ولعله المقصود الأول هنا.
قال أحدهم : الصبر في بابين : الصبر لله بما أحب وإن ثقل على الأنفس والأبدان، والصبر لله عما كره وإن نازعت إليه الأهواء ،فمن كان هكذا فهو من الصابرين الذين يسلم عليهم إن شاء الله
وقال علي بن الحسين زين العابدين إذا جمع الله الأولين والآخرين ينادي مناد: أين الصابرون؟ ليدخلوا الجنة قبل الحساب ؟ قال فيقوم عنق من الناس فيتلقاهم الملائكة فيقولون إلى أين يا بني آدم ؟ فيقولون إلى الجنة فيقولون وقبل الحساب ؟ قالوا نعم قالوا ومن أنتم ؟ قالوا نحن الصابرون.  قالوا وما كان صبركم ؟ قالوا صبرنا على طاعة الله ،وصبرنا عن معصية الله حتى توفانا الله .قالوا أنتم كما قلتم ،ادخلوا الجنة فنعم أجر العاملين. ويشهد لهذا قولُه سبحانه " إنما يوفّى الصابرون أجرهم بغير حساب"
يذكر الطبري في تفسيره لهذه الآية : (فإنكم بالصبر على المكاره تدركون مرضاتي , وبالصلاة لي تستنجحون طلباتكم قـِبَلي وتدركون حاجاتكم عندي ، فإني مع الصابرين على القيام بأداء فرائضي وترك معاصيّ , أنصرهم وأرعاهم وأكلؤهم حتى يظفروا بما طلبوا وأملوا قِبَلي) .
إننا بالصبر والصلاة نستعين على مصائب الحياة وننال الأجر العظيم " إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب "
قال سعيد بن جبير: الصبرُ اعترافُ العبد لله بما أصاب منه واحتسابه عند الله رجاء ثوابه ، وقد يجزع الرجل وهو متجلد لا يرى منه إلا الصبر .
ولعل من أنواع الصبر ( الصيام) لقوله صلى الله عليه وسلم " والصبر ضياء" وفسره العلماء بالصوم وترك الملذّات وأطايب الطعام والشهوات. والصيام من عزائم الصبر.
وما أروع الفاصلة التي أنهت الآية ( إن الله مع الصابرين) فمعيّة الله سبحانه أعلى ما يرجوه المرء ، إنْ وصل إليها شعر بالطمأنينة والأمن والأمان ونال مبتغاه،  والحكمة الرائعة تصف حال أهل الصبر وحال الضعفاء عنها (فمن صبر ظفِر ومن لجّ كفر) .
ونحن في مقارعتنا لعدو الله الذي دمر سورية الحبيبة واذاق أهلها المرار واستعان بالظلَمة أمثاله على الشعب المصابر نحتاجُ أيما حاجة إلى الصبر على قضاء الله وإعداد العدة للثبات أمام مكر العدو وفساده ، ولا يكون هذا إلا بالعودة إلى الله والإخلاص في العمل والنية وترك حظوظ النفس  والسير في أقصر طريق وأسرعه إلى مرضاة الله تعالى . أما الصلاة فهي الصلة الوطيدة بالمولى سبحانه ، إن رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حَزَبه أمر لجأ إلى الصلاة وقال ( أرِحنا بها يا بلال) فالراحة أن تكون في كنَف الله ورعايته ، وقال بأبي هو وأمّي ( وجعلتْ قرّةُ عيني في الصلاة)  والصلاة هُوّيّة المؤمن وزاده في الطريق ، إن قبلتْ منه قُبل سائر عمله .
هذا نداء الله لنا .....
فهل سمعنا النداء ووعيناه؟