الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران: أسباب الهيمنة ومبرراتها!

إيران: أسباب الهيمنة ومبرراتها!

12.04.2014
عبد الرحمن عبد المولى الصلح


الحياة
الخميس 10/4/2014
"الإيرانيون؟! أنّهم "استراتيجيون وغير متهورين، ولديهم نظرة عالمية، ويرون مصالحهم ويتعاملون مع حسابات الربح والخسارة". ما سبق من كلام لم يصرح به الرئيس الروسي بوتين، بل الرئيس الأميركي أوباما. والتصريح جاء في مقابلة أجرتها معه مجلة "بلومبرغ فيوز" الأميركية (الثلثاء 4/3/2014). وعليه فإنّ موقف أوباما من طهران سبق زيارته الأخيرة الى الرياض (الجمعة 21/3/2014). اللافت أنّ بياناً مشتركاً لم يصدر بعد انتهاء الزيارة، الأمّر الذي قد يعني، أنّ النجاح اقتصر على تضييق الخلافات، وليس حلّها.
البراغماتية الايرانية ليست جديدة، إذ عرفناها حين تجرع الخميني كأس السم ووافق على وقف الحرب مع العراق عام 1988 بعدما أيقن أن افلاس دولته أضحى قاب قوسين، إضافة الى احساسه بتهديد حقيقي لتدخل عسكري أجنبي. السيناريو نفسه طبقته طهران من خلال اتفاقها مع الغرب حول برنامجها النووي. الهدف: وضع حد لعقوبات اقتصادية مؤذية واستبعاد تدخل عسكري خارجي بإيعاز من إسرائيل. والبراغماتية، أيضاً سرت على تلقي سلاح إسرائيلي أثناء الحرب ضد العراق، والتعاون مع الشيطان الأكبر، لضمان انسحاب هادئ لقواته من العراق، ومستقبلاً من أفغانستان.
ويبدو أنّ البراغماتية الإيرانية، عزّزت قبل إعجاب أوباما بها، طموح نظام الملالي لنشر نفوذهم في العالم العربي، تارةً باسم محاربة إسرائيل، فعملت على "تقزيم" المواجهة مع العدو الإسرائيلي من مستوى الأمة الى مستوى الطائفة، من خلال تلزيم المواجهة لفصيل طائفي مسلّح (حزب الله) للتصدي للمشروع الصهيوني، الذي قال قادته إنّهم يرهنون وجود كيانهم بوجود الطوائف... (ميشال كيلو، "من الأمة الى الطائفة"، "المدن" 22/3/2014). علماً أنّ تلك المحاربة قد تغدو مُهادنة ومداهنة. ولعلّ ما سُرّب عن كلام الأمين العام لـ "حزب الله" الى وزير الخارجية الروسي عن أنّ الجبهة مع إسرائيل ستظل هادئة لأنّ التركيز الآن هو على سورية، خير دليل على ذلك... وتارةً أخرى باسم محاربة الشيطان الأكبر، وأخيراً من خلال رفع راية ولاية الفقيه الأمر الذي أدّى الى تعميق الهوة بين السُنّة والشيعة.
ما سبق يعكس بوضوح جنوحاً إيرانياً نحو الهيمنة على دول العالم العربي، ولعلّ أسبابه ومبررّاته، تكمن في ما يأتي، أولاً: الهوس بالشيعية الدينية والسياسية، ولعلّ أبسط وأبلغ شاهد على ذلك ما صرّح به آية الله مهدوني قاني، رئيس لجنة الخبراء في البرلمان الإيراني، بإنّ اينشتاين كان شيعياً (!) (مجلة ماريان الفرنسية 28/3/2014) ناهيك عمّا ذكر اللواء إسماعيل قاءاني، نائب القائد العام لفيلق القدس... ""لا يمكننا ان نتوقف عند سورية، فهدفنا يتمثل دائماً في قيادة العالم الإسلامي بأسره". (أمير طاهري، "الشرق الأوسط"، 28/3/2014). ثانياً: تداعيات "الربيع العربي" والتي أوصلت فصيلاً من الإسلام السياسي السني (الإخوان المسلمون) الى الحكم في كلٍ من مصر، وتونس، وشدّت من عضد الجماعات الإسلامية (ليبيا، نموذجاً...) الأمر الذي زاد من خشية الشيعية السياسية الإيرانية. ثالثاً: نكوص المجموعة العربية وعدم قدرتها أو رغبتها في استيعاب المتغيرات العراقية بعد سقوط صدام حسين عام 2003، وتلكؤها في تعزيز الوطنية العراقية، على حساب المذهبية التي لم تتوان طهران عن تغذيتها، وهذا ما يؤكدّه مستشار الأمن القومي الأميركي السابق بول وولفوفيتز الذي يعتبر أن جزءاً من المسؤولية في اقتراب نظام الحكم في بغداد من طهران يعود الى سلبية جيران العراق من النظام الحالي ("الشرق الأوسط" (9/4/2013). رابعاً: تشتّت الطرف الآخر، أعني المجموعة العربية نفسها وفشلها في وضع إستراتيجية موحدة، إن كان على الصعيد السني البحت (انشقاق بين اسلام سني معتدل، وإسلام جهادي وآخر تكفيري) أو على الصعيد السياسي. ولعلّ أبلغ مثال الخلاف الأخير بين دول مجلس التعاون الخليجي والذي أدّى الى سحب السعودية والإمارات والبحرين سفراءها من قطر، بينما كانت الدعوة قبل أشهر متعددة إلى اتحاد سياسي بين الدول عينها (راجع تقرير "مكتب الشال" الكويتي 15/3/2014).
الجنوح الإيراني نحو الهيمنة على عالمنا العربي لن يؤدي إلاّ الى تعميق الشرخ المذهبي بين المسلمين. تدّعي طهران حرصها على وحدة العالم الإسلامي، ومع ذلك لا تتوانى ليس فقط عن دعم الحوثيين في اليمن، بل مساندة الحراك الجنوبي الذي يعمل على الانفصال عن الشمال اليمني. وللتذكير فقط، فالجميع يُجمع على أنّ نتائج الحرب العراقية - الإيرانية كانت كارثية بكل معنى الكلمة، إلاّ أنّ الشرخ المذهبي الذي يقوده الملالي في طهران سيكون أكثر وطأةً وإيلاماً عمّا أدّت إليه تلك الحرب العراقية. فالخميني كان يتطلّع الى انشقاق الجنود العراقيين الشيعة عن صدام حسين، والذي كان يأمل بدوره من العرب المقيمين في الأهواز أن يستقبلوا الجيش العراقي استقبال الأبطال، لكن شيئاً من ذلك لم يتحقق... فالسمة القومية بدلاً من النزعة المذهبية هي التي سادت آنذاك. في كتاب ("عدو عدوي" - لبنان في التصورات "الصهيونية المبكرة 1900-1948" للورا أيزنبرع، 1997، الرّيس للكتب) وهو كتاب موثق، تذكر المؤلفة أنّ الحركة الصهيونية أيقنت عجز مؤيديها في لبنان (كالرئيس اميل إده، والبطريرك عريضه) عن الجهر بتأييدهم للحركة الصهيونية بسبب موقع لبنان ضمن كتلة دول عربية إسلامية، إضافة الى الجناح الإسلامي المحلي اللبناني. في السياق نفسه نسأل: ماذا سيستفيد العرب الشيعة من جعل إيران حزباً تابعاً لهم وهم يعملون وينتجون ويتحركون في محيطٍ إسلامي سنّي، سوى مزيدٍ من الكراهية والبغض الذي يبدو انّ طهران لا تكترث الى تبعاتهما!
وللتذكير فقط، فمعظم التقارير أكدّت دعم السعودية القنبلة النووية التي كانت باكستان في صدد إنتاجها في الثمانينات بقيادة علي بوتو الشيعي. ولم يكن من داعٍ أو تبرير لمواجهة ذلك السلاح لأنّه كان سلاحاً نووياً إسلامياً وليس سلاحاً نووياً مذهبياً كما الحال مع السلاح النووي لملالي طهران. وللتذكير أيضاً فلقد أعلنت دول الخليج العربي بقيادة الرياض حرصها على علاقات حسن الجوار مع طهران وتأكيدها مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية لكلّ بلد، لكن يبدو أنّ لا حياة لمن تنادي، فالثابت ان هنالك تدخلاً إيرانياً سافراً في أكثر من بلد عربي أدّى ويؤدي الى تعميق الهوة المذهبية ومناصرة أنظمة دكتاتورية سلطوية كنظام الأسد. كان يؤمل من طرفٍ ما كالرئيس الأميركي ان يُقنع طهران ان الاتفاق حول النووي ليس نهاية المطاف بل يجب ان يكون جزءاً مهماً من معادلة سياسية تُقنع طهران بضرورة الاعتدال والالتزام بعلاقات حُسن الجوار ووضع حد لشهيتها نحو الهيمنة... لكنّ المشكلة أنّ أوباما أضحى يتكلّم أو يحلم... بالفارسية! (حسان حيدر، "أوباما يحلم بالفارسية" "الحياة" 20/3/2014).