الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران تتغذى على الفوضى في جنوب سوريا

إيران تتغذى على الفوضى في جنوب سوريا

15.12.2020
صابرة دوح


 
العرب اللندنية 
الاثنين 14/12/2020 
بين أحضان الولي الفقيه 
يتخذ الوجود الإيراني في جنوب سوريا أشكالا وأبعادا مختلفة، بين الحضور العسكري والميليشياوي، واستقطاب المدنيين عبر نشر التشيع، وقد نجحت طهران رغم الضربات التي تلقتها في تعزيز هذا الحضور على مدى السنوات الأخيرة الأمر الذي يشكل خطرا كبيرا على الجوار. 
يموج جنوب سوريا بأحداث أمنية لا تهدأ في ظل عمليات اغتيال واختطافات تجري بشكل يومي وفي وضح النهار دون أن يُعرف في الغالب الطرف الذي يقف خلفها. ويزداد الوضع سوءا في المنطقة مع أزمة اقتصادية خانقة أنهكت المدنيين، وهوت بغالبيتهم تحت خط الفقر. 
ويشكل الوضع المهتز والمربك في المحافظات الجنوبية الثلاث، درعا والقنيطرة والسويداء أرضية ملائمة لتعزيز إيران حضورها في المنطقة عبر تنشيط أداوتها الناعمة مراهنة في ذلك على أقلية صغيرة متشيعة في بعض الأنحاء، واستقطابها لبعض الشخصيات بينهم رجالات دين من خلال تقديم إغراءات مادية وامتيازات. 
يقول عضو الهيئة العليا للمفاوضات التابعة للمعارضة السورية يحيى العريضي إن الجنوب لطالما كان عرضة لفتنة دائمة يزرعها النظام، لافتا إلى أن إيران تحاول استثمار هذا الوضع المأزوم اليوم للتغلغل في المنطقة. 
يحيى العريضي: الفوضى الأمنية بيئة خصبة لإيران لبث سمومها 
ويضيف العريضي في تصريحات لـ“العرب” أن “الفوضى الأمنية تشكل بيئة خصبة لإيران لبث سمومها وممارسة عبثها”، معرجا على الوضع الاقتصادي الذي يشكل هو الآخر منفذا تسعى من خلاله إيران لاختراق الجنوب. 
ويشير إلى أن طهران استغلت في البداية بعض ضعاف النفوس عبر الحوافز المالية وسعت إلى إنشاء ميليشيات مرتبطة بها واستغلت السياسي اللبناني وئام وهاب وبعض أتباعه لتحقيق أهدافها. 
ومع نجاح النظام السوري في استعادة السيطرة الهشة على الجنوب في صائفة العام 2018، في إطار اتفاق روسي أميركي إسرائيلي يقوم على إخلاء المنطقة من الوجود العسكري الإيراني، عمدت طهران إلى إضفاء تعديلات على استراتيجيتها من خلال تعزيز الرهان على القوى الناعمة والسير في نهج نشر التشيع. 
يقول العريضي إن إيران لعبت في هذا الجانب على وتر الفئوية الإسلامية حيث أن المنطقة ليس سنية خالصة، واستغلت مكانة بعض الرموز في التاريخ الإسلامي على غرار الصحابي سلمان الفارسي، لتدعيم حججها. 
وتتخذ طهران وذراعها الرئيسي حزب الله اللبناني من العداء لإسرائيل أيضا ذريعة لاستقطاب أبناء المنطقة، لكن يبقى العنصر الاقتصادي العامل الأساس الذي يدفع البعض من هؤلاء للوقوع في شراك طهران. 
ويرى المعارض السوري المهندس مطيع البطين، والذي أصدر قبل فترة كتابا بعنوان “الاحتلال الإيراني لسوريا: الممارسات والمواجهة”، أنه لا يمكن الحديث عن نجاح إيران بشكل واضح في الجنوب، لكن هذا لا ينفي واقع تحقيقها اختراقا في المنطقة، وهي تعمل وفق خطة تقوم على كسب حاضنة شعبية في ظل إدراكها بأن بقاءها العسكري في الجنوب لا يمكن أن يستمر. 
مطيع البطين: إيران تعمل من خلال القوى الناعمة على لون آخر من البقاء 
ويوضح البطين لـ“العرب” أن إيران تعمل من خلال القوى الناعمة على لون آخر من البقاء، مستغلة قلة متشيعة في درعا والسويداء تتمتع بكل الدعم والامتيازات. ويشير إلى أن التشيع الذي يجري حاليا في الجنوب لا يمكن القول إنه تشيع مذهبي أو عقدي لا بل إن في غالبيته يقوم على المنفعة والمصالح، وهناك من ينساق أيضا خلفه هربا من الملاحقات الأمنية لأجهزة النظام، حيث أن من ينضم لأي فصيل موال لطهران يحظى ببطاقة تمنع ملاحقته، وهكذا شيئا فشيئا يتم غسيل أدمغة الشباب. 
وعلى خلاف روسيا التي تعوّل فقط على الحضور العسكري في المنطقة، فإن وجود إيران في الجنوب يتخذ أشكالا متعددة ومختلفة، فإلى جانب نشر التشيع في إطار مساعيها لخلق قاعدة شعبية، تملك أذرعا عسكرية حتى في داخل أجهزة النظام السوري نفسه. 
ويقول في هذا الصدد المحامي حسان الأسود الأمين العام للمجلس السوري للتغيير “تصنف المخابرات الجوية والفرقة الرابعة في محافظة درعا على أنهما أبرز الأذرع الإيرانية جنوب سوريا، وترتبطان بالحرس الثوري الإيراني بشكل مباشر وتتلقيان الرواتب منه”. 
وتنتشر حواجز المخابرات الجوية والفرقة الرابعة في كل من قرى الكرك والمسيفرة وناحته والحراك والمليحة الشرقية والمليحة الغربية. 
كما يملك حزب الله اللبناني حضورا كبيرا في المنطقة، وقد شرع، في إقامة قواعد عسكرية له في محافظة درعا منذ أواخر العام 2018 وتركزت بشكل أساسي في منطقة اللجاة شرق المحافظة، وباتت تستخدم هذه القواعد في عمليات تجنيد الشبان وتدريبهم، وتشرف عليها مجموعات من فرقة “الرضوان” وهي بمثابة قوات النخبة ضمن الحزب. 
حسان الأسود: الخطر يتجاوز في بعده الاستراتيجي الأردن ليمس منطقة الخليج 
ويقول حسان الأسود إن حزب الله يعمل أيضا على تجنيد الميليشيات المحلية عن طريق بعض المتعاونين معه من أبناء المحافظة، وقد نجح في تأسيس قوة عسكرية له في بلدة صيدا بالتعاون مع “محمد المحاميد” و“عارف الجهماني”، كما جنّد الحزب مقاتلين سابقين في صفوف فصائل المعارضة السورية أجرى لهم تسويات مع أجهزة المخابرات السورية، كالمجموعة التي يقودها “سامر الحريري” في مدينة بصر الحرير، والمجموعة التي يقودها “مشعل الكسابرة” في مدينة الحراك، ومجموعة في بلدة المسيفرة يشرف عليها قيادي سابق في فصائل الجبهة الجنوبية يدعى “رائف الزعبي”. 
ولجأ حزب الله اللبناني لتعزيز حضوره في محافظة درعا إلى تجنيد شبان يعتنقون المذهب الشيعي، وتمكن من تجنيد أكثر من 400 شاب في بلدة كحيل، وشكل منهم ميليشيا محلية متعاونة. 
ويعد الجنوب السوري منطقة ذات حساسية عالية بالنظر إلى موقعها حيث يحدها الجولان السوري المحتل من قبل إسرائيل، وعلى الجهة المقابلة المملكة الأردنية. 
وعلى مدار السنوات الماضية شنت إسرائيل المئات من الضربات الجوية ضد مواقع يعتقد أنها تابعة للحرس الثوري وحزب الله اللبناني الموالي لها، وتعتبر تل أبيب أن وجود إيران بالقرب من حدودها تهديد مباشر وخطير لأمنها القومي، وجب إنهاؤه. 
وليست إسرائيل فقط المعنية بالتهديد الإيراني في هذه المنطقة الجيوسياسية المهمة، بل وأيضا الأردن، حيث كان الملك عبدالله الثاني أوّل من نبّه إلى خطورة تمدد إيران، عندما تحدّث في العام 2004 عن الهلال الشيعي. 
يشكل الوضع المهتز والمربك في المحافظات الجنوبية الثلاث، درعا والقنيطرة والسويداء أرضية ملائمة لتعزيز إيران حضورها في المنطقة 
ويقول الأمين العام للمجلس السوري للتغيير إن إيران تحاول اليوم استكمال الطوق على الأردن من جهة الجنوب السوري، بعد أن حاصرته من جهة الشرق من خلال سيطرتها على العراق إثر الاحتلال الأميركي، وبعد أن باتت حركة حماس وحركة الجهاد الإسلامي تأتمران بأمرها من جهة الغرب. 
ويلفت حسان الأسود إلى أن هذا الخطر يتجاوز في بعده الاستراتيجي الأردن ليمس منطقة الخليج ذلك أن المملكة هي البوابة الجنوبية للخليج العربي التي تسعى طهران جاهدة لزعزعة استقراره، بمختلف الوسائل. 
ويحذر من أن الجنوب السوري أصبح اليوم أحد مراكز إيران لتهريب المخدرات إلى هذه الدول لتخريب البنى المجتمعية من جهة، ولتمويل ميليشياتها وعلى رأسها حزب الله الإرهابي. وأعلن الجيش الأردني مرارا عن إحباط محاولات تهريب مخدرات عبر الحدود السورية.