الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران وإسرائيل وقواعد الاشتباك في سوريا

إيران وإسرائيل وقواعد الاشتباك في سوريا

13.05.2018
سلام السعدي


العرب
السبت 12/5/2018
بعد عدة سنوات من تلقيها للضربات العسكرية الإسرائيلية في سوريا، قررت إيران الرد على إحدى الغارات الجوية الإسرائيلية وذلك بإطلاق نحو عشرين صاروخاً، سقطت معظمها داخل الأراضي السورية.
قابل هذا التصعيد الإيراني غير المسبوق تصعيدا إسرائيليا غير مسبوق هو الآخر، وذلك بشن ضربات عسكرية واسعة النطاق استهدفت أكثر من خمسين موقعاً عسكريا مرتبطا بإيران في سوريا. إنها حرب غير مباشرة على قواعد الاشتباك في سوريا حيث يحاول كل طرف تغييرها لصالحه.
ادعت إسرائيل أن ردها على الصواريخ الإيرانية كان ناجحاً بصورة كبيرة وقد تسبب في دمار البنية التحتية الإيرانية في سوريا. ولكن، مهما كانت دقة تلك الضربات وحجم الدمار الحاصل، لا يمكن الحديث عن تدمير كامل لبنية تحتية قائمة على الحرب الهجينة ولا يستخدم فيها الجيش النظامي. هذا ما تقوم عليه استراتيجية إيران العسكرية في سوريا حيث تكرس نفوذها عبر إنشاء ودعم ميليشيات عسكرية تجندها من بلدان عديدة على أساس طائفي.
ويعتبر الحرس الثوري الإيراني حلقة الوصل في هذه الاستراتيجية، ويبدو أنه قد أسس بالفعل، عبر السنوات الماضية، بنية تحتية عسكرية في سوريا، تعتبر هدفاً سهلاً نسبياً للجيش الإسرائيلي.
غير أن الخطر الأكبر بالنسبة لإسرائيل ليس المعدات العسكرية الإيرانية، وإنما الميليشيات التي يديرها الحرس الثوري والتي يمكن أن يوظفها في استهداف إسرائيل في أيّ لحظة أراد.
تتوقف الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، على رغبة إيران في المضي قدما في تغيير قواعد الاشتباك. بالنسبة لإسرائيل يبدو الأمر محسوما حيث أنها لن تتنازل عن سياستها في توجيه ربات عسكرية متى شاءت
يصعب توجيه ضربات عسكرية جوية مؤثرة إلى مثل تلك الميليشيات التي تمتلك بنية مرنة ولا يمكن معرفة مواقعها بدقة. تفسر تلك المرونة عدم نجاح الضربات الإسرائيلية على المواقع الإيرانية وميليشياتها، والتي بدأت منذ أربع سنوات، في كبح قوة ونفوذ تلك الميليشيات التي توسعت خلال هذه الفترة. يحتاج تدمير تلك القوات، التي تشكل صلب المشروع الإيراني في سوريا، إلى قوات على الأرض وهو ما تدركه إسرائيل. ولكنها تحاول من خلال الضربات العسكرية الجوية توجيه رسائل إلى النظام السوري وروسيا تفيد بأنها مستعدة للتصعيد العسكري، وأن عليهم إنهاء التواجد العسكري الإيراني في سوريا مقابل وقف تلك الغارات.
ولكن ما الذي جعل إيران ترد هذه المرة وقد تحملت بصمت المئات من الضربات عبر السنوات الماضية. امتنعت إيران عن الرد طيلة السنوات الماضية بسبب انشغالها مع النظام السوري بحربهما الداخلية ضد المعارضة السورية.
حاولت كل من إيران والنظام السوري تجنب فتح معركة جديدة مع إسرائيل من المتوقع أن تتسبب في دمار كبير جدا لقدراتهما الهجومية، وهو ما سيساعد المعارضة السورية على تحقيق بعض المكاسب الميدانية.
مع انحسار الحرب ضد المعارضة السورية في عدد محدود من المواقع وتلاشي التهديد الوجودي للنظام السوري، التفتت إيران إلى تزايد وتيرة الضربات العسكرية الإسرائيلية وخطورة ذلك على مشروعها في سوريا.
أدركت طهران أن إسرائيل فرضت قواعد اشتباك جديدة خلال السنوات الماضية سمحت لها بضرب كل الأهداف التي تريدها دون أن تواجه أي رد. هكذا، أرادت طهران تغيير تلك القواعد وهو ما دفعها إلى إطلاق صواريخ عبر ميليشياتها في سوريا رداً على إحدى الغارات الإسرائيلية. إسرائيل بدورها، وبعد الرد الإيراني، أرادت تثبيت قواعد الاشتباك تلك، وهو ما دفعها إلى شن أوسع هجوم عسكري على مواقع في سوريا منذ حرب تشرين في عام 1973.
تتوقف الحرب الإيرانية – الإسرائيلية، التي يحذر منها الجميع اليوم، على رغبة إيران في المضي قدما في تغيير قواعد الاشتباك. بالنسبة لإسرائيل يبدو الأمر محسوما حيث أنها لن تتنازل عن سياستها في توجيه ضربات عسكرية متى شاءت. تملك إسرائيل المعلومات الاستخباراتية المطلوبة والدقيقة لاستمرار توجيه تلك الضربات، كما تملك الدعم الأميركي بعد انسحاب دونالد ترامب من الاتفاق النووي وبعد أن أصبح الوجود العسكري الإيراني في الشرق الأوسط أولوية أميركية أيضا.
وبينما يعتبر استخدام إيران لقوات غير نظامية في سوريا إحدى نقاط قوتها بسبب المرونة الكبيرة التي تتصف بها، يمكن أن تكون تلك القوات نقطة ضعف إيران أيضاً؛ إذ يشجع عدم وجود قوات رسمية إيرانية كلا من إسرائيل وأميركا على توجيه ضربات عسكرية إلى الميليشيات ومواقعها دون المخاطرة بحرب مباشرة مع إيران.
انطلاقاً من ذلك، من المتوقع أن يكون التصعيد الإيراني محصورا ضمن نطاق الحرب الهجينة، حيث يمكن أن نشهد تأسيس ميليشيات متخصصة في قتال إسرائيل، على غرار حزب الله في لبنان. وبالرغم من عدم رغبة النظام السوري في وجود مثل هذا النوع من الميليشيات التي قد تتسبب في استهدافه من قبل إسرائيل بضربات انتقامية، لا يبدو أنه يملك القوة والاستقلالية لمنع إيران من مواصلة مشروعها في الهيمنة على سوريا.