الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران وإعادة إعمار سوريا... العين بصيرة

إيران وإعادة إعمار سوريا... العين بصيرة

03.11.2018
مرشد النايف


سوريا تي في
الخميس 1/11/2018
جرت العادة أن تنهض استراتيجات إعادة الإعمار على دمج المادي بالإنساني، ليكون حاصل الجمع بينهما، اجتراح آليات تحول دون الانتكاس إلى العنف والسلاح، يواكب ذلك معالجة مولّدات ذلك العنف. الهدف استزراع وتوطين السلام، عبر رباعية: الأمن، العدالة، المصالحة، والرفاه. يساهم في تمويل وتنفيذ مشتقات هذه الاستراتيجية عدة أطراف؛ الدول المانحة، مؤسسات ومنظمات دولية...إلخ مع شركاء في الداخل.
تناقلت بعض شبكات التلفزة الأميركية عن خطة يصيغها الرئيس دونالد ترامب لمواجهة إيران في سوريا. اللافت أن "استراتيجية ترامب الجديدة في سوريا"، تتضمن إشارة إلى "فرض عقوبات على الشركات الروسية والإيرانية المشاركة في إعادة الإعمار"، بما يوحي بأن المجتمع الدولي اتفق على تقاسم كعكة الإعمار، وأنه تجاوز حالة الاستعصاء السياسي في الملف السوري. وتفترض تلك التسريبات أيضاً أن بمقدور إيران تعبئة موارد مالية وبشرية تتيح لها الجلوس مع الكبار.
طيلة سنوات الثورة السورية، غذّت إيران ومولت عمليات القتل بمعية عشرات الآلاف من المرتزقة. والاستثمار في فوسفات (خنيفيس) وتوقيع
"التحالف الاستراتيجي"، السياسي، العتيق بين الطرفين، لايجد تعبيراته في الاقتصاد وأرقام التبادل؛ إذ لم يتمخض سوى عن 1.4 مليار دولار هي قيمة التبادل التجاري بينهما طيلة خمس سنوات
عقد تشغيل خليوي ثالث، والمشاركة في معرض دمشق الدولي ومعرض "إعمار سوريا"، قد تكون كلها مجرد رسائل للداخل الإيراني، الذي يغلي على وقع الفقر والبطالة وتدهور سعر الصرف والتضخم وأزمات المياه والكهرباء...إلخ، يراد من خلالها الإيهام بأن طهران تقبض ثمن تدخلها في حماية نظام الأسد بمكاسب اقتصادية يعتد بها. للأرقام رأي.
"التحالف الاستراتيجي"، السياسي، العتيق بين الطرفين، لايجد تعبيراته في الاقتصاد وأرقام التبادل؛ إذ لم يتمخض سوى عن 1.4 مليار دولار هي قيمة التبادل التجاري بينهما طيلة خمس سنوات (2012 وحتى الربع الثالث من 2017 ). حصة "الأسد" منها 91 مليون دولار صادرات (زيت زيتون وتوابل) والباقي مستوردات. قيمة واردات سوريا بلغت العام الماضي 3.7 مليار دولار، فيما بلغت قيمة إجمالي الصادرات نحو 700 مليون دولار!
على المقلب الآخر نقرأ في (فارس): بلغت قيمة التجارة الخارجية لإيران خلال الأشهر الستة الأولى من العام الجاري (السنة الإيرانية تبدأ في آذار/ مارس) 45 مليار دولار، منها 22 مليار واردات. المدى المجدي للبضائع الإيرانية يقف عند حدود دول الجوار الخمسة عشر، التي ترتبط بها براً وبحراً.
انخفاض الاشتباك الاقتصادي بين الحليفين الاستراتيجيين، ينسحب على قطاع الاستثمارات أيضًا. نصف مليار دولار هي قيمة الرساميل الإيرانية الموظفة في سوريا (وفق أديب ميالة وزير الاقتصاد)، منها مشاريع في علم الغيب، كرخصة الخليوي، التي يبلغ رأسمالها  منفردة 350 مليون دولار! بين المشاريع استثمار أراضي زراعية في اللاذقية ومنجم فوسفات، وبناء خزانات للنفط.
 تواضع الأرقام يجعل التموضع الإيراني في الاقتصاد السوري هشًا وغير مستدام، وهو أمر حسن لواقع ومستقبل الاقتصاد السوري، الذي سيكون بمنأى عن ابتزاز طهران طالما أن درجات الانكشاف الاقتصادي بينهما لا تكاد تذكر.
النزع الأخير
العقوبات الأميركية تدفع الاقتصاد الإيراني إلى الهاوية، وتعِده بقصم ظهره قريبًا. تضمنت حزمة العقوبات الأولى، في آب الماضي، حظر تبادل الدولار مع الحكومة الإيرانية، وفرض عقوبات على المؤسسات والحكومات، التي تتعامل بالريال الإيراني أو سندات حكومية إيرانية. الحزمة الثانية المزمع تنفيذها في مطلع تشرين الثاني المقبل، ستطال البنك المركزي الإيراني وتعاملاته المالية، وإخراجه من (جمعية الاتصالات المالية العالمية بين البنوك) المعروفة اختصارًا "سويفت". بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يعملون على تسريع ذلك؛ فقد وجه السيناتور الجمهوري تيد كروز، كتابًا إلى وزير الخزانة ستيفن منوتشين، بعد إقرار الحزمة الأولى بقليل، يحثه على "اتخاذ تدابير سريعة وشاملة لضمان إخراج إيران من سويفت". شلّ قدرة إيران على الوصول إلى الدولار أو تنفيذ أي عقود تجارية.
لم يتمكن الاقتصاد الإيراني القائم على النفط من تحقيق انتعاش يودي إلى بعض التعافي في الفترة الفاصلة بين توقيع الاتفاق المعروف بـ "خطة العمل المشتركة الشاملة"، الذي أبرمته القوى الغربية مع إيران حول ملفها النووي، في تموز 2015 وبين إعلان الرئيس ترامب الانسحاب منه في أيار الماضي. فساد نظام حكم الملالي، فوّت فرصة ترميم بعض القطاعات خلال فترة التحلل من العقوبات، التي دامت 33 شهرًا.
لم تعمل إيران طيلة أربعة عقود من العقوبات (بدأت في عام 1980) على توطين صناعة سلام ومولدات نمو، تتجاوز الجانب العسكري والتسليح. تعمقت التشوهات في الهياكل الاقتصادية؛ حاليًا تعجز أسواق العمل عن تشغيل حَمَلة الدرجات العلمية الرفيعة (الماجستير والدكتوراة)؛ تضاعفت البطالة في صفوفهم أربعة أضعاف خلال السنوات الخمس عشرة الأخيرة. إيران في الوقت الراهن في "مرحلة النزع الأخير التي سبقت انهيار الاتحاد السوفياتي"، على حد تعبير وزير الخارجية الأميركي مايك بومبيو قبل بضعة أيام.
إعمار الحسينيات
بمقدور إيران الوقوف إلى جانب نظام الأسد بكلفة سنوية لاتتعدى ستة مليارات دولار، توزعها على شراء
الملالي يسرفون في إهدار الدم السوري، في وقت يزداد سكان الهوامش وأحزمة الصفيح والكرتون في المدن الإيرانية، وتتسع دوائر الفقر لتصل إلى نحو 40 في المئة، ومعدلات بطالة تقترب من 13 في المئة في أكثر الأرقام تفاؤلاً
وتمويل المرتزقة، وبعض خطوط الائتمان. تنقل جيسي شاهين، المتحدثة باسم المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي مستورا (سابقًا) عن تقديرات الأمم المتحدة أن النظام الإيراني يدعم حليفه الأسد بذلك الرقم، وهو يشكل نصف ميزانية دعم الأسعار في إيران".
الملالي يسرفون في إهدار الدم السوري، في وقت يزداد سكان الهوامش وأحزمة الصفيح والكرتون في المدن الإيرانية، وتتسع دوائر الفقر لتصل إلى نحو 40 في المئة، ومعدلات بطالة تقترب من 13 في المئة في أكثر الأرقام تفاؤلًا.
العقوبات الأميركية تحول دون نشوب مخالب اقتصادية لإيران. هدف واشنطن، بحسب "تقدير موقف" حديث صادر عن المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، هو "إرغام إيران على الجلوس إلى طاولة المفاوضات لإصلاح ما تراه واشنطن عيوبًا في الاتفاق النووي لعام 2015، والتباحث معها حول دورها الإقليمي... الضغوط الاقتصادية التي ترزح تحتها طهران وانهيار عملتها، والتي أفضت إلى اضطرابات شعبية ستجبر النظام الإيراني على المجيء إلى طاولة المفاوضات من دون شروط مسبقة".
 يستدل الخبراء عادة، على صحة أي اقتصاد من سعر واستقرار صرف العملة؛ ومنذ أن بدأ ترامب، في خريف 2017 يلوح بالانسحاب من الاتفاق، دخل الريال في حالة استنزاف استمرت حتى إعلان واشنطن الانسحاب، وفرض حزمة العقوبات الأولى، ليفقد 75 في المئة من قيمته.
يمكن لإيران أن تشارك في عمليات إعادة إعمار تتناسب وعراقتها في قطاعات معينة: بناء حسينيات لمن شيّعتهم بمساعدة السلطات السورية. المشاركة الدورية في معرض دمشق الدولي والمعارض المتخصصة في إعادة الإعمار التي يقيمها النظام بهدف الترويج السياحي. منح جنسيتها وجواز سفرها لمن يبقى حياً من المرتزقة الأفغان. إعادة تصنيع خردتها المسماة سيارة (شام). التنقيب عن مزارات واستكشاف "مراقد" جديدة لآل البيت. أشياء من قبيل أن العين بصيرة واليد قصير.أن تصبح روسيا متحكمة بالشأن السوري، بشكل كامل، هو هاجس روسي، وكابوس للأسد، دون شك. ولا ينحصر كابوس الأسد بالروس، فهو يتعلق بالإيرانيين أيضاً، وباللاعبين الغربيين والأتراك، كذلك. فجميع هذه الأطراف تسعى لتعظيم مكاسبها من السيطرة والنفوذ على الرقعة السورية. وكل هذه المكاسب، هي على حساب الأسد ودائرته الضيقة، العائلية تحديداً، والتي تنحصر اهتماماتها، في الوقت الراهن، باستعادة أكبر قدر ممكن من النفوذ في سوريا. وهذه النقطة بالذات تكشف مدى حساسية مسألة "الدستور" وأهميتها.