الرئيسة \  واحة اللقاء  \  إيران والتهديدات الأميركية لسوريا

إيران والتهديدات الأميركية لسوريا

14.09.2013
جيفري كمب



الاتحاد
الجمعة 13/9/2013
حدث تطور دبلوماسي جذري وغير متوقع قد يغير طريقة تصرف الولايات المتحدة تجاه سوريا، كما قد يؤدي أيضاً إلى حل للأزمة المندلعة منذ عامين ونصف العام. فقبل يوم واحد من الموعد الذي كان من المقرر أن يوجه فيه أوباما كلمة للشعب الأميركي كان قد أُعلن عنها من قبل وتذاع عبر التليفزيون على امتداد البلاد ليقيم حجته بشأن استخدام القوة العسكرية ضد نظام الرئيس السوري لشنّه هجوما كيماوياً مميتاً ضد شعبه في الآونة الأخيرة... قبل يوم واحد من ذلك الموعد، قال وزير الخارجية الأميركي جون كيري في مؤتمر صحفي عقده في لندن يوم الاثنين الماضي، التاسع من سبتمبر، إنه إذا وضع الأسد كل أسلحته الكيماوية تحت رقابة دولية فربما يجنب بلاده ضربات عسكرية أميركية. وبعد ذلك التصريح، وعلى الفور تقريباً، تحمس وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف الذي كان يستضيف وزير الخارجية السوري وليد المعلم في موسكو للاقتراح الأميركي، وتحمس نظيره السوري للاقتراح بالقدر نفسه على ما يبدو. وبحلول مساء ذلك اليوم (الاثنين)، استغل أوباما وعدد من كبار أعضاء الكونجرس التطورات الأخيرة في الملف السوري، ليشيروا إلى أن التهديدات الأميركية آتت أكلها وأنه يجب في الوقت الحالي أن تُمنح الدبلوماسية فرصة كافية. وأرجأ هاري ريد، زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ الأميركي، تصويتاً مبدئياً داخل المجلس على استخدام القوة، وهو التصويت الذي كان مقرراً له أن يجري مساء الخميس. وفي نفس الوقت، التقطت فرنسا المبادرة وأعلن وزير خارجيتها (فابيوس)، يوم الثلاثاء العاشر من سبتمبر، أنه سيقدم مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي يدعو سوريا إلى التخلي عن أسلحتها الكيماوية والنووية.
ومع الأخذ في الاعتبار الصعوبة التي سيواجهها أوباما في إقناع الكونجرس بدعم دعوته إلى استخدام القوة، فإن الحل غير العنيف لقضية الأسلحة الكيماوية قد يكون ممكناً، وبوسائل دبلوماسية. ويشيع في الولايات المتحدة مزاج أقل رغبة بكثير في بحث عمل عسكري أميركي آخر في الشرق الأوسط، وحتى أكثر أعضاء الكونجرس ميلا للحرب يدركون صعوبة إقناع ناخبيهم بأن ضربة عسكرية أخرى ضد بلد عربي آخر تصب في مصلحة الولايات المتحدة.
وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت في الآونة الأخيرة أن لديها معلومات استخباراتية تشير إلى ضلوع نظام الأسد في شن هجوم بالأسلحة الكيماوية في إحدى ضواحي دمشق يوم 21 أغسطس الماضي. وقالت تقارير أميركية إن الهجوم تمخض عن مقتل ما يزيد على ألف شخص بينهم 400 طفل على الأقل.
وقد أدت الحرب التي تدور رحاها في سوريا منذ أكثر من عامين ونصف العام إلى مقتل ما يزيد على 100 ألف ولجوء ما يزيد على مليوني شخص إلى البلدان المجاورة، وذلك وفقاً لتقديرات الأمم المتحدة.
وتابعت إيران سلسلة الأحداث الشيقة هذه بكثير من الاهتمام؛ فهي تدعم نظام الأسد و«حزب الله» اللبناني الذي ساعد قوات النظام السوري في استعادة سيطرتها على مدينة القصير في يونيو الماضي، فيما يعد ضربةً مؤلمة لمقاتلي المعارضة السورية. كما أن إيران ذاتها تخوض جدلا طويل الأمد مع الولايات المتحدة والقوى الغربية بشأن برنامجها النووي الذي تقول إنه لأغراض توليد الطاقة والبحث العلمي، بينما يصر خصومها الغربيون على أنها تسعى من وراء ذلك البرنامج إلى إنتاج قنابل نووية يخشون أن تمثل خطراً على إسرائيل في المستقبل.
ويعلم الزعماء الإيرانيون أنه إذا صدر أي قرار أميركي نهائي باستخدام القوة العسكرية ضد سوريا، فإن هذا سيكون بسبب اقتناع عدد كبير من أعضاء الكونجرس بأن التقاعس عن ضرب سوريا سوف يضعف مصداقية إدارة أوباما حين وعدت بأنها لن تسمح لإيران بأن تطور برنامجاً كامل التكوين لتصنيع الأسلحة النووية. وهذا يفسر الجهود المميزة التي تبذلها لجنة العلاقات العامة الأميركية الإسرائيلية (أيباك) للتواصل مع الكونجرس لدعم أوباما في قضية تتعلق باستخدام القوة العسكرية التي لا تؤثر على إسرائيل مباشرة. وهنا تنبغي الإشارة إلى أنه قبل الحرب على العراق في عام 2003، ابتعدت «أيباك» إلى حد كبير عن الأمر ولم تتدخل لدعم جهود إدارة بوش الابن للحصول على دعم برلماني لشن تلك الحرب.
وبمعنى آخر، فإن القضية النووية الإيرانية قد تكون السبب الأكثر ترجيحاً لحصول أوباما على موافقة في نهاية المطاف لتوجيه ضربة عسكرية ضد سوريا، إذا فشلت الجهود الدبلوماسية. وتستند الحجة في هذا الخصوص على أنه إذا لم تقم الولايات المتحدة بالسهر على ما قالت إنه «خطوط حمراء» بشأن استخدام سوريا للأسلحة الكيماوية، فمن المحتمل أنها ستكون أقل ميلا لأن تهاجم إيران إذا ما تجاوزت الأخيرة حداً افتراضياً أو «خطا أحمر» آخر. وسوف تزداد إيران جرأةً في برنامجها النووي، لكنها ستتوخى الحذر في ألا تقدم للولايات المتحدة «دليلا» يتعلق بمدى تقدمها وأنشطتها في البرنامج النووي. وفي المقابل، فإذا أصرت الولايات المتحدة على قرارها من حيث المبدأ بأن تعاقب سوريا لاستخدامها الأسلحة الكيماوية، فإن إيران ستدرك أن أوباما جاد في وعوده وسوف يكون من مصلحة إيران أن تسعى إلى التوصل إلى حل دبلوماسي.
ومن السابق لأوانه التنبؤ بحدوث أي من تلك الاحتمالات. فهناك شئ واحد أكيد، وهو أن أوباما وضع نفسه في موقف صعب بتهديده سوريا بشأن أسلحتها الكيماوية، وسيكون من السخرية أن تنقذه روسيا في نهاية المطاف من أن يتخذ قراراً غير شعبي قد يؤدي إلى نتائج عكسية ويعرض مصداقية ما تبقى من فترة رئاسته للخطر.