الرئيسة \  تقارير  \  إيران : عام الأزمات الخانقة

إيران : عام الأزمات الخانقة

02.01.2023
صادق الطائي

إيران : عام الأزمات الخانقة
صادق الطائي
الغد الاردنية
الاحد 1-1-2023
حمل العام في بدايته بعض البشائر للإيرانيين مع التقدم الذي حصل في جولات مفاوضات الملف النووي، وتوقعت حكومة المحافظين في طهران تحقيق انفراج اقتصادي بعد النجاح في العودة لاتفاق 2015 كما توقع المراقبون في منتصف العام الجاري أن مفاوضات فيينا قد اقتربت من تحقيق النجاح في العودة إلى الاتفاق النووي الذي انسحبت منه إدارة ترامب مع بعض التعديلات التي ستقبلها كل الأطراف. لكن بدا أن هذا التفاؤل كان متسرعا، إذ سرعان ما عادت الأزمات الخانقة تلف المفاوضات وتعطلت لقاءات الإيرانيين المباشرة مع الأوروبيين وغير المباشرة مع الأمريكيين.
يقول ماركوس شنايدر، رئيس مشروع السلام والأمن الإقليميين في مؤسسة “فريدريش إيبرت” في منطقة الشرق الأوسط، في مقابلة صحافية نهاية تشرين الثاني/نوفمبر، إن المفاوضات لم تسر على ما يرام منذ مدة، وقد أوضح له أشخاص مقربون من الوفد الألماني المفاوض أنهم يفتقدون الثقة في الإيرانيين في الآونة الأخيرة. وقال شنايدر:” لدى المفاوضين الغربيين انطباع بأن إيران لم تعد تريد الاتفاق بشكل أساسي. وكلما حقق الاتفاق نجاحا وأصبح على وشك التنفيذ، غير الإيرانيون مطالبهم، لذلك ظلت المفاوضات متعثرة وصعبة للغاية”.
ونتيجة سيطرة المحافظين المتشددين على الحكومة والبرلمان في إيران من جهة، وفوز الجمهوريين في الانتخابات البرلمانية النصفية في تشرين الثاني/نوفمبر في الولايات المتحدة لتصبح الغالبية للجمهوريين في مجلس النواب من جهة أخرى، بات احتمال تقديم إدارة بايدن تنازلات في مفاوضات الملف النووي صعبا جدا، لذلك قال المبعوث الأمريكي الخاص المعني بالمحادثات النووية مع إيران، روبرت مالي: “في الوقت الحالي، لم تعد الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في محاولة إحياء الاتفاق النووي مع إيران”. وأضاف: “أنا مع ترك الباب مفتوحا للمفاوضات، لكن الإدارة الأمريكية ستركز الآن على سياسة العقوبات والضغط”.
من جانب أخر بقي التوتر على أشده بين تل أبيب وطهران على خلفية أزمة الملف النووي وتوسع النشاط الإيراني إقليميا، لذلك ضرب الموساد الإسرائيلي عدة ضربات موجعة في الداخل الإيراني، وربما كانت الأبرز هي عملية اغتيال ضابط رفيع المستوى في آيار/مايو من هذا العام، أذ أشارت المصادر الرسمية الإيرانية إلى أن ضابطا كبيرا في الحرس الثوري الإيراني قد وقع ضحية عملية نفذها الموساد داخل طهران.
الضابط الكبير هو العقيد حسن صياد خدايي الذي عمل مساعدا لقائد فيلق القدس السابق الجنرال قاسم سليماني الذي اغتيل بغارة أمريكية في بغداد في 3 كانون الثاني/يناير 2020. وقد ذكر موقع “دفاع برس” التابع لوزارة الدفاع الإيرانية أن “العقيد حسن صياد خدايي الذي جرى اغتياله في طهران، كان يتولى منصب معاون مدير قسم البحث والتطوير التكنولوجي في هيئة الصناعات الدفاعية التابعة لوزارة الدفاع”. كما ذكر موقع “نسيم” التابع لجهاز استخبارات الحرس الثوري أن خدايي كان مسؤولاً عن نقل تقنية صناعة الصواريخ إلى حزب الله اللبناني، وقد تولى سابقا عمليات نقل الأسلحة إلى سوريا ولبنان وتزويد الفصائل الفلسطينية الإسلامية كحماس والجهاد الإسلامي بمنظوماتها الصاروخية.
وربما كان الحدث الأبرز في الساحة الإيرانية هذا العام هو التوتر الذي اجتاح البلاد بعد أن تفجرت حركة احتجاجية جديدة في ايلول/سبتمبر إثر وفاة الشابة الكردية مهسا اميني في مركز شرطة الآداب بعد اعتقالها نتيجة عدم التزامها بشروط الحجاب الصحيحة، وقد توفيت الفتاة بعد أيام في الحجز ما أثار موجة احتجاجات عارمة في مختلف المدن الإيرانية وقد تجاوز عدد ضحايا قمع القوات الحكومية للمحتجين 400 قتيل، كما شملت الاعتقالات آلاف المحتجين والمحتجات من الصحافيين والشباب الرافضين لقوانين دولة الولي الفقيه وفقًا لمجموعات حقوق الإنسان في إيران. كما قال نشطاء إيرانيون إن قوات الأمن الإيرانية فتحت النار يوم الجمعة 28 تشرين الأول/اكتوبرعلى متظاهرين في ما عرف بمجزرة زاهدان جنوب شرق البلاد التي شهدت أسابيع من الاضطرابات. وقد أفادت التقارير الصحافية أن إطلاق النار أسفر عن مقتل ستة أشخاص على الأقل بينهم صبي يبلغ من العمر 12 عامًا.
كما أشارعدد من متابعي الشأن الإيراني أن إيران لم تشهد منذ احتجاجات تشرين الأول/أكتوبر 2019 حركات احتجاج واسعة النطاق مثل الاحتجاجات الأخيرة. إذ شهدت البلاد تظاهرات منتظمة للمعلمين، واحتجاجات محلية في الأحواز، واحتجاجات صغيرة في أصفهان. ومع ذلك فإن ما بات يعرف بانتفاضة الحجاب التي رفعت شعارا مركزيا هو “مرأة، حياة، حرية” هي الأولى منذ عام 2019 التي غطت البلاد بأكملها. وقد أحال عدد من الباحثين سبب حركة الاحتجاجات إلى عدد أزمات اجتماعية واقتصادية ثقيلة يعاني منها المواطن الإيراني، كذلك جاء فوز ابراهيم رئيسي كرئيس غير محبوب، مع مجلس وزراء فاقد للمصداقية، بالإضافة إلى التشدد في تطبيق مظاهر المبادئ السلوكية الإسلامية ليزيد الطين بلة.
مع توتر الحالة الداخلية في إيران بعد مرور أكثر من شهرين على انطلاق الحركة الاحتجاجية، علقت حكومة رئيسي فشلها في حل الأزمة على شماعة الحركات الكردية المعارضة المتواجدة في كردستان العراق، إذ اتهمتها بتحريك الشارع الإيراني، وابتدأت بشن ضربات وهجمات بالصواريخ والطائرات المسيرة على الداخل العراقي. إذ قامت قوات الحرس الثوري الإيراني بعمليات قصف في تشرين الأول/أكتوبر، طال مناطق متفرقة في بلدتا سيدكان وكويسنجق شمال أربيل وشرقي السليمانية في إقليم كردستان العراق، راح ضحيتها 18 قتيلاً، بينهم طفل وامرأة، إلى جانب 58 جريحاً، غالبيتهم من المدنيين. وقابلت حكومة بغداد وحكومة أربيل هذه الاعتداءات باحتجاجات خجولة.
وتجدر الإشارة إلى تسريبات كثيرة انتشرت هذا العام حول تدهور الحالة الصحية للمرشد الإيراني علي خامنئي (مواليد 1938) لذلك أثارت عدة مراكز للبحوث، ومواقع الأخبار والتحليلات السياسية موضوع خلافة المرشد وبقوة، وتناولت بالتحليل الآليات التي ستتبع في تولي خلفه المنصب، والأسماء المرشحة لشغل المنصب الأعلى في إيران. إذ كانت هناك العديد من التسريبات حول تدهور الحالة الصحية للمرشد البالغ من العمر 84 عاما، والذي خضع لجراحة قبل سنوات نتيجة إصابته بسرطان البروستات، لكن بعض التسريبات الصحية الحالية تشير إلى مشكلة جديدة في الأمعاء ربما كانت نتيجة وجود بعض الأورام.
وقد أشارت مواقع الدراسات الإيرانية إلى إن الساحة الفقهية المحلية قد فرغت من آيات الله الكبار من الجيل السابق للثورة الإيرانية الذين يمكن ان يتنافسوا على منصب المرشد، وبشكل خاص بعد وفاة المرشح الأقوى للمنصب آية الله محمود هاشمي شاهرودي عام 2018 لم يبق سوى الشيخ صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية الأسبق الذي ينافس رئيس الجمهورية الحالي ابراهيم رئيسي، والذي يعتبره المراقبون المرشح الأقوى لخلافة خامنئي.
لذلك يشير بعض الباحثين إلى احتمالية تكرار سيناريو 1989 حينما تم اختيار خامنئي مرشدا أعلى خلفا للمرشد الأول الخميني، فاليوم هناك الثلاثي الأقوى، وهم رجال دين بدرجة حجة الإسلام، اثنان منهم سيلعبان دور صناع الملك، بينما يحظى الثالث بوراثة المنصب، وهم؛ مجتبى خامنئي ابن المرشد الحالي، والشيخ صادق لاريجاني رئيس السلطة القضائية الأسبق، والذي من المتوقع أن يلعب دورا سياسيا فاعلة مستقبلا، والمرشح الأوفر حظا بتسنم منصب المرشد سيكون رئيس الجمهورية ابراهيم رئيسي.