الرئيسة \  واحة اللقاء  \  ابادة الأكثرية حماية للأقليات؟

ابادة الأكثرية حماية للأقليات؟

10.09.2013
رأي القدس
رأي القدس


القدس العربي
الاثنين 9/9/2013
في خطابه بعد مجزرة الكيماوي اختصر وزير الخارجية السوري وليد المعلم المسألة بمعادلة بسيطة: قصف جوبر والغوطة (مناطق يسيطر عليها الجيش الحرّ) لحماية القصاع وجرمانا (حيّان يسيطر عليهما النظام) وهو ما يعني لمن يعرف الجغرافيا السياسية والطائفية في سورية ان النظام يبيد الأكثرية ليحمي الأقليات.
الخطاب نفسه يستخدمه النظامان الروسي والايراني في دبلوماسيتهما وتصريحاتهما مباشرة او ضمناً وتقوم وسائل اعلامهما بقصف الرأي العام به ولا تتورع عن استخدام التلفيق والتهويل فيه بغض النظر عن النتائج السياسية والاجتماعية المدمرة لذلك.
بالمقابل لا تتوقف تشكيلات عديدة محسوبة على المعارضة الجهادية المسلحة عن تزويد النظام وحلفائه بمواد اعلامية وسياسية تفيد خطابه وتعززه، في مسلسل طويل الحوادث اختلطت فيه الطائفية بالتطرف والبلاهة السياسية بالاختراقات الامنية الواسعة لهذه التنظيمات.
جاء هجوم على حاجز لقوات النظام على مدخل مدينة معلولا ذات الرمزية المسيحية والتاريخية العالية ليقدم إحدى هذه المواد السريعة الاشتعال بحيث سارعت وسائل اعلام مرتبطة بالنظامين السوري والايراني لتضخيمها وتأليف قصة كبيرة منها وما لبثت روسيا ان التقطت الخيط فاندفعت كعادتها للدفاع عن ‘الأقليات المهددة’، كما استفاقت أيضا الآلة الاعلامية للفاتيكان فجأة وبدأت تنشر تصريحات تصبّ في هذا السياق.
يتسق هذا الخط مع خطة النظام الأساسية للدفاع عن نفسه مستنداً لخبراته الطويلة في تأجيج الأزمات طائفياً وإثنياً في لبنان والعراق وسورية بالتلاعب بخزان احتياطي كبير من موزاييك ديني وطائفي واثني وقبلي بحيث يكون الاستبداد، الذي قضى عمراً ينفخ في نار هذا الخزّان، هو الوحيد صاحب الخلطة السحرية التي تمنع انفجاره.
مشكلة هذا الخطاب السياسي أن برنامجه الوحيد هو المذبحة المستمرة: ابادة الاكثرية والا ابيدت الاقليات!
يحوّل هذا البرنامج الأقليات الى رهائن ويخضعها الى فيلم رعب مستمر: اما ان تقبل هذا الخطاب وتشارك فيه وتتحمل تبعاته الدموية وإما يفلت عليها أجهزته وشبيحته يضيقون عليها ويحاصرونها.
لكن لعبته الأكثر نجاحاً منذ بداية الثورة السورية هي ارهاب هذه الاقليات بتنظيمات ‘جهادية’ ظل عقودا كاملة يلعب معها لعبة القط والفأر رابطا اياها باجهزته الامنية، ومرسلا افرادها للموت باسم الجهاد في العراق ولبنان وغيرها من البلدان التي يريد دوراً له فيها، مساوماً المجتمع الدولي عليها كلما احتاج الأمر، وضارباً إياها حين تستنفد مهامها.
يدخل النظام السوري وحلفاؤه سوق السياسة العالمية بهذه الماركة المسجلة لكن السرّ في تسجيلهم نجاحات كبيرة فيها هو أن العالم شرقا وغرباً، ومنذ المأساة الفلسطينية المستمرة يعتمد النظريات الاستشراقية التي ترفع المسؤولية عن المجرمين الحقيقيين.
تحمّل هذه الآلية الفكرية المسلمين ودينهم مسؤولية ما يجري لهم، وتتجاهل أسس الظلم الرهيب وانعدام العدالة وانتهاك الكرامة الفظيع للشعوب، في لعبة يتشارك فيها النظام الدولي (بطبعتيه: الليبرالية في الغرب والمستبدة في روسيا) الأدوار مع انظمة الاستبداد كالنظام السوري واسرائيل وشقيقاتها العربيات.
بذلك نفهم كيف تتجمع شبكة مصالح عالمية هائلة للدفاع عن النظام السوري ومذبحته المستمرة لشعبه، من اليمين الاوروبي الذي يعتنق ايديولوجية النظام نفسها في الدفاع عن الاقليات الدينية بابادة الاكثرية المسلمة، الى اليسار الذي يخفي قوالبه الاعلامية التي تربط المسلمين بالتخلف والرجعية ايضا مقنّعا ذلك بايديولوجية معاداة الحرب والمنافحة عن السلام (لأن حروب الأنظمة على شعوبها مبررة طالما لا تخصم تكاليفها من ميزانيات الدفاع الاوروبية) وصولاً الى روسيا والصين والفاتيكان.
مما يجعلنا نقف امام لوحة سوريالية عجيبة تشترك فيها اجهزة الكي جي بي والموساد والمافيا وتجار الحروب والطائفية والقتل مع جبهات الممانعة ونزعات السلام وايقاف الحرب… السؤال هو: اي حرب تريدون ايقافها حقاً؟