الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اتفاق سري أميركي - روسي على تمثيل مسرحية الكيماوي!

اتفاق سري أميركي - روسي على تمثيل مسرحية الكيماوي!

22.09.2013
سليم نصار


الحياة
السبت 21/9/2013
فوق المدخل الرئيس للقاعة، التي ضمت ممثلي المنتدى الاقتصادي الدولي في مدينة سانت بطرسبورغ، يافطة ضخمة تحمل صورة نسر برأسين، شعار الامبراطورية الروسية.
ومع أن الرئيس فلاديمير بوتين خدم في المانيا الشرقية كرئيس لجهاز الاستخبارات السوفياتية (كي جي به)، إلا أن انهيار الاتحاد السوفياتي، سنة 1990، دفعه الى تسلق المرحلة الانتقالية بطريقة أعادت الى روسيا دورها الريادي في التوازن الدولي.
وقد ساعده على تثبيت هذا الدور التردد الذي أظهره الرئيس الاميركي باراك اوباما خلال ولايته الأولى. ذلك أنه قرر الانسحاب من العراق وأفغانستان على أمل استرجاع ثقة الشعوب العربية والاسلامية التي خيَّب جورج بوش الابن آمالها.
ومن المؤكد أن موجة الثورات في العالم العربي ساهمت في إضعاف النفوذ الاميركي الذي حاول اوباما توظيفه من أجل حلّ الخلاف التاريخي بين العرب واسرائيل. وكان من نتيجة تلك الانتفاضات الشعبية أن تم إسقاط عدد من الحكام الذين عُرِفوا بتحالفهم مع واشنطن. كما تسببت أيضاً في زعزعة العلاقات بين الولايات المتحدة والأنظمة التي صمدت أمام «الربيع العربي».
الحجَّة التي ساقها المتحمسون لدعوة تغيير المحاور المركزية، تبناها اوباما في خريف سنة 2011 عندما زار اوستراليا. وأعلن في حينه أن القطع البحرية الاميركية ستوضع في المحيط الهادئ حتى سنة 2020 بغرض موازنة قوة الصين الآخذة في الازدياد. وبناء على هذا التحول، أعلن الرئيس اوباما في مؤتمر صحافي أن النفط والغاز الحجريين سيُحدثان طفرة مفاجئة قد تؤدي الى تراجع في العلاقات مع دول الشرق الأوسط.
ويقول الخبراء إن دول مجلس التعاون الخليجي تُنتج ما نسبته 54 في المئة من إجمالي احتياطي النفط العالمي الثابت و40 في المئة من إجمالي احتياطي الغاز العالمي الثابت. ومعنى هذا أن الولايات المتحدة لا تستطيع فك ارتباطها عن العوامل التي تساهم في استقرار سوق الطاقة العالمية، وفي تأمين وصول ناقلات النفط الى كل القارات.
وترى روسيا، شأن غيرها من دول العالم، أن مركز القوة العالمية ينتقل تدريجاً الى الشرق، وأن صعود الصين يتم على حساب ضمور قوة الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا. ومن أجل دعم امكانات بيكين، بادرت موسكو الى مدّ انبوب نفط عبر سيبيريا لتصدير النفط الى الصين. علماً أن هذه الصادرات لا تزيد على ستة في المئة من إجمالي واردات الصين.
وفي ظل هذا التعاون، تدخلت الدولتان أكثر من أربع مرات لتمنع مجلس الأمن الدولي من اتخاذ قرار يسمح باستخدام القوة العسكرية ضد نظام بشار الأسد.
أثناء وجود المفتشين الدوليين في دمشق، وحصول الهجوم الكيماوي على مناطق خاضعة لسيطرة الدولة، هدد الرئيس الاميركي اوباما بضرب المنشآت العسكرية السورية. وقبل أن ينفذ تهديده، تدخلت موسكو لإقناع واشنطن بأن المطلب الاميركي سيتحقق بالطرق السلمية، لا بالطرق الحربية التي أنهت نظام معمر القذافي.
مقابل تراجع واشنطن عن الخيار العسكري، حصر بوتين اقتراحه الأول ببندَيْن يتعلق أولهما بوضع آليات للرقابة الدولية على المخزون الكيماوي تمهيداً لنقله الى مكان آمن والشروع في تدميره. بينما يقضي البند الثاني بضرورة اتخاذ الاجراءات اللازمة لانضمام سورية الى منظمة حظر السلاح الكيماوي والتوقيع على الوثائق الدولية التي تحرِّم استخدام هذا السلاح.
ومن تدخل بوتين وُلِدَت نتيجة إيجابية لحوار جديد بين الولايات المتحدة وروسيا ممَثلتَيْن بوزيرَيْ الخارجية جون كيري ونظيره سيرغي لافروف.
ورأى قائد المعارضة العسكرية في سورية، سليم ادريس، أن المواد الست، التي تشكل إطار الاتفاق، تترك للأسد مجالاً واسعاً للتهرب من التنفيذ. ذلك أن من الصعب جداً الكشف عن 45 موقعاً خلال أسبوع واحد. في حين يمنح النظام فرصة كافية لإخفاء مخزوناته، على اعتبار أن وفد المراقبين الدوليين لن يصل الى سورية قبل شهر تشرين الثاني (نوفمبر).
وكان من المناسب أن تبدأ الرقابة فوراً، إذا كانت الدول المعنية تخشى من نقل هذه المواد الى دول مجاورة مثل العراق... أو دول بعيدة مثل روسيا.
ولاحظ المراقبون أن الرئيس بوتين كشف عبر تصريحاته عن بعض الأسرار المهمة المتعلقة بموضوع السلاح الكيماوي. قال «إن سورية تمتلك مخزوناً من السلاح الكيماوي يُعتبر، بالنسبة الى هذا البلد، العتاد المقابل للسلاح النووي الاسرائيلي».
وكان بهذا التصريح يشير الى الدور الذي لعبته بلاده في تأمين مخزون كيماوي ضخم بهدف موازنة السلاح النووي الاسرائيلي. ويبدو أن الأسد لجأ الى هذه المادة القاتلة بعدما منعته اسرائيل من إنتاج قنبلة نووية في المفاعل السري الذي أنشئ في موقع «الكِبَر» قرب دير الزور. وفي سنة 2007 قامت طائرتان حربيتان بتدميره بعدما اهتدت الاستخبارات الاسرائيلية الى الموقع المخفي وسط غابة كثيفة. وبسبب حاجة سورية الى سلاح ردعي من النوع الفتاك، قامت روسيا بتأمين كميات ضخمة كافية لتهديد اسرائيل.
وبالتزامن مع استخدام السلاح الكيماوي، أطلقت البحرية الاسرائيلية صاروخين ذكِر أن المضادات الروسية في ميناء طرطوس هي التي أسقطتهما قبل وصولهما الى الهدف المجهول. في حين ادَّعت البحرية الاميركية أنها هي التي فجّرتهما في الجو خشية تدخل القوات الاسرائيلية في الحرب. وهكذا ضاعت تفاصيل هذين الصاروخين في زحمة البحث عن مطلق السلاح الكيماوي.
في كلمة أخرى، اعترف بوتين بأنه ناقش موضوع الكيماوي السوري مع اوباما في قمة سانت بطرسبرغ، وأنه اتفق معه على نقل هذه الترسانة الى السيطرة الدولية. وبما أن واشنطن لم تُكَذب هذا الادعاء، لذلك اعتبرت الأسرة الدولية أن تهديد اوباما، بتوجيه ضربة عسكرية الى المنشآت السورية، لم يكن قراراً صادقاً... وأن تعهد بوتين بإزالة السلاح الكيماوي السوري مقابل تجميد الضربة الاميركية: هذه المناظرة المفتعلة لم تكن في نظر المطلعين سوى مسرحية سياسية اتفق الرئيسان على إخراجها وتمثيلها بطريقة مقنعة لجمهور المتفرجين.
في ضوء كل هذا، فإن التسوية التي يتحدثون عنها الآن كانت المخرج الأفضل لكل الأطراف. فهي جيدة لروسيا كونها تثبت مكانتها كقوة دولية عظمى شبه مساوية لقوة الولايات المتحدة.
وهي جيدة للرئيس اوباما كونها حررته من عبء الكونغرس ومنعته من التورط في حرب لا يريدها.
وهي جيدة لبشار الأسد كونها منحته الفرصة الكافية لتفسير الاتفاق على ما يريد... خصوصاً أنه لا يضع مخططاً لإنهاء الحرب الأهلية أو استبدال النظام بنظام آخر يحكمه الائتلاف المعارض. أو على الأقل فرض عقوبات أو هدنة موقتة.
إن العقوبات الوحيدة التي يذكرها الاتفاق تتناول الوضع الذي يرفض فيه الأسد الوفاء بتعهداته. عندها قد يتدخل مجلس الأمن لفرض عقوبات في إطار المادة السابعة من ميثاق الأمم المتحدة. ولكن ليس من المؤكد تمرير مثل هذا القرار، لأن روسيا لا توافق البتة على التفسير الاميركي. وبما أنها تملك حق النقض (الفيتو) كالصين، فإن سورية تشعر بأنها محصّنة ومصانة.
في تصريحه الأخير الى «فوكس نيوز»، اعترف بشار الأسد بالتزامه حيال الاتفاق.
وأعرب عن رغبته في التخلص من الأسلحة الكيماوية، وعن استعداده لتسليمها الى أي بلد لا يمانع في المخاطرة بأخذها. ويُستنتج من الرسائل الرمزية التي أرسلها الأسد بواسطة تصريحه، أن التكاليف يجب أن تدفعها الولايات المتحدة مع حلفائها المهتمين بالتخلص من المواد السامة. كذلك أعطى نفسه فترة سنة للإشراف على إنجاز هذا العمل المضني.
يوم الأربعاء الماضي (11 ايلول-سبتمبر)، احتفل بشار الأسد بعيد ميلاده الثامن والأربعين. وأوحى لشلة الأصدقاء، الذين شاركوه هذه المناسبة، أن سنة 2014 ستشهد نهاية ولايته، وبداية مرحلة جديدة خالية من السلاح الكيماوي.
وكان بهذا الكلام يهزأ من سذاجة الاميركيين الذين تراجعوا عن ضربه وإسقاط نظامه مقابل التخلي عن مواد لن تقبل الدول باختزانها ما عدا روسيا التي وفرتها. وهو يتوقع تراجع «الائتلاف الوطني السوري» أمام الزحف الخارق الذي تحققه عناصر «القاعدة» و «جبهة النصرة». وعليه يرى أن إرهاب الاسلاميين سيدفع الاميركيين الى المطالبة ببقائه واستمرار نظامه، كونه الحاكم الوحيد في الدول العربية الذي راهن على الخيار الروسي. في حين خذل باراك اوباما صديق اميركا الرئيس حسني مبارك، مثلما سيخذل النظام العسكري المصري الذي يحاول الاعتماد عليه في نزاعه مع «الإخوان المسلمين».
 
* كاتب وصحافي لبناني