الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا.. الدلالات الاستراتيجية

اتفاق وقف إطلاق النار في جنوب سوريا.. الدلالات الاستراتيجية

10.07.2017
فيصل ملكاوي


الرأي الاردنية
الاحد 9/7/2017
الاتفاق الذي يدخل حيز التنفيذ ظهر اليوم لوقف اطلاق النار في جنوب غرب سوريا هو ثمرة جهود واتصالات طويلة ومكثفة شملت لقاءات عديدة في عمان ضمت الاردن والولايات المتحدة وروسيا نتج عنها في النهاية منطقة خفض التصعيد الاولى وربما الاكثر اهمية من الناحية الاستراتيجية بين مناطق خفض التصعيد الاربعة التي تم الاتفاق عليها في اجتماع استانا 4 في بداية ايار الماضي. اهمية الاتفاق في جنوب سوريا انها ذات ابعاد شاملة سواء بالنسبة للاطراف المنخرطة فيه او بالنسبة للمسار السياسي ايضا فيما يخص الازمة السورية ومحاولة خلق بيئة تهيئ بشكل افضل لهذا المسار والحل الذي يمكن ان ينبثق عنه في المستقبل والذي لم يكن بالامكان التوصل اليه خلال الفترات الماضية لاسباب عديدة من اهمها العجز والشلل الدولي والاستقطاب الاقليمي واستشراء الارهاب وكلها عوامل ادت الى عدم التوصل لاتفاق شامل مستديم لوقف اطلاق النار في سوريا.
مناطق خفض التصعيد في نهاية المطاف ليست غاية بحد ذاتها بل هي وسيلة وبداية لمرحلة ومسار ، من الواضح انه الاكثر وضوحا وعملية لوقف نار مستدام واكثر شمولا ، وصيغة مقبولة لكافة الاطراف لحفظ مصالحها وتعزيز امنها وبالاضافة الى ذلك انها باتت الية اكثر توافقا عليها من قبل القوتين الدوليتين الاكثر تاثيرا في الازمةالسورية روسيا والولايات المتحدة اللتين بدونهما وبدون التوافق بينهما على اطر واليات الحل لا يمكن التوصل لاي حلول للازمة السورية وما يعنيه ذلك من ان الازمة ستبقى رهينة الاستقطاب والتدخلات من الاقليم وخارجه وابقاء الفرصة لوجود الارهاب وعدم امكانية حسم المعركة بشكل شامل في هذا السياق.
بالنسبة للاردن الذي نادى بالحل السياسي منذ اليوم الاول للازمة السورية فان هذا الحل هو الخيار الوحيد والذي يواصل التمسك بالدعوة اليه كوصفة وحيدة لحل الازمة بما يضمن وقف نزيف الدم السوري ويوقف تشريد ابناء الشعب السوري ويحفظ وحدة وسيادة سوريا ويتيح عودة ابناء الشعب السوري الى ديارهم باقرب وقت بناء على حل يشارك فيه جميع ابناء الشعب السوري بما يرتضونه لمستقبل بلادهم. وفي ذات الوقت فان الاردن كدولة جارة لسوريا تملك معها خط حدود يمتد لاكثر من 370 كيلومتر رابطت عليه القوات المسلحة الاردنية والاجهزة الامنية بجهد جبار واقتدار طيلة السنوات الماضية من الازمة له اهداف استراتيجية على راسها ان الامن الوطني الاردني خط احمرلا يقبل اي مساس ولا تهديد باي شكل من اي تداعيات للازمة السورية وكذلك عدم اقتراب اي تنظيمات ارهابية او مليشيات مذهبية من الحدود وان الحل السياسي الذي يعيد مفهوم الدولة الى سوريا هو الذي يجعل الاردن في حالة مريحة اذ ان لا اجندة اردنية لاي شبر داخل التراب السوري سوى عودة سوريا الى امنها واستقرارها والتوصل الى الحل السياسي الذي ينهي الازمة الطاحنة التي تعصف بسوريا لاكثر من ست سنوات مضت.
ولهذه الغاية فان الاردن ينظر الى وقف اطلاق النار في جنوب سوريا المتاخم للحدود الاردنية ومنطقة وقف التصعيد في تلك المنطقة المحورية في سوريا والى بقية مناطق خفض التصعيد المنبثقة عن مسار استانا كخطوات تمهد للحل السياسي وان نجاح وقف اطلاق النار في جنوب سوريا والترتيبات المرافقة له والتي ستكون اكثر وضوحا وتفصيلا خلال اسبوع سيشكل انموذجا لمثل هذه التهيئة. كما ان منطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا ليست اطار بديلا او قفزا عن مساري جينف السياسي واستانا الامنى العسكري مثلما يمكن للبعض ان يفسرها من الاطراف التي لا مصلحة لها بالتوصل لاي حل للازمة السورية.
وقف اطلاق النار الشامل والمستدام ومنطقة خفض التصعيد في الجنوب السوري وفي اي مكان اخرفي سوريا كلها تشكل اطارا مهمالخلق بيئة مناسبة لمسار الحل السياسي وفق قرار مجلس الامن الدولي رقم 2254ومساري جنيف واستانا والاهم انها المرة الاولى في مسار الازمة السورية التي تتشارك الولايات المتحدة وروسيا بترتيب جوهري واستراتيجي على صعيد الازمة للتوصل الى حل لها.
وهنا لا بد من ملاحظة ان الاعلان عن الاتفاق لوقف اطلاق النار في سوريا جاء في نفس الوقت من عمان عبر بيان وزير الدولة لشؤون الاعلام الناطق الرسمي باسم الحكومة الدكتور محمد المومني ومن هامبورغ خلال الاجتماع الاول بين الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين والاميركي دونالد ترامب على هامش قمة العشرين وما الى ذلك من دلالات استراتيجية في غاية الاهمية وتشير الى ان المرحلة المقبلة ستشهد مزيدا من الخطوات الجوهرية على صعيد الازمة السورية وستكون الدول الراعية والضامنة بالدرجة الاولى هي كل من واشنطن وموسكو وان التفاهم الاميركي الروسي هو الحلقة التي كانت مفقودة خلال السنوات الماضية.
الرسالة الكبيرة من فحوى الاتفاق في جنوب غرب سوريا التي لفتت انظار العالم انه ضم الاردن والولايات المتحدة وروسيا وتم توقيعه في عمان ما اكد حقيقة ان الاردن له مكانته الرفيعة لدى عواصم صنع القرار الدولي وكلمته المسموعة التي تحفظ امنه ومصالحه كما تسهم رؤيته ذات المصداقية العالية بشكل مهم في التوصل لحل الازمة السورية التي طال امدها.
اعتبارا من اليوم وخلال الايام القليلة المقبلة ستكون كافة التفاصيل المتعلقة بمنطقة خفض التصعيد في جنوب غرب سوريا اكثر وضوحا من حيث حدودها الجغرافية واليات تنفيذها وكذلك اتمام انشاء مركز تنسيقها ومتابعتها الذي سيكون مقره عمان.