الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اتحاد عربي سني جديد

اتحاد عربي سني جديد

22.07.2015
فايز الفايز



الشرق القطرية
الثلاثاء 21/7/2015
أسبوع مضى على "اتفاق العصر" الذي جرى بين إيران الشرق أوسطية الجديدة، وما بين الدول الكبرى بقيادة المفاوض المتفرد بقوته وهي الولايات المتحدة، فهل استفاق العرب الكبار من صدمتهم جرّاء الاتفاق الذي كانوا ينظرون له منذ أكثر من عام ولا يريدون أن يصدقوا ما تراه أعينهم وما تسمعه آذان استخباراتهم، وكان كل ما يجري على الساحة العربية تحديدا ينبئ عن "اتفاق" كان سيولد بأي صورة كانت، ومع هذا لم يتحرك المتضررون العرب إلا في آخر أشهر المفاوضات، ثم انفجر الوضع فجأة، فصرخ العرب: يا ويلتاه على ما فرطنا به من زمن، وصاح العجم واأمريكاه، يا ولايتاه جديدة جاءت لنا بالفرج، ورزقتنا بخمس عشر سنة جديدة ملأى بمئات المليارات، وعقود إعادة تأهيل إيران عسكريا واقتصاديا وسياسيا.
العرب المساكين ينظرون إلى ذلك الرئيس الأسود الذي جاء إلى البيت الأبيض لأول مرة في التاريخ الغربي، وكأنه شيطان خرج من بين قرني الشمس قبل أن تغرب، ويحمل على عاتقه مهمة هلاك العالم العربي بدعمه لقوتين ستحكمان قبضتهما أكثر على الشرق الأوسط، وهما إسرائيل المدللة الغاضبة، وإيران العدوة السابقة التي ستتحول إلى صديقة المصالح الغربية عما قريب، فيما العالم العربي يغرق في مستنقع الحرب التي لا تنتهي، حروب ستكلف ميزانيات الدول الغنية مليارات الدولارات، لتكون الخسارة مزدوجة إذا ما حسبنا مئات المليارات التي ستكسبها إيران نتيجة الاتفاق.
إذا ما الذي على الدول العربية أن تفعله مقابل التطورات الدراماتيكية الجديدة التي ستخلق خلال النصف المتبقي من هذا العام أوضاعا وإستراتيجيات وقواعد جديدة للعلاقات بين العالم الغربي والعالم الشرق أوسطي، وماذا سيقدم العرب للغرب أكثر مما ستقدمه إيران؟ ألنفط؟ إنه موجود لدى إيران، والغاز أيضا، والصناعات الطبيعية، ومناخات الاستثمار، والقوة البشرية وعلى رأس ذلك القوة العسكرية، وأيديولوجيا ستقدم سياسة الديمقراطية المبنية على الانتخابات الرئاسية التي تشبه انتخابات فرنسا والولايات المتحدة، وستقدم حجة التاريخ الفارسي وقواعد الدول الراتبة التي استفادت من إمبراطورية الشاهنشاهية حتى قبل أقل من أربعين عاما ذهب يومها حكم الشاه محمد رضا بهلوي، رجل الغرب القوي، وكل ذلك سيفتح شهية أوروبا الجديدة بسياساتها اليمينية والولايات المتحدة أيضا، لإعادة تأهيل إيران كزعيم جديد في الشرق الأوسط.
إذا من المفيد لنا نحن العرب في كل مكان أن نعترف بأننا غارقون حتى الآذان في الوحل السياسي والدماء المتدفقة في كل مكان، وفي صراعات لن تنتهي قبل أن يتحول المارد الإيراني سيد المنطقة، الآمر الناهي، فلا أوباما يعاني من الأرق نتيجة تفكيره بسوء الأوضاع في عالمنا العربي، ولا زعماء أوروبا يعذبهم الضمير نتيجة ضياع بوصلة العالم العربي ودوله وموت حكامه وتشرد شعوبه بين نيران الداخل ولجوء المخيمات في الخارج، فماذا ينتظر الزعماء العرب الذين لا تزال الشعوب الحية تنظر لهم بعين الأمل بعد الله، كي يتحركوا ليزيحوا هذا الغم من على صدور شعوبهم، ويعيدوا للعالم العربي كرامة داست عليها المصالح الأمريكية والغربية، في إحياء جديد للاستعباد الإفريقي، والاستبداد الاستعماري الذي مارسته ممالك وإمبراطوريات ودول أوروبا التي تأنقت اليوم بالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، بعدما اغتسلت من وحل التاريخ القذر الذي عاشته حتى منتصف القرن العشرين، وأبادت خلاله ملايين البشر بلا اعتذار.
ماذا ينتظر العرب، هل سيبقون أتباعا للمذهب الأمريكي؟ وهل سيبقون على سياساتهم المهرولة خلف "ولاية الفقيه الأمريكي"، التي يبدو أنها أعجبت الإدارة الأمريكية بزعامة أوباما، فرأى نفسه في المنام بأنه إمبراطور لا يشق له غبار، فعاند الكونجرس، وتحداهم بشق عصا الطاعة وإعلان "الفيتو" لأول مرة نذكرها نحن، واتفق مع إيران منذ ثلاث سنوات على عدم الاقتراب من النظام السوري ورئيسه بشار الأسد، وعدم ضرب الجيش النظامي أو أي مليشيا أو قوة تقاتل معه، وحتى اليوم يعارض أي تدخل عسكري مباشر في سوريا أو فرض حظر جوي عليها، وإطلاق يد حكومات بغداد التابعة لطهران والسماح للقادة العسكريين الإيرانيين بقيادة الجيش العراقي المتهالك والعصابات الطائفية، وإطلاق يدها للفتك بأهل السنة، الذين يخرج من أصلابهم الانتحاريون الذين دوخوا قوات الإمبراطور الأمريكي، وكل هذا ضمن اتفاقات أولية لضمان التوصل إلى الاتفاق الذي شهدناه.
فما الذي يمنع من خلق محور شامل متكامل سياسيا وعسكريا واقتصاديا، يشكل نواة اتحاد عربي جديد يعيد بناء الشرق العربي السني كقوة ضاربة تفرض شروطها دون الانصياع لما يجري، وذلك قبل خروج الشرق الأوسط الشيعي الذي ستبنيه إيران وتحبه الولايات المتحدة وحلفاؤها كثيرا، وسيهدون لكم ما سيتبقى من تنظيم داعش الذي لن يقاتل سوى الدول السنية عما قريب.