الرئيسة \  واحة اللقاء  \  اجتماع القاهرة لزيادة انقسام المعارضة السورية

اجتماع القاهرة لزيادة انقسام المعارضة السورية

06.06.2015
حسين عبد العزيز



الحياة
الخميس 4/6/2015
لا شك أن أي عمل يهدف إلى توحيد المعارضات السورية ضمن رؤية ومنهج سياسي واحد هو أمر مطلوب وطال انتظاره لما له من تأثير إيجابي على أداء المعارضة السورية بعد سنوات التفتت والخلاف.
غير أن ما جرى ويجري منذ أشهر لا ينم عن وجود رغبة لدى الدول المنظمة لمؤتمرات المعارضة السورية ولا لدى المعارضات في توحيد نفسها، بقدر ما هناك رغبة في إيجاد أقطاب سياسية معارضة تعبر عن القوى الإقليمية والدولية الداعمة لها.
ضمن هذه الرؤية يأتي اجتماع "القاهرة 2" بعد أيام ليزيد انقسام المعارضة السورية عبر البحث عن قطب سياسي خارج المنظومة الإقليمية الداعمة التي يعبر عنها "الائتلاف الوطني"، وخارج المنظومة الروسية ـ الكازاخية التي تعبر عنها "الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير" وبعض القوى المحسوبة على النظام، ولذلك استبعدت القاهرة مكونات رئيسية في "الائتلاف" محسوبة على الخط التركي ـ القطري في وقت استبعدت أيضا "الجبهة الشعبية للتحرير والتغيير" التي تضم حزب "الإرادة الشعبية" برئاسة قدري جميل والحزب السوري القومي الاجتماعي المحسوبين على موسكو ودمشق.
تقدم القاهرة نفسها على أنها طرف محايد يسعى إلى بلورة رؤية موضوعية قابلة للتنفيذ في سورية، لكن واقع الحال هو غير ذلك تماماً، فالقاهرة تقف إلى جانب النظام أكثر مما تقف إلى جانب المعارضة وتحاول تعويم النظام السوري أو إعادة إنتاجه عبر توأمة النظام ونوع من المعارضة تسمي نفسها المعارضة الوطنية السورية، وهو توصيف لا يخلو من دلالة.
إنها رؤية أقرب إلى الموقف الإيراني منه إلى الموقف الخليجي عامة والسعودي ـ القطري خاصة، حيث تطالب القاهرة بحل سياسي خارج مخرجات إسقاط النظام على الطريقة الليبية أو الطريقة اليمنية، وتتبنى رأياً يتماهى مع الموقف الإيراني ـ الروسي، يتمحور حول إيجاد تسوية سياسية يكون الأسد شريكاً فيها.
وقد عكست النقاط العشر التي انتهى إليها اجتماع القاهرة الأول للمعارضة في كانون الثاني (يناير) الماضي موقف القاهرة من الحل السياسي في سورية:
ـ استبعاد البحث في مصير الأسد، فالحل سياسي يبدأ بمرحلة انتقالية يكون الأسد فيها شريكاً.
ـ اعتماد وثيقة "جنيف - 1" في صيغتها المبهمة للحل السياسي، واستبعاد مقررات "جنيف - 2" لا سيما الوثيقة التي قدمها "الائتلاف".
ـ التركيز على القرارين الدوليين 2170 و 2178 المتعلقين بمحاربة الإرهاب، وتجاهل القرار الدولي 2118 الذي يدعو في مادتيه الـ 16 و 17 إلى تبني بيان جنيف لا سيما البند المتعلق بتشكيل هيئة حكم انتقالية ذات صلاحيات تنفيذية كاملة.
لا يعني ذلك أن اجتماع القاهرة لن يبحث المرحلة الانتقالية، فقد أعلن هيثم مناع أن المعارضة في القاهرة مستعدة للتفاوض مع وفد من الحكومة السورية على أساس بيان جنيف، أي على أساس نقل كل السلطات العسكرية والمدنية من دون استثناء إلى حكومة انتقالية.
لكن الفرق بين رؤية "هيئة التنسيق" وهي أكبر مكون في مكونات اجتماع "القاهرة 2" ورؤية "الائتلاف" للمرحلة الانتقالية هو فرق مهم: "هيئة التنسيق" تركز على البعد العسكري والإنساني في وظائف هيئة الحكم أثناء المرحلة الانتقالية، وهي في ذلك تتلاقى مع القاهرة، وقد أعلن رئيس فرع "هيئة التنسيق" في المهجر ماجد حبو أن أولويات الحل تبدأ بحل المسألة الإنسانية ووقف العنف ووقف النار، وليس صدفة أن يعلن حسن عبد العظيم المنسق العام للهيئة قبل فترة دعمه للجيش السوري، في حين يصر "الائتلاف" على مسألة تشكيل الهيئة الانتقالية وحدودها وصلاحيتها السياسية كأولوية لأي حل في سورية.
من هنا اتسعت الهوة بين الفريقين وامتدت إلى مسألة مصير الرئيس الأسد، فـ "الائتلاف" يعتبر أن غاية العملية السياسية هي تغيير النظام الحالي بشكل جذري وشامل بما في ذلك الرئيس ورموزه، في حين تؤكد "هيئة التنسيق" أن هذه المسألة متروكة للمفاوضات وتحتاج إلى إجماع دولي خارج قدرات المعارضة السورية، وعليه تقبل الهيئة بقاء الرئيس في منصبه، لكنها لم تحسم بعد ما إذا كان الاتفاق على اقتراح بقائه حتى انتهاء مدته الرئاسية، أو ستتم الدعوة إلى انتخابات مبكرة كما أعلن حبو.
وقد عبر عن هذا التوجه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي صراحة في العشرين من كانون الثاني الماضي خلال مقابلة أجرتها معه صحيفة "الاتحاد" الإماراتية حين قال إن الرئيس بشار الأسد سيكون جزءاً من عملية التفاوض في حال إجراء حوار بين النظام والمعارضة.
وفي الظاهر تبدو الرؤية المصرية ورؤية المعارضة السورية المشاركة في اجتماع القاهرة أكثر موضوعية من غيرها في ظل عدم وجود قرار دولي بإسقاط النظام في هذه المرحلة لما له من انعكاسات سلبية على عملية محاربة الإرهاب من جهة وعلى الدولة ومؤسساتها الرئيسية من جهة ثانية.
لكن هذه الرؤية ستؤدي إلى نتائج معاكسة لما يريد أصحابها إذا افترضنا حسن النية لديهم، لأنها ستؤدي أولاً إلى نشوء منظومتين للمعارضة السورية ضمن اصطفافات إقليمية واضحة، وبالتالي سيساهم اجتماع القاهرة في ازدياد الشرخ داخل صفوف المعارضة، وثانياً لأن السقف السياسي الذي يطرحه الاجتماع سيقرأ في دمشق قراءة مغايرة وسيدفع النظام إلى التمسك بمقولاته أكثر لا سيما في هذه المرحلة. وهناك فرق كبير بين تقديم تنازل سياسي قبل بدء المفاوضات وبين تقديم تنازل أثناء العملية التفاوضية.